قدّر الخبير الدولي في اقتصاديات الطاقة ناجي أبي عاد "كلفة إعادة تأهيل المنشآت النفطية العراقية ب20 بليون دولار، لبلوغ طاقة انتاج تصل الى ستة ملايين برميل يومياً". ورأى في حديث الى "الحياة" ان "الولاياتالمتحدة لن تسقط من حساباتها تمرير بعض العقود الثانوية لشركات اوروبية للحفاظ على مصالحها السياسية". وأكد ان "اوبك" تشكل "حاجة ماسة للدول الاعضاء". وتوقع ان "تتراجع اسعار النفط الى ما دون ال20 دولاراً للبرميل بعد الحرب". وفي ما يأتي نص الحديث: ما هو حجم الاحتياط النفطي الذي يملكه العراق ومزاياه؟ - تظهر الاحصاءات الصادرة عن منظمة "اوبك" ان الاحتياط المؤكد من النفط العراقي يبلغ 112 بليون برميل. ويمثل هذا الاحتياط 11 في المئة من اجمالي الاحتياط في العالم. ويندرج العراق في المرتبة الثانية بعد المملكة العربية السعودية التي تملك احتياطاً يصل الى 265 بليون برميل، في لائحة الدول المالكة للثروة النفطية. ويشير بعض المعطيات الى وجود احتياط غير مؤكد يتفاوت بين 180 و200 بليون برميل، خصوصاً في منطقة الصحراء الغربية للعراق التي لم تحصل فيها بعد اي عمليات استكشافية. ولكن لا يعرف حتى الآن حجم الكميات التي يمكن استخراجها ولا كلفة الانتاج. ويتمتع النفط العراقي بميزات لا تتوافر في اي انواع اخرى في العالم، وهي: 1- تدني معدل كلفة الانتاج البالغ نحو دولارين للبرميل، وكلفة التصدير الى المصافي التي تراوح بين اربعة دولارات واربعة دولارات ونصف دولار للبرميل، وهي الكلفة الادنى في منطقة الشرق الاوسط والعالم. 2- انتاج النفط من نحو 15 حقلاً فقط من اصل 75 مكتشفاً وغير مطور. 3- لزوجة النفط العراقي مرتفعة نسبياً وتتفاوت بين 34 و37 API، مع نسبة متدنية من الكبريت، ما يجعله من افضل الانواع في العالم، متماشياً مع المعايير المطلوبة من المصافي الغربية. لكن العراق الذي يمتلك هذا الحجم وهذا النوع من الاحتياط النفطي، يعتمد على الدول المحيطة به للتصدير نظراً الى انه بلد مقفل جغرافياً ولا يملك سوى منفذين على البحر، عبر ميناء الفاو المدمر منذ الحرب الايرانية - العراقية ومن ميناء البكر الذي اعيد تأهيله جزئياً منذ الحرب العراقية - الكويتية. وكان يصدر الجزءالاكبر من الانتاج عبر شبكة أنابيب من كركوك الى ميناء جيهان قرب الاسكندرون في تركيا، ومن الرميلة في الجنوب مروراً في اراضي المملكة العربية السعودية الى جنوب مدينة ينبع على البحر الاحمر ومن كركوك الى بانياس في سورية وثم طرابلس في لبنان. كيف تقوّمون اوضاع البنى التحتية للمنشآت العراقية وانعكاسها على الانتاج والتصدير بعد الحروب التي مر فيها والحصار؟ - لا شك في ان الظروف التي عاشها العراق ألحقت اضراراً فيها ومنعته من تحديث البنى التحتية والمنشآت النفطية ما ادى الى تراجع طاقة الانتاج لديه من 7،3 مليون برميل قبل الحرب العراقية - الكويتية ونظام العقوبات الدولي الى اقل من 2،3 مليون برميل يومياً. وكان بين 600 و700 ألف من هذه الكميات يستهلك محلياً و100 ألف تصدر الى الاردن. وكان العراق طلب المساعدة لتأهيل المنشآت ومنحته الاممالمتحدة التي كانت تدير عائدات النفط مبلغ 300 مليون دولار. لكن لا شك في ان هناك حاجة كبيرة الى إعادة تأهيل مختلف المنشآت النفطية وبنائها والى التقنيات الحديثة في عملية الاستخراج من الآبار للافادة من القدرة الكلية للانتاج. وهناك حاجة الى إعادة تأهيل خطوط انابيب النقل الداخلية بين الآبار وخطوط التصدير وخصوصاً محطات الضخ التي لا يزال عدد منها مدمراً منذ الحرب العراقية - الكويتية. اما بالنسبة الى المصافي، فمع ان وضع غالبيتها مقبول ولا تزال تمد السوق المحلية بالمشتقات، الا انها تحتاج الى اعادة تأهيل وتطوير جذرية لتتلاءم نوعية المشتقات المنتجة لوسائط النقل مع المقاييس الحديثة. ما هي الكلفة المقدرة لاعادة تأهيل البنى التحتية للمنشآت؟ - تظهر الدراسات ان الكلفة تتفاوت بين ستة وثمانية بلايين دولار لاعادة طاقة الانتاج الى 7،3 مليون برميل يومياً، ولبلوغ ستة ملايين برميل يومياً ترتفع الكلفة الى ما لا يقل عن 20 بليون دولار، عدا الكلفة التي سترتبها صيانة الآبار القديمة وإعادة تأهيلها وكلفة اعادة تأهيل المصافي وخطوط الانابيب وتطويرها. كيف ترى مستقبل الصناعة النفطية في العراق ومستوى اسعار النفط في ضوء السيناريوات المحتملة لمستقبل العراق السياسي؟ عراق من دويلات أو موحد؟ - مما لا شك فيه ان اي تقسيم للعراق سيدخل المنطقة في نفق مظلم لا نهاية له، لأنه ينذر بتقسيمها، وبالتالي تنعدم معه اي رؤية واضحة للمستقبل ويبيح الفوضى في السوق النفطية متمثلة بإلغاء سقف الاسعار والانتاج. والتقسيم يعني انه سيكون لدى العراق مشكلة اساسية مع اي حكومة مركزية في بغداد، لأن العدد الاكبر من الحقول العملاقة موجود في الشمال حيث يسيطر الاكراد وفي الجنوب حيث يسيطر العراقيون الشيعة. لكنني افترض كما تشير غالبية السيناريوات المتداولة بقاء العراق موحداً في ظل نظام سياسي مختلف، مع الابقاء على الستاتيكو القائم في المنطقة. التأثير الذي سيحدثه هذا التغيير على الصناعة النفطية يتمثل باستخدام الولاياتالمتحدةالعراق كأداة لتطبيق سياستها النفطية، عبر الشركات الاميركية التي ستحوز على نسبة عالية من العقود النفطية بشروط مغرية في اطار اتفاقات على تقاسم الانتاج. ونلاحظ هنا ان واشنطن بدأت بوضع قائمة سوداء بأسماء الشركات الغربية العاملة في ايران لقطع الطريق عليها لتوقيع اي عقد في المستقبل مع العراق. لكنني اعتقد ان الولاياتالمتحدة لن تسقط من حساباتها تمرير بعض العقود الثانوية لشركات اوروبية بهدف الحفاظ على مصالحها السياسية معها. أما سياسة الاسعار التي ستتبعها الولاياتالمتحدة فأعتقد انها تتمثل باعتماد اسعار معتدلة لا تتجاوز ال20 دولاراً للبرميل الواحد، في ظل قدرات انتاجية عراقية ضخمة بعد اعادة التأهيل والتطوير. وهي تراعي في هذه السياسة الحفاظ على اقتصاديات الدول الغربية لأنها تؤمن نموها، وتساعد على تعويض تكاليف الحرب واعمار العراق سريعاً. وأسأل كيف يمكن العراق دفع تكاليف الحرب، فاذا افترضنا ان العراق يصدر يومياً ثلاثة ملايين برميل بعائد صافٍ يصل الى 15 دولاراً للبرميل، فإن تعويض ال75 بليون دولار يحتاج الى اربع سنوات ونصف سنة. شهدنا تذبذباً قبل العمليات الحربية الاخيرة وفي اثنائها، كما حصل عام 1991. وسجل سعر برنت قبل بدء الحرب مستوى 30 - 32 دولاراً ليتراجع الى 25 دولاراً بعد يومين من بدء العمليات الحربية. ويعود ذلك الى تأمين الحقول الواقعة في الجنوب وعدم مهاجمة العراق اي آبار كويتية او سعودية. اما على المدى المنظور، فنتوقع ان تنخفض الى 22 دولاراً، بعد تأمين قوات التحالف منطقة كركوك والحقول الشمالية. ومن المحتمل جداً ان تتراجع الى ما دون ال20 دولاراً للبرميل بعد انتهاء الحرب، لاعتبارات عدة تتمثل بعرض كثيف للنفط والتحضير للبدء بالضخ من العراق وتراجع الطلب بسبب حلول فصلي الربيع والصيف. ما هو تأثير تطور الصناعة النفطية في العراق على دول المنطقة؟ - اولاً اعتقد ان الشروط والتسهيلات المغرية التي سيوفرها العراق في العقود للشركات الاميركية، ستدفع غالبية الدول العربية الى تقديم الشروط نفسها او افضل منها، بهدف استقطاب الاستثمارات. وثانياً من البديهي ان تخفض الدول الكميات المنتجة التي فرضتها وقف الامدادات من العراق الى المستويات السابقة للحرب، ان لم يكن ادنى منها. وستتولى "اوبك" تحديد مسار هذا الامر. وثالثاً سيؤدي انخفاض الاسعار الى تراجع العائدات للدول المنتجة والمصدرة، وبالتالي الى تراجع مستوى البحبوحة التي كانت وفرتها لها مداخيل النفط في السنوات القليلة الماضية. لكن لا يمكن ان ننفي انه على رغم ما يحصل، فإن التطورات المرتقبة ستعيد الاعتبار الى الاهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الاوسط الغنية بالنفط، بعدما حاول الغرب التقليل منها، عبر التوجه الى مناطق اخرى مثل القوقاز وآسيا الوسطى وافريقيا الوسطى. قيل كلام كثير عن الغاء لدور منظمة "اوبك" بعد الحرب؟ - اعتقد ان "اوبك" ضرورة ماسة للدول الاعضاء، واضطلعت بدور مهم في الحفاظ على مستوى معين للاسعار، وقد تسهم مجدداً في هذا الدور لتساعد العراق على النمو والتطور. وقد تسهم ايضاً في عملية اعادة دمج العراق في هيكلية حصص الانتاج بعد غياب طال اكثر من 12 سنة. وفي حال قرر العراق عدم التجاوب والتعاون مع المنظمة، فسيكون للمملكة العربية السعودية، كونها الوحيدة التي تملك طاقة انتاج احتياطية كبيرة في المنظمة، دور اساسي في تقرير مصير "اوبك"، اما من طريق التعامل بواقعية مع السوق وخفض الانتاج والعودة الى دورالمنتج الثانوي، وبالتالي الابقاء على مستوى معقول للاسعار، او فتح باب الانتاج على مصراعيه من دون التحسب للانعكاسات على الاسعار وبالتالي انهاء دور "اوبك". توقع احد التقارير تخوف المستثمرين من التوظيف في السنوات الاولى لما بعد نظام صدام نظراً الى المخاطر السياسية؟ - لم يخل العراق يوماً من الاخطار حتى يوم كان يضخ ثلاثة ملايين برميل يومياً. لكنه سيكون في حاجة ماسة الى بناء قدرة انتاجية تصل الى ستة ملايين برميل في فترة قصيرة من الوقت. ويحتاج هذا الامرالى بناء نظام سياسي وأمني جديد واستحداث قوانين جديدة ترعى الاستثمارات النفطية. وهي عملية صعبة مستنزفة للوقت، فالكويت مثلاً وبعد تحريرها، قيل الكثير عن تدفق الاستثمارات النفطية اليها، الا انه حتى الآن لم تدخل اي شركة عالمية، اميركية او غيرها، الى القطاع ولم تقر اي قانون يرعى هذه الاستثمارات. هل ستستفيد الدول المجاورة من النفط العراقي سورية والاردنولبنانوتركيا؟ - من المحتمل جداً ان يعاود الاردن في المرحلة المقبلة استيراد حاجاته من النفط من العراق، ولكن بأسعار السوق ما سيرتب زيادة في الاعباء الاقتصادية والاجتماعية. اذ كان يستفيد من الاسعار التفضيلية. ولا بد هنا من السؤال عن امكان اعادة احياء مشروع بناء خط انابيب من العراق الى مصفاة الزرقاء او ميناء العقبة في الاردن ما قد يساعد الاردن على تأمين مباشر للنفط العراقي. بالنسبة الى سورية، فهي ستشكل ضرورة لتصديرالنفط العراقي في غضون السنوات القليلة المقبلة، وستستفيد دمشق من رسوم الترانزيت وتحميل البواخر في بانياس. ويمكن لبنان ان يستفيد حينها من عملية تصدير النفط العراقي عبر طرابلس، ويمكن مضاعفة هذه الافادة اذا عمل على انشاء مصفاة تكرير عند مصب الخط. ولا بد من الاشارة الى أن اسرائيل بدأت تفكر بإحياء خط كركوك - حيفا الذي بني في الثلاثينات وتوقف عن الضخ عام 1948، الذي لم تبق منه سوى اجزاء مفككة غير صالحة للتشغيل. وتهدف اسرائيل من هذا المشروع الى تصدير النفط العراقي عبر شواطئها بعد تأمين بعض من حاجات مصفاة حيفا من النفط الخام.