تغيرت وجهة الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية على وقع مقتل السفير الأميركي لدى ليبيا، إثر اندلاع موجة الاحتجاج وانتشارها من مصر الى اليمن وغيرهما من الدول العربية والاسلامية. فغلبت كفة السياسة الخارجية على كفة الشؤون الاقتصادية. وإثر هذه الحوادث، بدأ السؤال عن كفاءة المرشحين الى الرئاسة الاميركية لجبه مثل هذه التحديات. وانتقد الجمهوريون رد الإدارة الأميركية على الحوادث، وطعنوا فيها، لكن سياسة البيت الابيض الخارجية لن تتغير سواء فاز ميت رومني أو باراك أوباما في الانتخابات في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وقد تحمل الظروف أميركا على الانزلاق الى أوضاع مجهولة النتائج، على غرار نزاع عسكري مع إيران. لكن أيام صوغ الولاياتالمتحدة استراتيجيات كبيرة لشن الحرب وإرساء السلام ولّت، وطويت في غياب قادة أميركيين وشرق أوسطيين كبار. وأوباما هو من بادر الى تثبيت سياسة الأمر الواقع، ففي مطلع ولايته، دار كلامه على مقاربة اميركية مختلفة، ودعا الى تجميد الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، واقترح صيغة جديدة للعلاقات الاميركية بالعالم الاسلامي في خطاب القاهرة في حزيران (يونيو) 2009. ولكن إثر مضيه قدماً في أعماله الرئاسية، ارتقى مسيِّر أعمال، أوجه الشبه بين نهجه وبين نهج جورج دبليو بوش كبيرة: قبضة حديد ازاء الارهاب، «سورج» (رفع عدد القوات الاميركية) في افغانستان، وفتور الرغبة في حمل الاسرائيليين على المضي قدماً في عملية السلام وفي حض الدول الاستبدادية العربية على الاصلاح. ويرجح أن تنتظر الخيبة من يتوقع أن يقدم أوباما في ولايته الثانية أو ادارة رومني على خطوات دراماتيكية وتجديدية مثل ارساء مشروع سلام وعقد صفقات كبيرة. ومرد بقاء الامور على حالها دوام علاقة «العشق» مع اسرائيل. ولا تغير الاخبار عن توتر علاقة اوباما برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في الامر شيئاً. فالرابطة الاميركية – الاسرائيلية راسخة ولن تضعف بل ستزداد قوة، وهي تسمو على سياسات الجمهوريين والديموقراطيين، على رغم التوتر والخلاف ازاء عملية السلام الاسرائيلية – الفلسطينية. ولكن في قضايا الحرب والسلم لن يعارض الرئيس الاميركي اسرائيل. ولو سعت واشنطن الى الضغط عليها، لن تتوسل غير سياسة الاسترضاء وتقديم الحوافز الايجابية والمكاسب. ودالة الفلسطينيين على الرئيس الاميركي ضئيلة، لا تضاهي نظيرتها الإسرائيلية. والامور على هذه الحال منذ 4 عقود. وحين يتهم رومني أوباما بتعريض اسرائيل للخطر ورميها «تحت عجلة الباص»، لا يملك المرء إلا الضحك. فالرئيس الذي امضى ولايته الاولى يسعى الى طي صفحة حربين (في العراق وافغانستان)، قد يضطلع بحرب أخرى ضد ملالي ايران في ولايته الثانية، ويظهر مقدار تبني واشنطن مشروع اسرائيل وروزنامتها. ولا شك في أن مصلحة الولاياتالمتحدة تقتضي الحؤول دون حيازة ايران السلاح النووي، لكن القضية هذه لم يكن ليقيض لها أن تتصدر الأولويات وأن تثير الذعر لولا تلويح اسرائيل مرة في اليوم ومرتين كل نهار أحد بأنها ستتوسل القوة ضد إيران. والطلاق الإسرائيلي – الأميركي ليس وشيكاً وغير ممكن. ووراء انحياز الأميركيين الى إسرائيل، سياسات جيرانها التي تفوق سياساتها سوءاً. فمهما كانت السياسات الإسرائيلية جائرة إزاء الفلسطينيين تحت الاحتلال، تبدو سياسات العرب أشد اختلالاً وأفظع. ففي سورية، تقتل قوات الاسد الآلاف ويتفشى التعذيب. وفي لبنان، يبسط «حزب الله» نفوذه التسلطي ويعادي الديموقراطية، ولا يخفي انحيازه الى سورية وإيران، ويلوح بقصف اسرائيل بالصواريخ. وفي غزة، تروج «حماس» شأن السلطة الفلسطينية لمعاداة السامية. وفي مصر، يمثل الرئيس محمد مرسي، وعلى رغم اعترافه باتفاق السلام مع اسرائيل، حركة إسلامية معادية للدولة العبرية ومناوئة للسامية وللنساء والمسيحيين. لذا، تبدو القيم الأميركية أقرب الى القيم الإسرائيلية. ويوم كان أنور السادات أو حسني مبارك في السلطة، وسعهما استمالة الرأي العام الأميركي للضغط على اسرائيل. لكن القادة العرب الجدد لا يقيمون وزناً لرأي أميركا، وينشغلون بإلهاء جمهورهم بخطاب معادٍ لها. وهم يهملون التقرب من الأميركيين واستمالتهم الى قضاياهم. ووجه السياسة الأميركية في الخليج لن ينقلب من حال الى اخرى، ولا يستهان بأهمية العلاقات الطيبة مع الدول المنتجة للنفط. وعلى رغم ان العلاقات الوثيقة بين العرب وأميركا تزعزعت نتيجة مساهمة واشنطن في تشكيل حكومة شيعية في العراق وتأييدها سقوط مبارك ومطالبتها بإرساء الإصلاحات، لن يتخلى أي من الاطراف عن الآخر. فالخوف من إيران يوطد الاحلاف ولحمتها. فواشنطن لا ترغب في ان يحط الربيع العربي رحاله في الدول الأخرى العربية مزعزعاً الاستقرار، في وقت تنخفض كميات النفط نتيجة العقوبات على إيران. ويعود الفضل الى التهديدات الإيرانية في عدم ارتخاء اللحمة مع اسرائيل. وتخالف وجهة النظر الأميركية في شأن توقيت الضربة العسكرية لإيران والحاجة الى مثل هذه الضربة وجهة النظر الاسرائيلية. ولا وزن لمثل هذه الخلافات اذا شنت اسرائيل ضربة على الملالي وردوا بقصف تل أبيب أو القدس. فواشنطن ستؤيد اسرائيل في مثل هذه الظروف، سواء كان رومني او أوباما في الحكم، وقد تنزلق الى النزاع. وستبقى القضية الإيرانية في صدارة المشاغل الأميركية، وتزيد صعوبة تحريك عجلة عملية السلام التي يساهم اندلاع أزمة عسكرية مع إيران في إهمالها وإسقاطها من الحسابات. * باحث في «وودرو ويلسون انترناشونال سنتر فور سكولرز»، مستشار سابق في ادارات ديموقراطية وجمهورية، عن «واشنطن بوست» الاميركية، 14/9/2012، إعداد منال نحاس