يحتاج الديموقراطيون الى شبه معجزة للفوز على "البلدوزر" الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الاميركية في السنة المقبلة. إذ لا يكفي ان يقتل جندي اميركي في العراق كل يوم او ان يتكشف بأن ادارة الرئيس بوش بالغت في حجم التهديدات التي كان يمثلها نظام صدام حسين المخلوع واسلحته المحظورة المفترضة. فالاميركيون يفقدون 42 ألف شخص سنوياً في حوادث السير، ما يجعلها مشكلة أكبر بكثير من كلفة الاحتلال الاميركي للعراق، على افتراض ان هذه الكلفة ستبقى في حدودها الحالية. أما تضخيم خطر اسلحة الدمار الشامل في العراق فهو أسلم، من وجهة نظر غالبية الاميركيين، من الاستخفاف بها والمخاطرة بتعرضهم لهجوم ارهابي بسبب التساهل او عدم التحوط في عالم ما بعد الحادي عشر من ايلول. ويتعرض الديموقراطيون اليوم لاتهامات بالضعف بسبب معارضتهم عقيدة الحرب الاجهاضية من دون تقديم بدائل عملية مقنعة لمواجهة التهديدات المحتملة. أما على صعيد الاقتصاد، فإن خفض نسبة الضرائب التي يدفعها الاغنياء تضمن دعمهم ادارة بوش في انتخابات يلعب المال فيها دورا اساسيا. وليس سراً ان الحروب الاجهاضية تمثل فرصة ذهبية للشركات الاميركية المصنعة للأسلحة ذات النفوذ الواسع على الصعيد السياسي، فضلاً عن الفرص التي يوفرها احتلال العراق بالنسبة لشركات النفط التي لا تقل نفوذاً في عهد ادارة جمهورية تفوح منها رائحة الزيت الاسود. ومعروف ايضاً ان السيطرة على العراق تضمن سيطرة اميركية اكبر على سعر النفط في بلد يستهلك ربع انتاج العالم من الطاقة. اما الاعلام الاميركي، وهو رديف السياسية ووقودها، فهو انحاز، في غالبيته، لمصلحة الجمهوريين، واضعاً خصومهم الديموقراطيين في موقع دفاعي. ذلك يعني بأن هزيمة الجمهوريين ستتطلب انزال هزيمة بالاغنياء وشركات النفط والاسلحة والاعلام، وهو ما يتطلب بدوره انقلاباً على المفاهيم والقيم التي تأسس عليها النظام الاميركي، وربما صحوة مستبعدة في المدى المنظور للتيار الليبرالي الذي بات مشتتا في اعقاب انهيار مركز التجارة العالمي، وطغيان الفكر المحافظ على السياستين الداخلية والخارجية. ولا يساعد الديموقراطيين في هذا الاطار ان أبرز وجوههم اليوم هو وجه هيلاري كلينتون، التي قررت عدم خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة. أما أبرز المرشحين الديموقراطيين فهو طبيب قصير القامة من ولاية فيرمونت لم يتعرف على هويته صاحب مطعم زاره في ولاية "ايوا" إلا بعد مغادرة هوارد دين المطعم حين ابلغه الصحافيين. قد يكون من المبكر الحكم على فرص الديموقراطيين قبل 16 شهراً من موعد الانتخابات. إلا أن نجاحهم يبدو شبه مستحيل ما لم يتمكنوا من احداث انقلاب حقيقي في المزاج العام ضد "نظام" ثبت نفسه في السلطة بعد ثمانية اعوام من الحرمان في ظل رئاستين ديموقراطيتين، فأستحوذ على السلطة ومفاتيحها، وبات يتصرف، مثل كثير من الانظمة الشمولية، وكأن من بعده الطوفان. لعل تفجيرات بن لادن كان لها ذات التأثير على الرأي العام الاميركي الذي تركته العمليات الانتحارية في فلسطين على الرأي العام الاسرائيلي. وبهذا المعنى، يستطيع الجمهوريون في اميركا والليكوديون في اسرائيل ان يشكروا بن لادن والتنظيمات الفلسطينية المتطرفة على ما قدموه في خدمة صعودهم الى السلطة واستحواذهم عليها الى حين.