لا يبدو الصحافي مجرد ناقل للخبر. هو أكثر من ذلك بكثير وأقل من مشارك فعلي بما يجرى، ربما بقليل فقط. مَن منّا لا يقبل عرضاً بالذهاب إلى أرض الحدث، الى بغداد أو البصرة أو الموصل، أو حتى إلى الكويت وتركيا. ولكن كيف سيبدو ذهابنا هذا؟ عدد لا بأس به من الصحافيين ومراسلي محطات التلفزة العربية، ذهبوا الى أرض الحدث، ولكنهم ذهبوا الى الجهة الأخرى من الأحداث. وقفوا الى جانب القوات الأميركية والبريطانية وراقبوا ما يجرى من جانبهم، أو من جبهتهم. ومَن ذهب الى جانب الجبهة العراقية، رأى الأمور من وجهة نظر النظام العراقي. ولكن ماذا لو قرر المراسل أن يقف بين نارين؟ ربما لا يجرؤ أحد على فعلها. وكانت مراسلة ال"بي بي سي" المرافقة لقوات بلدها، بريطانيا، الى البصرة عبّرت عن هذه المسألة عندما قالت في إحدى تغطياتها انها تقيم في المكان الآمن. المكان الذي تخرج منه النيران على العراقيين. وكان سؤالها هو: "ماذا لو حوصر المرء بين النيران المتبادلة؟". لربما سيصبح الأمر شبيهاً بالجحيم. وهذا ما حصل فعلاً مع مراسلي محطة "العربية" الذين فُقد الاتصال بهم بعد أيام من بدء الحرب على العراق. ثم عاد هؤلاء وبث تلفزيون ال"mbc" مشاهد عودتهم الى مطار بيروت ضمن برنامج "كلام نواعم". تحدثت معدة التقرير عن تفاصيل ما حدث في العراق قائلة إن الفريق كان مرافقاً للقوات البريطانية أثناء تقدمها في الأراضي العراقية. وعندما صُدت محاولتها، فرّ البريطانيون وبقي الفريق الصحافي ليواجه مصيره. ثم يكمل المصور العائد الرواية قائلاً: خرجنا من الدبابة وقلنا للعراقيين اننا صحافيون عرب. وقال أيضاً انه مدين لشخصين عراقيين قدّما له ولزملائه كل الدعم والحماية الى حين خروجهم من العراق. وأضاف: "الشعب العراقي رائع ولا يستأهل ما يجرى له". وماذا لو قلبنا السيناريو؟ أي ماذا لو افترضنا أن القوات البريطانية التي رافقها هذا الفريق، لم تتعرض لهجوم وانها أكملت تقدمها. ماذا كان سيحدث؟ لكان هذا المصور التقط كاميراه وصوّر مَن سقط في صفوف العراقيين جراء تقدم القافلة، ولربما كان الشخصان اللذان أنقذا حياته من بين الضحايا؟ ألا يبدو الأمر شبيهاً بالمهزلة. كيف يمكن الوسيلة الإعلامية أن تكون أمينة على نقل الخبر من دون أن تتحول تغطيتها الى مجرد تسجيل لانتصارات الغزاة. مراسل قناة أبو ظبي في أم القصر قال على الهواء مباشرة: "نحن أول من دخل الى أم قصر وكان ل"أبو ظبي" السبق في الإعلان عن سقوط ميناء أم قصر في أيدي قوات التحالف". وكان المراسل نفسه وهو الإماراتي عبدالرحيم البطيح تحدث الى إحدى الصحف الإماراتية عن شعوره إزاء مهمته الصحافية في أم قصر قائلاً انه فخور بمهمته واعتبرها تحدياً إعلامياً جديداً. فمسألة أن يكون المرء "شاهداً على اللحظات الأولى لبدء الحرب على العراق لإزاحة النظام الحاكم" هي من دون شك مغرية. أصبحت الحرب على العراق المادة الدسمة للفضائيات العربية كافة. وكان السؤال المطروح هو: هل ستتحول الفضائيات الى محطات إخبارية على مدار الساعة؟ افتتاح قناة "العربية" الإخبارية أزاح عن شقيقتها mbc عبء الإجابة، وقد حافظت على برامجها المعتادة من دون أي تعديل فيها. ولعل الحرب على العراق كانت المحك الذي ستختبر فيه "العربية" قدرتها على المنافسة في الفضاء الإعلامي الإخباري. "الحياة - LBC" بدت كالطائر المغرّد خارج السرب فهي لم تسع الى منافسة الآخرين انما اختطت لنفسها طريقاً خاصاً يميزها عنهم، وتركزت جهودها على إجراء المقابلات الخاصة بالمحطة نفسها. وظهر مراسلوها من خلال صورهم الفوتوغرافية في معظم الأحيان، ليدلوا بتحليلاتهم في تطورات الوضع. كان التحليل حاضراً في معظم نشرات "الحياة - LBC" مع غياب جزئي للصور المنقولة من أرض الحدث. تلفزيون "المستقبل" حافظ والى حد ما على دورة برامجه ولكن مع تعديل واضح في المضمون. وكانت المواضيع التي طرحها زافين قيومجيان وزاهي وهبي مستوحاة من أجواء الحرب على العراق. أما التغيير الجذري فقد شهدته قناة أبو ظبي بعد أن تحولت من قناة منوعة الى قناة إخبارية على مدار الساعة. وهذا ما دفعنا الى توجيه سؤال الى علي الأحمد مدير تلفزيون أبو ظبي يتعلق بطبيعة هذه القناة. فهل هي قناة منوعة أم قناة إخبارية أم ماذا؟ الإجابة العفوية لعلي الأحمد كانت أن الهوية ليست قيداً. ثم شرح قائلاً ان التحول الذي شهدته القناة يُحسب لها. وهذا يعني ان "أبو ظبي" هي قناة مرنة تسعى الى التفاعل مع الأحداث وتلبي احتياجات المشاهد في اللحظة الآنية. قبل اندلاع الحرب، قال الأميركيون انها ستكون خاطفة وسريعة وانها لن تستغرق أكثر من 72 ساعة. هذا يعني أن تحوّل قناة برمتها الى قناة اخبارية لمدة 72 ساعة فقط لن يؤثر في هويتها لكن الحرب طالت والسؤال هو: هل ستبقى قناة أبو ظبي قناة اخبارية؟ يجيب الأحمد بأن القائمين على المحطة لم يطرحوا هذا السؤال على أنفسهم. فهم لم يخططوا لمواجهة واقع ان بعد شهرين ستقل نسبة الأخبار 20 في المئة، وبعد ثلاثة أشهر 40 في المئة، "على الأقل حالياً توجهنا واضح وتغطيتنا واضحة. وما أؤمن به، انه في كل يوم هناك معركة. نربح اليوم، وغداً يربح غيرنا. لا أحد يستطيع أن يعيش على أمجاد الأمس لأن ولاء المشاهد في الغالب هو للحظة الآنية". فهل تتحول المعارك عند طرفي النار بين قوات التحالف والعراقيين الى معارك فعلية بين الفضائيات العربية؟ الكل شمّر عن ساعده وذهب. والكل أراد أن يشارك في هذه الاحتفالية المصورة.