تشتهر بودابست عاصمة المجر هنغاريا بحمّاماتها المعدنية والساخنة، وقد حصلت سنة 1934 على لقب مدينة الحمّامات لأن عدد الحمّامات فيها يفوق مثيله في أية مدينة أُخرى في العالم. ويوجد في بودابست اليوم 118 ينبوعاً وبئراً محفورة تنتج 30 ألف متر مكعب يومياً من المياه المعدنية والساخنة بدرجات تتراوح بين 21 و76 درجة مئوية، تغذي 24 حماماً معدنياً ساخناً وحماماً للعلاج الطبيعي ومسبحاً، بينها 10 تعتبر مراكز للعلاج الطبيعي. وتقسم مياه بودابست الجوفية المعدنية إلى خمس مناطق جيولوجية، هي: المجموعة الشمالية ومياهها دافئة اعتيادية، والمجموعة الشمالية لجزيرة مارغيت ومياهها ساخنة، ومجموعة جبل يوجف ومياهها مختلفة الحرارة والتركيب الكيماوي وتغذي عدداً من الحمامات والمسابح بينها حمامات لوكاتش، ومجموعة المياه العميقة مثل البئر رقم 2 في جزيرة مارغيت، وأخيراً مجموعة جبل غَلّيرت والمجموعة الجنوبية للمياه الساخنة التي تغذي الحمامات التأريخية القريبة. وعرف الانسان هذه الميزة لمنطقة بودا منذ القدم. واستغل الكلتيون، وهم أقوام سكنت حوض الكاربات مبكراً، هذه الينابيع. ووجد في أكوينكوم، العاصمة الاقليمية لمنطقة بانونيا الخاضعة للإمبراطورية الرومانية، 19 حماماً بمياه ساخنة عثر على آثار تسعة منها. وتقع أكوينكوم اليوم في منطقة بودا القديمة حيث يوجد الكثير من الآثار الرومانية، بينها الحمام العسكري الذي يمكن رؤيته في نفق المشاة الواقع تحت الطريق السريع الذي يربط جسر آرباد بتفرعات الشوارع في بودا القديمة. ونقل الرومان المياه باستعمال قنوات يمكن رؤية بقاياها حتى اليوم في شارع سنتندره. وبعد قدوم المجريين الى هذه المنطقة في القرن التاسع الميلادي، استمر استغلال المياة المعدنية الدافئة وبناء الحمامات عند ينابيعها. وشيد الأتراك العثمانيون بعد احتلالهم بودا سنة 1541 العديد من الحمامات خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين. وأحصى أحد الرحالة الانكليز 8 حمامات تركية في بودا لوحدها وذلك عند مروره بالمجر سنة 1669. ويتحدث الرحالة التركي الشهير أوليا جلبي عن حمام عام بُني عند ينابيع غَلّيرت يقع عند السفح الجنوبي للجبل، لكنه أُهمل في فترات لاحقة بحيث غدا مكاناً لاستحمام الخيول. ويقول الرحالة العربي محمد بن عمر عن هذا الحمام: "ويوجد حمام آخر في الطرف الثاني للجبل، مياهه مفيدة لعلاج أمراض الخيول والبغال. لكن البناية الموجودة فوق الينبوع تكاد تنهار". ويعرف حمام روداش بأنه حمام مصطفى سوكولي باشا، أحد ولاة بودا. لكن الحمامات الشهيرة في بودا تعرضت للاهمال بعد طرد الأتراك منها سنة 1686، ولم تسترجع عافيتها إلا في القرن التاسع عشر، وذلك بعد تطور تقنية الحفر العميق، وتقدم العلوم الطبية. وقد حفرت أول بئر ارتوازية للمياه المعدنية في جزيرة مارغيت سنة 1867، ليستخرج هذا الكنز من عمق 118.5 متر، وبلغت حرارة المياه المعدنية هذه 44 درجة مئوية. والمجر كلها غنية بالمياه المعدنية الساخنة والطبية. فإلى جانب بودا، تشتهر كذلك مدينة أغر بالحمامات التركية. وقد احتل العثمانيون المدينة الواقعة إلى الشمال الغربي من بودابست سنة 1596، وشيدوا فيها العديد من الحمامات التي لا يزال بعضها قائماً الى اليوم. وتنفرد المجر بوجود أكبر بحيرة مياه معدنية علاجية في العالم، وهي "هَيفيز" على الساحل الشمالي لبحيرة البالاتون جنوب غربي بودابست، وتبلغ مساحتها 4.4 هكتار. وتصل حرارتها في الصيف إلى 34- 36 درجة، وفي الشتاء إلى 26- 29 درجة، ويدخل الكبريت في تركيب مياهها الى جانب بيكاربونات العناصر القلوية، وهي كذلك نشطة إشعاعياً بشكل خفيف. وهناك أيضاً آبار زالاكاروش التي حفرت سنة 1962 أثناء التنقيب عن النفط، فانبثقت المياه المعدنية بدرجة حرارة 96 مئوية وفيها تركيز عالٍ من الأملاح المختلفة. مسبح جزيرة مارغيت يقع في جزيرة مارغيت السياحية الشهيرة وسط الدانوب داخل المدينة. افتتح سنة 1919، ومياهه معدنية لكن أملاحه قليلة التركيز، أهمها بيكاربونات الكالسيوم والمغنيسيوم مع نسبة قليلة من أملاح الصوديوم. يوجد فيه العديد من الأحواض، بينها حوض أمواج صناعية. حمام غَلّيرت من أهم وأرقى الحمامات في بودابست، يقع عند الدانوب تحت جبل غَلّيرت الذي يعتليه تمثال الحرية وقلعة السيتادلا. إشتهرت مياه ينابيع غَلّيرت لغرض الاستشفاء منذ القرن الخامس عشر. افتتحت البناية التي تضم فندقاً وحماماً في سنة 1918، وهي مبنية على طراز الفن الحديث الذي ميز نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وأُضيف إليه حوض السباحة الكبير سنة 1927، والأحواض الفوارة سنة 1934. فيه اليوم 13 حوضاً: حوضان للمياه الفوارة حرارة مياههما 26 و30 درجة مئوية، مساحة الأول 246 والثاني 60 متراً مربعاً. 3 أحواض مكشوفة، منها حوض الأمواج الصناعية وحرارة مياهه 26 درجة مئوية، مساحته 500 متر مربع. وحوض الاسترخاء وحرارته 30 درجة مئوية ومساحته 94 متراً مربعاً، وحوض ثالث للأطفال بعمق 40 سنتمتراً وحرارته 30 درجة مئوية ومساحته 56 متراً مربعاً. وتوجد ثمانية أحواض للمياه المعدنية تتراوح حرارة مياهها بين 26- 38 درجة مئوية. وتتميز مياهها المعدنية بوفرة الفلوريد، وبوجود بيكاربونات الكالسيوم والمغنيسيوم مع إيونات الكبريتات والكلوريد. وفي الحمام مصحٌ تقدم فيه الخدمات الصحية من بينها العلاج الطبيعي فيزيكوثرابي والاستنشاق انهالاتوريوم. وتستعمل المياه لعلاج أمراض عدة، منها أمراض الأنسجة الرابطة وأمراض العمود الفقري والتهاب المفاصل ومشاكل الغضاريف وضيق الأوعية الدموية واضطرابات الدورة الدموية. أما غرف الاستنشاق فتنفع في علاج الربو وأمراض التنفس. حمام كيراي الملك يقع في منطقة بودا التأريخية قريباً من نهر الدانوب أسفل جبل القلعة قلعة بودا. بدأ في بنائه أرسلان باشا والي بودا سنة 1565، لكنه قتل خنقاً بأمرٍ من السلطان سنة 1566، فأكمله خلفه مصطفى سوكولي باشا. ولا يوجد مصدر مياه مباشر للحمام، بل بناه الأتراك ليكون ضمن حدود أسوار قلعة بودا حتى يتسنى لهم الاستحمام ولو في وقت الحصارات على ما يبدو. وجلبت المياه المعدنية من ينابيع حمام لوكاتش المجاور. وتقود درجات أربع الى الحوض المثمن الأضلاع، حيث تحتل حجرة عميقة كل ضلع من أضلاعه الثمانية، وفوق كل ذلك قبة مدورة. يعود شكله الحالي الى سنة 1796 حيث انتقلت ملكيته الى عائلة كونيغ وتعني ملك بالألمانية، ومن هنا جاء اسمه المجري. وقد تضرر الحمام كثيراً في الحرب العالمية الثانية، وأُعيد بناؤه سنة 1950. في الحمام أربعة أحواض، حرارة مياهها 26 و32 و36 و40 درجة مئوية. ومياهه غنية بأملاح بيكاربونات وكبريتات الكالسيوم والمغنيسيوم، وفيه كمية كبيرة من إيون الفلوريد. ومياهه مفيدة لعلاج أمراض الأنسجة الرابطة والتهابات المفاصل وإصابات العمود الفقري والديسك ونقص الكالسيوم في العظام والنقاهة بعد الاصابة بجروح. حمام لوكاتش بدأ الرهبان التابعون لفرسان القديس يوحنا تنظيم العلاج بالمياه المعدنية الموجودة في المنطقة مبكراً في القرن الثاني عشر، ثم جاء رهبان فرسان رودوس ومالطا وشيدوا لهم أديرة وحمامات. أما الأتراك فاستعملوا طاقة المياه المندفعة من الينابيع لأغراض الطحن فبنوا مطاحن للبارود ولطحن الحبوب علاوة على استعمال المياه المعدنية الساخنة للاستحمام والعلاج، لذلك أسموه حمام مطحنة البارود "باروت دغريمنه". تعود البناية الحالية الى العام 1894، وفيها أحواض معدنية للعلاج والاستجمام وكذلك أحواض للسباحة بنيت بشكل تدريجي، وقد أُضيفت قاعة الشرب لعلاج أمراض الجهاز الهضمي عن طريق شرب المياه المعدنية سنة 1937. تبلغ مساحته الكلية 1800 متر مربع وفيه أشجار قديمة يبلغ عمرها مئات السنين. وتغطي جدران الأبنية لوحات الشكر والثناء التي وضعها أناس جاءوا من كل أنحاء العالم ونالوا الشفاء من أمراضهم، وبينها لوحة بالعربية لشخص اسمه انطوان شديد من مصر يعود تاريخها الى سنة 1933. وفوائد مياهه العلاجية مماثلة لتلك التي يتميز بها حمام كيراي. حمام راتس يقع الحمام في منطقة تبان الدباغ خانة عند السفح الشمالي الشرقي لجبل غلّيرت، قرب جسر أرجيبت الحالي وقريباً من القصر الملكي وجبل القلعة. يعود تاريخه الى زمن الملك المجري جيمغموند 1368-1437. ويرد ذكره باسم الحمام الملكي، وذلك في زمن الملك ماتياش 1443-1490 أشهر الملوك المجريين قاطبة، وقد ارتبط القصر الملكي بالحمام بواسطة ممر مسقوف. وبنى الأتراك العثمانيون حوضه الواقع تحت قبة، وأسموه الحمام الصغير "كجك إليجه". أُعيد بناؤه وتوسيعه سنة 1869 حسب تصاميم المعماري المجري الشهير ميكلوش إيبل. وقد تضرر الحمام في الحرب العالمية الثانية، ولم يعد افتتاحه إلا في سنة 1965. تتكون أملاحه من بيكاربونات الكالسيوم والمغنيسيوم مع الصوديوم، وتوجد فيه الكبريتات السلفات والفلوريد. وينفع في علاج أمراض المفاصل والروماتيزم وأوجاع الظهر والأعصاب، وتخفيف آلام انبساط القدم وانحراف العمود الفقري، ويعجل من النقاهة بعد التعرض للحوادث. حمام روداش يبعد عشرات الأمتار عن حمام راتس ويقع على نهر الدانوب قرب جسر أرجيبت. بناه الأتراك العثمانيون في بداية خمسينات القرن السادس عشر، وأعاد بناءه مصطفى سوكولي باشا والي بودا سنة 1566. وأطلق عليه الرحالة أوليا جلبي أثناء زيارته بودا سنة 1660-1664 اسم حمام الأعمدة الخضراء. ويشتهر الحمام بقبته التي تستند على ثمانية أعمدة ويبلغ قطرها 10 أمتار فوق حوض ثماني الأضلاع، حولها ممر مسقوف بآجر معقود. وهذا الجزء من الحمام لا يزال بحالته الأصلية التي تعود الى سنة 1566. أُضيفت البناية الحالية الى الحمام سنة 1896 وفي سنة 1937 ازداد عدد الأحواض الى 21 حوضاً. وتوجد في الحمام خدمات علاج طبيعي كاملة. تتراوح درجة حرارة الماء في الأحواض المعدنية الستة بين 16-42 درجة مئوية. يتميز الحمام بمياه تحوي بيكاربونات الكالسيوم والمغنيسيوم وفيها أيونات الكبريتات سلفات والفلوريد، ونسبة من المواد النشطة إشعاعياً. وهذه المياه المعدنية الساخنة مفيدة لعلاج أمراض المفاصل والأنسجة الرابطة والديسك ونقص الكالسيوم في العظام. ويفيد شرب المياه المعدنية في علاج أمراض مسالك المرارة والجهاز التنفسي.