الاتحاد يتصدر ممتاز الطائرة    الدانة يفقد اللقب القاري    1850 متدربا ومتدربة على المانجا في اليابان    «حلاه يشدف» أحدث أغاني إبراهيم فضل بالتعاون مع محمد الخولاني    فنانو المدينة يستعرضون أعمالهم في جولتهم بجدة    الوحدة يتغلب على التعاون ويبتعد عن مراكز الخطر ب «دوري روشن»    الحارثي في ذمة الله    "العوسق".. من أكثر أنواع الصقور شيوعًا في المملكة    عودة الفرسان    أرسنال يعود بطريق الانتصارات في الدوري الإنجليزي بثلاثية في فريق نونو سانتو    الانسانية تحتضر    الالتزام بالمواعيد الطبية: مسؤولية مجتمعية تحفظ الصحة وتُحسن الخدمات    ضبط شخص في الجوف لترويجه (3.6) كجم «حشيش»    انترميلان يقسو على هيلاس فيرونا بخماسية في شوط    موعد مباراة النصر مع الغرافة في دوري أبطال آسيا للنخبة    الدرعية في شتاء السعودية 2024: تاريخ أصيل يُروى.. وحاضر جميل يُرى    ابن وريك يدشن معرض الأمراض المنقولة بالنواقل في مهرجان الدرب    5 مطارات تتصدر تقارير الأداء لشهر أكتوبر 2024    اتحاد الغرف يعلن تشكيل أول لجنة من نوعها لقطاع الطاقة والبتروكيماويات    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    يناير المقبل.. انطلاق أعمال منتدى مستقبل العقار في الرياض    ترمب يرشح سكوت بيسنت وزيراً للخزانة    ضيوف برنامج خادم الحرمين يتجولون في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف بالمدينة    مصدر أمني يؤكد استهداف قيادي في حزب الله في الغارة الإسرائيلية على بيروت    معتمر فيتنامي: أسلمت وحقق برنامج خادم الحرمين حلمي    سعود بن نايف يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    الفنان المصري وائل عوني يكشف كواليس طرده من مهرجان القاهرة السينمائي    التحقيق مع مخرج مصري متهم بسرقة مجوهرات زوجة الفنان خالد يوسف    "الجامعة العربية" اجتماع طارئ لبحث التهديدات الإسرائيلية ضد العراق    بريدة: مؤتمر "قيصر" للجراحة يبحث المستجدات في جراحة الأنف والأذن والحنجرة والحوض والتأهيل بعد البتر    ضبط 19696 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    استمرار هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مشروع العمليات الجراحية خارج أوقات العمل بمستشفى الملك سلمان يحقق إنجازات نوعية    24 نوفمبر.. قصة نجاح إنسانية برعاية سعودية    جمعية البر في جدة تنظم زيارة إلى "منشآت" لتعزيز تمكين المستفيدات    موديز ترفع تصنيف المملكة الائتماني عند "Aa3" مع نظرة مستقبلية مستقرة    وفاة الملحن محمد رحيم عن عمر 45 عاما    مصر.. القبض على «هاكر» اخترق مؤسسات وباع بياناتها !    حائل: دراسة مشاريع سياحية نوعية بمليار ريال    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    بريطانيا: نتنياهو سيواجه الاعتقال إذا دخل المملكة المتحدة    القادسية يتغلّب على النصر بثنائية في دوري روشن للمحترفين    النسخة ال 15 من جوائز "مينا إيفي" تحتفي بأبطال فعالية التسويق    وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الملافظ سعد والسعادة كرم    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الحياة" تجري استطلاعاً عن البث الفضائي اللبناني في الرياض والمنامة والقاهرة وصنعاء . محطات لا تملك فلسفة لبثها تستقطب المشاهدين وصورة لبنان تترجح بين "الشوبينغ" والثقافة المختلفة
نشر في الحياة يوم 05 - 06 - 1998

لعل ما أثاره دخول المحطتين الفضائيتين اللبنانيتين ال.بي.سي والمستقبل السوق التلفزيونية العربية، من جدل في مجتمعات الدول التي وصل اليها بثهما، ومن تقويمات تفاوتت في الدولة الواحدة والمجتمع الواحد، وأحياناً في الفرد الواحد، هو اختبار حقيقي للتمايزات الاجتماعية والسياسية التي تنفي تلك الهذيانات الداعية الى صورة واحدة للعربي ومأثورٍ كلامي واحد وثقافة واحدة. وهذه الدعوات التي تجاوزت التمني الى البحث عن ملامح مشتركة، أكد البث الفضائي اللبناني وأصداؤه في الدول والمجتمعات العربية الأخرى أن لا جدوى من البحث عنها، وأن قدرة وسائل الاتصال الحديثة أقوى من التاريخ واللغة والمصير المشترك والعدو المشترك في تعريف المجتمعات بعضها الى بعض وفي اقتباس نماذجها وأساليب عيشها حيناً، وفي عدم قبولها ورفضها في أحيانٍ أخرى.
فالفضائيات اللبنانية لم تحمل في بثها الى الدول والمجتمعات العربية أدنى ادعاء في أنها تملك فلسفة لهذا البث، ولا هماً في ايصال صورة محددة تهدف من خلالها الى تقديم صورة عن مجتمع مختلف، والى إحداث جدلٍ داخل المجتمعات التي تتوجه اليها. كل ما فعلته دخول تجاري في الدرجة الأولى، وهذا أمر أكده مديرا المحطتين بيار الضاهر ونديم المنلا.
وفي السنة الأولى من البث لم تدرك المحطتان الكثير من خصائص أذواق مشاهديها في الدول العربية. فتوجهت اليهم بما تملك هي من برامج وفقرات، تشبه الى حدٍ بعيد ما كانت تبثه على الأرض، أي في لبنان. والسنة الأولى بهذا المعنى هي اختبار أغنى لمعنى احتكاك الأذواق ولتمايزها واختلافها، فما قدمته المحطتان خلالها، وهو لم يراعِ كثيراً اتجاهات الأذواق، شكل مادة نقاش واسعة في تلك المجتمعات وانقسمت عليه الأجيال. وأكدت الردود من أربع عواصم عربية هي: الرياض والمنامة والقاهرة وصنعاء، سألت "الحياة" فيها عن الصورة التي نقلتها الفضائيات اللبنانية عن لبنان الى هذه المجتمعات آراءً متفاوتة ومتباعدة أحياناً، متقاربة في أحيانٍ أخرى.
فالاصرار على الكلام باللهجة اللبنانية مثلاً اعتبره بعض من استفتتهم "الحياة" سبباً لابتعاده عن هذه المحطات، معتبرين أن الكثير من عباراتها لا يفهمها العرب، في حين اعتبر آخرون أن هذه اللهجة جميلة ومادة جذب للمشاهد، وفيها تطويع للغة العربية. وقال آخرون أن مذيعات الفضائيات اللبنانية يتعمدن مد الكلمات والأحرف والمبالغة في تأنيث اللغة العربية "والتأنيث هنا، ليست في مقابل ذكورية المجتمع، بل مكمل له". وانقسمت الآراء في المجتمع الواحد والمدينة الواحدة بين الأجيال، فللشاب والشابة رأي، ولرب الأسرة وسيدة المنزل رأي مختلف، وللرأي الواحد أيضاً مستوياتٍ عدة. فالسيدة التي تقول أن الفضائيات اللبنانية تعطي صورة سيئة عن الفتاة اللبنانية اللاهثة وراء صيحات الموضة، وأن ما تقدمه يندرج تحت ما يسمى الغرائز، وهدفها الاثارة، تقول من جهة أخرى أنها معجبة بقدرة اللبنانيين على تناول مشاكل على شاشات التلفزيون غالباً ما تعجز المجتمعات العربية عن اخراجها الى العلن كالطلاق والزواج وحقوق المرأة.
وهنا يعود النقاش الى نقطة جديدة وهي هل يمكن حصر تأثير هذا البث في حدود الأصداء الايجابية أو السلبية التي أحدثها، اجوبة تلقتها "الحياة" تنفي هذا الامكان، خصوصاً وان نقاشات أثارتها ثورة الاتصالات في العالم، تؤكد ان من السذاجة حصر تأثير أي بث تلفزيوني وقياسه الى معايير أخلاقية، في حين أن حدود تأثيره تفوق التخييل، ثم ان ايجاد اطار نظري لمعنى هذا البث أمر دحضته الدراسات في شأن نتائج ثورة الاتصالات، كأن يقول أحدهم أن ثورة الاتصالات والبث الفضائي عبر الأقمار الاصطناعية ستلغي الحدود بين الدول، وستضعف الثقافات الوطنية لمصلحة شخصية عالمية ضعيفة الملامح. لكن هناك من يقول اليوم أن الدول عندما تبث فضائياً تكون استأنفت بث ثقافتها الخاصة "والثقافة هنا كلام وطعام وملابس وموسيقى ورياضة وأدب..."، وأقرب مثال على ذلك ما أحدثه البث الفضائي الصيني في الولايات المتحدة التي تعيش فيها أعداد هائلة من الصينيين الذين لا يتقن الكثيرون منهم اللغة الانكليزية، وهم يقطنون احياء ومدناً صينية في المعنى الكامل للكلمة، وفي أميركا من اعتبر ان وصول الفضائية الصينية الى منازل هؤلاء بمثابة احياءٍ وتعزيزٍ للعصبية الصينية داخل المجتمع الأميركي، وعرقلة لعملية اندماج هؤلاء في مجتمع الدولة التي وفدوا اليها منذ عشرات السنين. وثمة دراسات تجرى الآن لمعرفة درجة علاقة البث الفضائي الفرنسي الى المغرب العربي بعمليات الفرار التي تحصل من دول هذه المنطقة الى فرنسا وأدت في كثير من الأحيان الى موت الهاربين غرقاً أثناء انتقالهم ليلاً عبر البحر في مراكب غير مجهزة للسفر البعيد.
أما الفضائيات اللبنانية فيتباهى مديروها اليوم بأنهم تمكنوا من تحويل لبنان محط أنظار للعرب. ويقولون ان عدد السياح تضاعف فور مباشرتهم البث، وهذا أيضاً ما تؤكده وزارة السياحة، هذه المعادلة كانت النقطة الثانية في فلسفة البث الفضائي اللبناني، وهي وان تبدو مع النقطة الأولى أي "الاسباب التجارية للبث" ضعيفة وتوحي بهشاشة هذه الفلسفة، فإن تأثيرها يشبه الى حدٍ بعيد القوة المستمدة من الهشاشة لمختلف أوجه الحياة الاجتماعية في لبنان ما بعد الحرب، أو ما بعد الحداثة أو ما بعد الستينات. انه بلد "الشوبينغ". وهي كلمة سبق أن قالتها ملكة جمال لبنان، وقالها أيضاً رئيس الحكومة.
أما العاملون في هاتين المحطتين فيعتبرون أن ظهورهم على الشاشة بهذا الشكل الذي أثار حفيظة البعض واعجاب البعض الآخر وحيرة القسم الأكبر من المشاهدين أمر طبيعي، وأنهم لم يجترحوا شخصياتهم، بل هي أصلاً كما وصلت الى المشاهد. ويقول طوني خليفة من "المؤسسة اللبنانية للإرسال": "هذا هو لبنان، ولبنان كان يستقطب السياح العرب منذ نشأته، وكان العربي اذا اراد ان يرتاح، يأتي الى لبنان لأسباب معينة، ولشعوره بالراحة فيه، والفضائيات اللبنانية نقلت هذه الأجواء". أما زميلته هيفا حداد مقدمة برنامج "ما إلك إلا هيفا" الصباحي الرياضي، فمن دون ان تُسأل تجيب مستفزة "المرأة اللبنانية متحررة، وما يشاهدونه على التلفزيون جزء من حياتنا العادية". ويقول رئيس مجلس ادارة "ال.بي.سي" بيار الضاهر عن شبكة برامج محطته الفضائية "ليست لدي نظرة مسبقة وثابتة، فمصممو الأزياء مثلاً، يقدمون الينا موضة الموسم الشتوي المقبل، ولكن كيف يعلمون أن اللون الأحمر سيكون في السنة المقبلة لوناً دارجاً، فهل قرر المصمم ذلك أم أن هناك أموراً أخرى؟ والجواب عن هذا السؤال من شقين: الأول أن المصمم اذا كان اسماً معروفاً يقرر هو ذلك، والشق الثاني هو دراسة الجدوى والوضع الاقتصادي، لأن للاقتصاد علاقة مباشرة بالأزياء والموضة. بالنسبة الينا ما هي البرامج التي تنجح؟ علي ان أقدر ماذا يبث غيري أولاً. ولكي أبني تفاعلاً مع المشاهد يجب أن أدرك ميوله، وأحياناً عليّ التدخل في تغيير أذواقه، طبعاً في حدود الممكن. هناك برامع كثيرة قدرنا أنها ستنجح ولم تنل نجاحاً والعكس صحيح"، أما عن اتهام الأقنية التلفزيونية اللبنانية بالخفة وبلجوئها الى الاستعراضات والمنوعات يؤكد الضاهر "ان لكل دولة مجالها، لمصر مثلاً الدراما والمسلسلات الروائية، والسوريون أيضاً نجحوا في هذا المجال، فلماذا لا يكون للبنان مجاله الخاص؟ وهو البرامج الاستعراضية، خصوصاً بعدما منعونا من البث السياسي، وهذا أمر في صلب مشكلتنا مع الدولة، فأنا أستغرب لماذا يسمح للتلفزيونات العربية بأن تبث برامج سياسية عن لبنان، ولا يسمح للبنانيين أنفسهم بهذا النوع من البث؟ ثم ان الخبر السياسي اللبناني تبثه التلفزيونات العربية من خلال مراسليها في بيروت، ونحن ممنوعون منه. ان دولتنا تمنعنا من تعزيز شروط منافستنا للمحطات العربية الأخرى. وهذا أمر في منتهى السخف، خصوصاً وأن عالم الاتصالات اليوم يمنع امكان احتكار الخبر والمعلومات وقولبتها".
ولا يملك الضاهر أدنى تبرير للكثير من وجوه البث في محطته سوى اعتبارات المنافسة والبث السياسي يأتي في هذا الاطار. لكن هل المطلوب وجود أفكار وسياسات لدى مؤسسات من هذا النوع تصنع فيها صورة عن لبنان مثلاً لتقدمها الى المشاهد العربي؟ قد يكون من السذاجة الطلب من هذه المؤسسات الاحتكام الى معايير محددة في بثها الفضائي خصوصاً في عالم تحكمه معايير السرعة والمنافسة، وفي مجال عمل لا يسمح فيه للمشاريع الطويلة النفس بالاستمرار وجواب أي محطة تلفزيونية عن سؤال يتعلق ببرنامج لا يبغي سوى الاستقطاب هو "ونريد حجز مكانٍ لنا في موازنات اعلانات الشركات السنة المقبلة".
رئيس مجلس ادارة تلفزيون "المستقبل" نديم المنلا أكد أن المحطة "تلفزيون تجاري في الدرجة الأولى يخضع في شبكة برامجه لهذا الاعتبار". وقال: "نحن نحاول فهم ما يريده المشاهد العربي من خلال دراسات. نلاحظ مثلاً أن أكثر من نصف سكان الدول العربية شباب لم تتجاوز أعمارهم العشرين سنة، وبالتالي فأن البرمجة يجب ان تخضع لهذا الاعتبار، اضافة الى المعلنين، فعلى سبيل المثال تعتبر شركات المشروبات الغازية من أكبر المعلنين في الدول العربية، وهي تفضل كرة القدم على كرة المضرب لأن الأولى لعبة شعبية، والمشروب الغازي شعبي، فالمحطة ملزمة، في هذه الحال، شراء حقوق بث مباريات كرة القدم. أما الجانب السياسي فنحن نرى ضرورة نقل التغيرات الايجابية التي تحصل في لبنان واعطاء صورة تفاؤلية عن أوضاعه. وحاولنا ان نمحو من ذاكرة العرب الحرب وآثارها، ولهذه الجهة نعتبر اننا حققنا انجازات كثيرة. فالجميع يعلم أن الإقبال العربي على شهر التسوق في لبنان سببه تلفزيون المستقبل"، ويضيف: "ان موضوع الانفتاح على الغرب جزء من حياة اللبنانيين، وبالتالي نحن نحاول وضع المتغيرات والمفاهيم الجديدة والمتطورة في قالب شرقي ولبناني، ونحن كتلفزيون نحاول ايصال هذه الصورة الى المشاهد العربي".
ما قاله الضاهر والمنلا يفسر بعض هموم المحطتين الفضائيتين، لكن كيف وصلت الصورة الى المشاهد العربي؟ "الحياة" أجرت استطلاعاً سريعاً في أربع دول عربية هي المملكة العربية السعودية والبحرين ومصر واليمن. وسألت مشاهدين للفضائيات اللبنانية فيها عن الصورة التي وصلت اليهم عن لبنان من خلال "ال.بي.سي" و"المستقبل".
السعودية الرياض
الشاب علي باقيس قال: "عندما رأيت الفضائيات اللبنانية وما تبثه من أخبار وبرامج وسهرات وحفلات، اعادت الي الذاكرة ما كنا نسمعه عن لبنان الستينات أو "سويسرا الشرق"، كما يحلو للبعض تسميته، أشعر أن لبنان عاد الى وضعه الطبيعي وهذا ما سيشجعني على قضاء اجازة الصيف هناك".
وقالت الشابة هنية الزبيدي ان "لبنان قدم مادة تلفزيونية غنية، وأن تلك المحطات احسنت توظيف تلك المادة ووضعتها في اطار جذاب على كل الصعد التي يمكن أن ينتظرها المشاهد".
أما السيدة موضى السليمان وهي ربة منزل فاعتبرت ان الفضائيات اللبنانية لا تعكس الصورة الحقيقية عن لبنان وشعبه، كل ما تصوره يندرج تحت مسمى "الغرائز" وهدفها الأساسي الإثارة بكل معانيها، باستعراض الفتيات الصغيرات السن والجميلات، واستثني القليل من البرامج الثقافية، من مثل "حوار العمر".
واعتبر غسان كريره وهو رب اسرة أن الفضائيات اللبنانية تنقل الينا عن لبنان صورة حضارية وسياحية جميلة جداً، لكن يعاب عليها عرضها بطريقة توحي للمشاهد أن هذا هو لبنان، قد يناسب ذلك البعض لا الكل، أو أن لبنان الذي تسعى الى تسويقه القنوات، لا يمكن قبوله لعائلة شرقية تحافظ على أصالتها مع أخذ الشيء الجيد الذي لا يتعارض مع قيمنا وحضارتنا العربية والإسلامية من الحضارات الأخرى، فأغلب ما تغطيه القنوات اللبنانية عبارة عن مشاهد وبرامج من علب الليل والملاهي والمسارح. فهل لبنان العظيم هو ذلك الشيء فقط؟".
وأشار عبدالله المسلم، وهو مدرس في إحدى مدارس الرياض، الى ان الصورة التي تنقلها الفضائيات اللبنانية عن لبنان للوهلة الأولى صورة مجتمع متحضر يرى نفسه في مقدم الدول العربية من ناحية الأدب والفن والمعيشة، لكن ويا للأسف، فالصورة الحقيقية نراها في التلفاز عن طريق الفضايات هي صورة فاضحة ومشوهة للشعب اللبناني الذي يميل الى تقليد الدول الغربية في كل شيء. فمثلاً الشباب اللبناني يعيش ليومه وهذه الجملة نرى فيها التقليد الحقيقي للشباب الغربي الذي يلغي تقاليده الأصيلة ويفصل تعاليم دينه عن حياته اليومية".
البحرين المنامة
وقال مدرس في إحدى مدارس المنامة أن الفضائيات اللبنانية "تنقل صورة سيئة عن لبنان نظراً الى تدهور مستوى البرامج الثقافية والعلمية إذ أنها تصور لنا لبنان بأنه بلد الطرب والأغاني بعضها لا أفهمه والبعض الآخر سيء، اضافة الى اعتمادها تصوير الفتاة اللبنانية بأنها تحب أن تظهر مفاتنها فقط ولا امكانات أخرى لديها لتقدمها. اعتقد ان آثار الحرب تبدو واضحة وتعكسها برامج في هذه الفضائيات، ولا سيما السياسية منها، في مستوى غير المستوى الذي عرفته عن الاداء السياسي اللبناني القديم، كذلك الثقافي وحتى الاجتماعي. طبعاً أتمتع كثيراً ببرنامج رياضي معيّن يُبث عبرها، لكن عندما تكون "أم العيال" مشغولة".
أما علي كاظم، وهو تاجر ورب أسرة، فأكد أن الفضائيات اللبنانية أظهرت انفتاح المجتمع اللبناني من خلال تطرقها الى بعض القضايا التي لم يتم التطرق اليها في التلفزيونات العربية. وهذه القضايا هي من صميم القضايا التي تهم المجتمع اللبناني وتهم جميع العرب كونها قضايا اجتماعية مثل الزواج والطلاق. وشاهدت ندوة تلفزيونية عن هذا الموضوع شارك فيها ممثلون عن كل الطوائف والاتجاهات. لكن تعطينا الفضائيات اللبنانية فكرة عن ان اللبنانيين لا يجيدون العربية الفصحى أو لا يفهمونها، والدليل الى ذلك أن اللهجة العامية اللبنانية على رغم جمالها لا يفهمها معظم العرب، وهي السائدة في هذه الفضائيات".
ويبدو أن موضوع اللهجة اللبنانية مطروح على البحرانيين أكثر من غيرهم، اذ تضمن أكثر من جواب ملاحظات عليه. فقال سليمان وهو شاب بحراني: "أحب لبنان واللهجة اللبنانية، لذلك أحرص دائماً على مشاهدة الفضائيات اللبنانية. ولكن، أليس في لبنان فتيات جمالهن عادي؟ فالفضائيات اللبنانية تصور لنا أن لبنان لا يعيش فيه الشابات اللواتي يتمتعن بجمال عادي، خصوصاً من خلال الحفلات التي تنقلها أو من شكل مقدمات البرامج. طبعاً هناك برامج في هذه الفضائيات توحي بأن لبنان بلد منفتح جداً أكثر من اللازم ولا أستطيع الآن ذكر برنامج معيّن".
اليمن صنعاء
في اليمن دخلت الفضائيات اللبنانية دخول الفاتحين، وتحول اليها معظم مشاهدي الشاشات. وقال أحمد عبدالله، وهو مدرس ثانوي أن "الصورة التي نقلتها القنوات الفضائية أكدت مدى تجذر الثقافة اللبنانية وتفوقها على المستوى العربي". وأكدت ربة منزل "ان هناك من البرامج التي نقلتها قنوات لبنان ما هو مفيد لربة البيت في تربية أبنائها، وما يعطي صورة حية عن مدى اتساع مدارك الطفل اللبناني".
أما الشاب علي عبدالواسع فأكد أن "من يشاهد تلك القنوات يرى مدى قدرة شبان لبنان وشاباته على التكيف مع العالم والتطور الحاصل في البلدان العربية". وعاب بخيت أحمد وهو رب أسرة، على القنوات التقليد في القضايا والآراء الغربية. وأكد أن "تلك القنوات تنقل أن الشبان يتقيدون كثيراً بالموضة ويقلدون آخر الصراعات الأوروبية".
وأكدت شابة طلبت عدم ذكر اسمها انها لا تشاهد غير قناتي ال.بي.سي و"المستقبل" اللبنانيتين. وزادت "انهما تجذبان المتابع بالأسلوب المتميز للتقديم والتشويق وتنقلان ان لبنان يعتبر قطعة من أوروبا".
وقال كاتب وصحافي: "ان الصورة التي نقلتها القنوات اللبنانية عن لبنان هي صورة لمدى النقلة النوعية في حياة اللبنانيين بعد 15 سنة من الصراع".
مصر القاهرة
في القاهرة، لآراء المشاهدين طعم آخر، خصوصاً أن الكثير مما هو مطروح على اللبنانيين، مطروح أيضاً أمام المصريين، وأن الفضائيات اللبنانية نافستا في شكل أساسي الفضائية المصرية.
وتقول الهام الجوهري وهي سيدة منزل من متابعات كل ما تقدمه "ال.بي.سي" و"المستقبل"، ولا سيما الأخيرة. "إنها - المستقبل - قناة مسلية جداً، أتفرغ تماماً من الأولى بعد الظهر توقيت القاهرة لمتابعة المسلسلات الأجنبية والمدبلجة التي تزخر بها". وتضيف الجوهري التي زارت لبنان في نهاية الستينات "إن القناتين اللبنانيتين تقدمان صورة جميلة عن لبنان، وأتمنى أن أزوره مرة أخرى، لأنه يبدو مما أشاهد على قناتيه، أن حركة الإعمار فيه على قدم وساق". وتتابع "لكني لا أعتقد أن المحطتين تقدمان دعاية سياحية قوية عن لبنان". الظاهرة الوحيدة التي تشكو منها الجوهري كثرة الإعلانات التي تقتحم تسلسل أحداث المسلسلات على رغم أنها طريفة".
محمد يوسف 40 عاماً - مدرس يتابع أغلب برامج قناة ال.بي.سي يقول: "برامجها تقدم لبنان كبلد ظروفه عادية جداً، ولا يعاني مشاكل احتلال أو عدم استقرار سياسي، لكنها تعكس حالاً سياسية مستقرة، وان كانت لا تخلو من الجدل". ويضيف: "لا يوجد شبح سيطرة حكومية على ما تقدمه من برامج"، ويصفها بأنها "تتميز بالتجدد والحيوية".
ويقول الصحافي اسماعيل المقدم 34 عاماً "ان الشعور القوي لدى غالبية اللبنانيين بالانتماء الى بلدهم يبدو واضحاً من القناتين التلفزيونيتين". ويضيف "لا أستطيع أن أحدد برنامجاً أو أسلوباً معيناً جعلني أشعر بذلك، لكنك تكاد تشتمه من متابعة البرامج التي تميل الى النواحي الترفيهية من سهرات وغناء ورقص، ويكون تركيز الكاميرات طبعاً على الحضور من السيدات والفتيات الفاتنات الراقصات والمدخنات للنارجيلة".
وعن لبنان كبلد، يقول المقدم: "صحيح انهم يعرضون مشاهد عن المواقع الجميلة المشهور بها لبنان، لكني لم أشعر أنني شاهدت لبنان الحقيقي. فأين مشاكله الاقتصادية؟ وأين أزماته السياسية؟ وأين أبنائه الكثيرين المقيمين في كل دول العالم؟ وأين الاحتلال الإسرائيلي للجنوب؟".
نيهال تمراز 33 عاماً مسؤولة الاعلام في الجامعة الأميركية في القاهرة، تبدأ حديثها عن القناتين اللبنانيتين بمذيعاتهما، فتقول: "الفتيات جميلات جداً، والبرامج خفيفة جداً، وايقاعهما سريع وجميل". وتبدي اعجابها بفكرة اعلان القناة عن نفسها بين البرامج بأسلوب شيق يعكس تطور تقنية الفنون الحديثة في لبنان. وتقول: "ان انفتاح المجتمع اللبناني ينعكس على محطاته التلفزيونية، وان كانت تستشعر نوعاً من عدم استقرار الحياة في الداخل".
ايهاب الوكيل 18 عاماً - طالب جامعي يقول: "ان المجتمع الذي رسمت ملامحه القناتان هو "نموذج للبلد الذي يود أن يعيش فيه". ويشرح ذلك قائلاً: "الفتيات جميلات ورشيقات ويرتدين أحدث ما تقدمه الموضة، والشباب يتمتع ب ستايل أنيق ومتميز. والمجتمع منفتح وشبيه بالغرب". ويضيف: "يبدو أن لبنان بلد جميل، وان كان هذا لا يتضح في شكل واضح من البرامج المقدمة، وأعتقد أن فيه مراكز تجارية كثيرة مول، وهي الأماكن التي أفضل وأصدقائي قضاء أوقات الفراغ فيها".
ويلاحظ صفوت محمد سليمان مدرس ثانوي أن قناة ال.بي.سي لا تستضيف سوى أشخاص ينتمون الى طائفة دينية معينة في غالبية برامجها، بينما تستضيف المستقبل طائفة دينية أخرى وهو أمر يؤكد ان لبنان على رغم ما طرأ عليه من تطورات ايجابية لا يزال يعاني نوعاً من الطائفية.
ويقول محمد رفعت ضابط شرطة ان قناة ال.بي.سي خفيفة الظل ورشيقة، ويغلب عليها الطابع الفني، واعترض على مذيعات القنوات اللبنانية لارتدائهن ملابس غير لائقة وغير مناسبة للتقاليد الشرقية، وإن كان ذلك يحوز اعجاب الكثير من الرجال. ويشير كذلك الى افتقاد ال.بي.سي الى الجوانب الفكرية والثقافية والنشرات الإخبارية.
يصعب ضبط هذه الاجابات في سياقٍ واحد وتقرير اتجاهات ذوق المشاهد العربي بناء عليها، ولكن ما لا شك فيه أيضاً أن ما تبثه الفضائيتان اللبنانيتان لامس وجوهاً من قضايا مجتمعات الدول العربية، وهذه الملامسة لم تكن في اتجاهٍ واحد، فمن جهة أبرزت الأجوبة اختلافات في تقديم المادة التلفزيونية اللبنانية بين جيل الشباب وأجيال الأهل، وهذا يوحي بحيوية وبرغبة في التغيير، ومن جهة أخرى قالت شاعرة كويتية "أن البث التلفزيوني اللبناني عرقل الى حد ما مطالبات الحركات النسوية الكويتية بحقوق النساء في الاقتراع والعمل، إذ واجهتهن القوى التقليدية بالنموذج المنقول فضائياً عن المرأة اللبنانية التي يقتصر تحررها بحسب هذه القوى على ارتداء الملابس غير التقليدية والسهر وتدخين النارجيلة".
وهناك سؤالٌ آخر يطرح نفسه في اطار الحديث عن هذه الفضائيات وهو هل شكل البث الفضائي اللبناني وسيلة اتصال باللبنانيين المقيمين في الدول التي وصل اليها هذا البث؟ الجواب، نعم الى حدٍ بعيد، لكن هذه النعم لا تعني بالضرورة اقتصار تأثير هذا البث على أنه أعاد ربط اللبنانيين بإيقاع حياةٍ يومية تجري في بلدهم، فهو جعل من وجودهم في المجتمعات التي هاجروا اليها اشكالية تشبه الى حدٍ بعيد الإشكالية التي أحدثها هذا البث في المجتمعات. فهم كما يؤكد كثيرون منهم قابلتهم "الحياة" مادة من لحمٍ ودم لهذا البث في نظر المجتمعات التي يقيمون فيها. وفي أحيانٍ كثيرة تبدو "الصورة" المحرجة وغير الملائمة لمستقبل وجودهم في هذه الدول، مصدر ازعاجٍ بمقدار ما هي وسيلة اتصال، خصوصاً بعد وقف البث الاخباري والسياسي وتحول المحطتين الى التركيز على برامج المنوعات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.