بموازاة الحرب الأميركية على العراق، اشتعلت حرب من نوع آخر بين الفضائيات العربية التي راحت تتسابق وتتنافس في تقديم الخبر واستقطاب اكبر شريحة ممكنة من المشاهدين. وهكذا، وبعد الشهرة العالمية التي نالتها "الجزيرة" في حرب افغانستان من خلال احتكارها الجزئي للحدث، سارعت معظم الفضائيات العربية الأخرى الى مواكبة الحدث العراقي وكسر هذا الاحتكار من خلال المتابعة المتواصلة والتغطية الشاملة املاً بحجز موقع لها ضمن نادي الفضائيات الإخبارية العالمية. وفي هذا السياق برز نجم الكثير من المحطات، واعتبرت "الحياة - LBC" مفاجأة الحرب إذ حققت نجاحاً ولاقت ردود فعل ايجابية، خصوصاً إذا ما نظرنا الى واقع كونها قناة عامة خرجت من عموميتها للمناسبة لتواكب القنوات الإخبارية فكان ان شكلت عاملاً منافساً لها وتحدياً حقيقياً، الأمر الذي يطرح إمكان ولادة قناة اخبارية في المستقبل من رحم التجربة الراهنة. ويؤكد رئيس مجلس ادارة LBC بيار الضاهر هذا الأمر قائلاً: "حالياً ندرس امكان انشاء قناة اخبارية دائمة بناء على التجربة الأخيرة التي كانت مشجعة جداً. وقد عُهد بذلك الى مجموعة من المختصين وأساتذة الجامعات. وفي الأساس يوجد ضمن اطار مشروع التوأمة بين LBC و"الحياة" مشروع من هذا القبيل، إذ أدرج في الاتفاق ان يتم طرح هذه القناة الإخبارية على طاولة البحث من جانب الطرفين بعد فترة زمنية محددة. وفي هذا الإطار جاءت الحرب على العراق لتكون مناسبة ندرك فيها إمكاناتنا وقدراتنا". على الطريق وعن تقويمة للتجربة وسط المناخ الإعلامي السائد يجيب الضاهر: "أترك هذا للمشاهدين، فهل يعقل ان يقوّم المرء نفسه؟ كل ما يمكنني قوله هو اننا قناة عامة ولسنا قناة اخبار وبالتالي لا يمكن ان نقيس هذه التجربة الى تجربة قناة اخرى مبنية في الأساس على الأخبار. ومن هذا المنطلق اعتبر اننا قمنا بعمل ممتاز نظراً الى كوننا قناة عامة قامت بعمل قناة اخبار". وهنا يطرح السؤال: هل تمكنت "الحياة - LBC" من ان تنافس القنوات الإخبارية الأخرى؟، "على الطريق" يجيب الضاهر ويتابع قائلاً: "بتجرد اقول انني كمشاهد عادي يتابع ما يخرج على الهواء من منتوج لم ألمس الفارق بينها وبين القنوات الإخبارية، أما في الموقع الذي انا فيه فأدرك تماماً الفارق وقد نصل في المستقبل الى قناة اخبارية من افضل القنوات في العالم العربي. باختصار اقول: أعطونا الإمكانات المادية والتقنية والبشرية وخذوا ما يدهش العالم. وعن سبب النجاح على رغم الإمكانات الخجولة يقول الضاهر: "الإيمان بالله والتحدي الفردي كانا عاملين اساسيين في هذا النجاح. من هنا يعود الفضل الى فريق العمل ككل الذي وضع كل طاقاته خدمة لنجاح هذه التجربة بحيث بات الكل في حال تأهب واستعداد لأي طارئ. وهكذا اذا ما نظرنا الى الإمكانات التي في متناولنا نجدها الأقل في المجموعة كلها ومن جميع النواحي: التقنية والمالية وحتى العنصر البشري. لذلك كانت مهمتي ملء النواقص، علماً ان الأخبار ليست "شغلتي". ولا أفكر كم كانت الأسابيع الثلاثة شاقة بحيث كنت احياناً كثيرة أتفاجأ عندما اخرج من مبنى LBC وأرى ان الفجر طلع. وهكذا امتزج عندي الليل بالنهار إذ كانت مسؤولية كبيرة تقاسمناها جميعاً. اما اذا ما تطرقنا الى سير العمل في تلك الساعات فلوجدنا ان الجميع عملوا يداً واحدة من اعلى شخص في المسؤولية الى ادناهم. وعلى هذا اضحى رئيس تحرير "الحياة" مثلاً الأستاذ جورج سمعان يفهم بالمونتاج ويكتب النصوص ويتصل بالمسؤولين ورؤساء الدول ويشرف على النشرة، وفي المقابل اضحى آخر شخص في المونتاج يتابع الأخبار ويلاحقها عبر الوكالات". تعاون ممتاز وعن التعاون بين "الحياة" وLBC يجيب الضاهر: "يمكنني اليوم وصف هذا التعاون بالممتاز. في البدايات طرحت الكثير من التساؤلات وتكلم الكثيرون عن فشل التجربة، ولكن عند اول احتكاك مع ازمة مهمة جاءت النتيجة مثمرة. لا شك في ان الكل واجه بعض الصعوبات، إلا ان ما يهمّ في النهاية هو النتيجة. اما المشكلة الأساسية التي واجهتنا فهي ايجاد الآلية المناسبة لتسيير الأشخاص انفسهم في الجريدة وفي التلفزيون معاً. كثيرون اعترضوا على الأمر خصوصاً لاختلاف طريقة العمل بين الوسيلة الإعلامية المكتوبة والمرئية. ففي الأولى لا بد من التطرق الى خلفيات الحدث ومعرفة كل ما يدور من حوله اما في التلفزيون فالسرعة هي سيدة الموقف حيث يتابع المراسل الخبر بقشوره ليدخل فيه بالعمق في البرامج السياسية. لذلك احتاج الفريقان وقتاً ليفهما بعضهما بعضاً، والمفاجئ هو هذه السرعة في القدرة على التعاطي مع الأمور المستجدة". أما السياسة التي اتبعتها "الحياة - LBC" في تغطية اخبار الحرب فيشرحها الضاهر: "لم نعتمد سياسة احد الطرفين، لا بل على العكس اوردنا رأيي الفريقين من دون اي تحيز. فعندما كان العراقيون يزودوننا الأخبار كنا على الفور نتصل بالأميركيين ونتأكد من الأمر بكل وضوح ثم نأخذ جوابهم وننقله الى العراقيين والعكس صحيح. إذ ليس من واجبي ان اعطي رأيي، انما في ظروف كهذه اتركه لنفسي وأجعل المشاهد يختار ما يريد تصديقه وبكل موضوعية اقول لم تتعامل اي محطة كما تعاملنا نحن مع الحدث. فعندما كنا نورد اقوال العراقيين كان الأميركيون يستاؤون وبالعكس. لذلك ما أردنا فعله هنا هو جعل الناس يعتادون على سماع الرأيين معاً". وتناول الضاهر التقويم الإعلامي والانحياز في اكثر من محطة: "يوجد هيجان في الرأي العام العربي والأميركي على حد سواء. فمثلاً بعض الوسائل الإعلامية الأجنبية كشبكة Fox الأميركية كانت بعيدة كل البعد من الصدقية. وكذلك في العالم العربي لا تزال توجد مخلفات اسلوب احمد سعيد... كل ذلك موجود، إلا ان الواقع مختلف. فأنا اعطيك الصورة كما هي وأنت تختارين ما تريدين وقد تتوصلين الى الاستنتاج ان الأميركيين لم يتفوهوا بالحقيقة الكاملة وأن العراقيين ضخموا الأشياء وهذا يخصك وحدك". ومع هذا لا ينفي الضاهر مداراة بعض الحقائق في الخطة الإعلامية المتبعة في الحرب إذ يقول: "في بعض الظروف للضرورة احكامها وقد آثرنا عدم إخراج الخلافات العربية الى العلن او تأجيجها خصوصاً في موضوع العراق والكويت. حاولنا قدر الإمكان التخفيف من ذلك. فأنا افهم موقف الكويتيين بعد ما تكبدوه سنة 1991 كما افهم موقف العراقيين لجهة ما يتعرضون له اليوم. من هنا لم يكن من مصلحتنا اظهار هذا الخلاف بكل بشاعته على الهواء في هذه الأزمة". وعن دور "الحياة - LBC" في ايقاف الحملة على الإعلاميين بعد قصفهم في فندق فلسطين يجيب الضاهر: "أترك هذا للتاريخ، فالحملة التي قمنا بها مباشرة على الهواء كان تأثيرها قوياً خصوصاً إذا ما ادركنا انه لم يتم التطرق الى هذا الموضوع في الإعلام الغربي إلا بعد 6 ساعات من وقوع الحادث. وقد قمت بنفسي بالكثير من الاتصالات مع المسؤولين الأميركيين وأعلنت لهم اننا لن نسكت على هذا الأمر وأظننا نجحنا في وقف الضربات". وينهي حديثه بالتطرق الى دور الوسائل الإعلامية العربية في الحرب فيقول: "لعبت هذه الوسائل دوراً كبيراً. ففي الحروب الماضية كنا دائماً ننقل عن الوسائل الأجنبية. واليوم عندما اضحينا في الساحة تنبهنا الى ان الوسائل الإعلامية الأجنبية لا ترى الكثير من الأمور أو لا تريد رؤيتها. من هنا برزت علامة استفهام كبيرة حول ما اذا كان ما اخبرونا به منذ عشرين عاماً حول حرب الخليج الأولى صحيحاً وحول صدقية هذه الوسائل وموضوعيتها".