نجل «سعد بن جدلان»: قصائد منسوبة لوالدي لم يكتبها

في الذكرى التاسعة لرحيله، وفي رحاب القصيد ومتاهات الشعر، تظل الأسماء البارزة خالدةً على جدران الزمن؛ لتصبح مرايا تعكس تجارب ومشاعر وأحلام أجيالٍ بأكملها. ومن أشهر تلك الأسماء الشاعر سعد بن شارع بن جدلان السعدي الأكلبي، صاحب البصمة المختلفة في تاريخ الشعر النبطي، بما حمل من مشاعر صادقة، ولغة بليغة تخاطب الروح والوجدان، جعلت قصائده، حتى اليوم، حديث المجالس والمنابر الشعرية. «عكاظ» زارت منزل الشاعر في مركز الجنينة شمال محافظة بيشة، والتقت أبناءه وأخاه، وتسعد بأن تقدم للقراء هذا الحوار مع «مذكَر» نجل الشاعر، الذي تحدث عن مسيرة هذا العملاق الشعري. وكيف خطَّ القدر مسار حياته، وما اللحظات التي شكلت تجاربه الإنسانية والشعرية، وكيف تتجلّى ذكراه اليوم في حياة أسرته وجمهوره.. «عكاظ» غاصت في أعماق هذه الشخصية؛ لاستكشاف جوانب قد لا تكون معروفة من قبل، من خلال نظرة الابن وتأملاته في مسيرة والده؛ لتقديم صورة أكثر شمولية عن الطفولة والحياة والعمل والإرث، الذي تركه سعد بن جدلان الأكلبي، ليس فقط شاعراً، بل أيقونة تتجاوز حدود الزمان والمكان.
حدث.. موقف.. إحساس
• كيف كانت طفولة الوالد؟ وكيف أثرت في مسيرته الشعرية؟
•• ولد - رحمه الله - في قرية الشقيقة شمال محافظة بيشة (1366ه - 1947م)، وتميزت طفولته بالبساطة المعهودة في الحياة البدوية، ونشأ في بيئة تقليدية تُقدّر وتحترم الشعر، وتعتبره جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية، وهذه العوامل صقلت موهبته، فجعلت منه ظاهرة شعرية متفردة في المحافل، جمعت بين البساطة والعمق. وهذا ساهم أيضاً في اتجاه أبنائه لنظم الشعر.
• متى كانت بدايات والدك في عالم الشعر؟ ومن اكتشف موهبته؟
•• لا أعلم تحديداً، لكنه ينتمي لبيت معروف بالشعر.
• من كان أقرب الأصدقاء لابن جدلان؟ وهل كانوا شعراء؟
•• أصدقاؤه كثر، لكن الأقرب كان سعود بن مناحي الأكلبي، والشاعر مبارك بن سعيد بن مدغم.
• هل كان يستشير أحداً قبل نشر قصائده؟
•• لا، لكنْ المحيطون به والمقربون كانوا أول من يستمع لجديده.
• ما الأوقات التي كانت تثير قريحته للشعر؟
•• لم يكن هناك وقت محدد، بل يعتمد ذلك على الحدث والموقف، والإحساس بحسب اللحظة.
قوة اللغة والصور البيانية
• ما الأمور التي كانت تحفز بن جدلان وتشجعه على نظم القصيد؟ وكيف كان ينظر إلى أعماله؟
•• كانت تحفزه ثقته بشاعريته وجمهوره العريض، وكان ينظر إلى الشعر كجزءٍ لا يتجزأ من حياته وشخصيته، وأدرك قيمة الكلمة وأثرها، ودور الشاعر في مجتمعه.
• برأيك، كيف نجح والدك في ترك بصمته في عالم الشعر النبطي؟ وما العوامل التي ساهمت في ذلك؟
•• أعتقد أنه نجح أولاً بسبب تواضعه وقربه من الناس، رغم شهرته ومكانته الكبيرة شاعراً معروفاً على مستوى الجزيرة العربية، ما أكسبه محبة الناس وتناقلهم قصائده وحفظها حتى يومنا، إضافة إلى أن قصائده تميزت بقوة اللغة وعمق الصور البيانية، ما أكسبها جمالية خاصة تأسر القارئ والمستمع.
• ما أهم الدروس والقيم التي تعلمتها من والدك؟ وكيف أثر رحيله عليك وعلى الأسرة عموماً؟
•• تعلمت منه الكثير، لكن الأبرز هو الصبر والحلم والتواضع، والتغاضي عن الزلات.
أما رحيله، فقد كان له أثر كبير في حياتي، كأب وشاعر، أسأل الله أن يغفر له، ويجمعنا به في الفردوس الأعلى.
• كم عدد أبناء بن جدلان؟ وهل بينهم شعراء غيرك؟
•• عددهم سبعة، والشاعر الأبرز بينهم هو أخي عبود بن سعد، وسيكون له مستقبل باهر.
سؤال عصي على الإجابة
• كيف استطاع والدك أن يوازن بين حياته الشخصية، والمسيرة الشعرية الفريدة؟
•• حياته الشخصية وظروفه ربما كانت هي التي دفعته لكتابة الشعر منذ صغره، وشغفه بهذا الميدان، أخذ الكثير من جهده ووقته.
• هل لوالدك ديوان غير «سمان الهرج»؟ وهل كان يفضّل قصيدة معينة ويرددها ؟
•• نعم، له ديوان العرب، وديوان سمان الهرج 2.
• أنت شاعر، فمن أجل أي شيء تكتب القصيد؟
•• نعم أنا شاعر، وأكتب القصيد من أجل نفسي وجمهوري.
• هل تنظر إلى شعرك على أنه متواضع، أم ترى أنك بدأت بشعر مميز؟
•• هذا السؤال لا أستطيع الإجابة عنه، ولكن القرار الأول والأخير فيه للجمهور؛ لأنهم المحفز الأكبر لي، وأسعد بسماع ملاحظاتهم وآرائهم في قصائدي.
• قصيدة ندم والدك أنها ظهرت للجمهور؟
•• لا أذكر أنه ندم أبداً على أي قصيده كتبها.
• هل ستتم أرشفة كل ما كتبه سعد بن جدلان، وحفظها في ديوان واحد؟
•• نعم هذا صحيح، وفي القريب العاجل سيتم طباعة ديوان «ابن جدلان».
• ما القصيدة التي كان يطلبها الجمهور دائماً من والدك أثناء حضور المناسبات؟
•• كثيراً ما كانت تطلب قصائده، لكن الأغلب كانت «عتاب صديق»، التي يقول في مطلعها:
ألا يالله ياللي تحت هيبت سلطنتك أسلمت
لك المسلم يسبح لك بحمدك ولك الاسلامي
احمدك واشكرك واثني عليك بما علي انعمت
وزدني في وفا بر العشير ووصل الارحامي.
• في رأيك، أين تبرز قوة سعد بن جدلان، في شعر المحاورة أو النظم؟
•• كان متواجداً وبارعاً في اللونين (المحاورة والنظم).
• من الشاعر الذي كان يلفت انتباه والدك دائماً؟
•• لا أستطيع أن أحدد لك اسماً بعينه، ولكن كان يعجب بالقصائد ذات الجزالة والوزن، الذي يضفي إيقاعاً جذاباً عند سماعها. وكان يحب سماع المفردات القوية، المعتمدة على البلاغة في التعبير والدقة في اختيار الألفاظ. كما أن القصائد التي تنبع من صدق الشعور وعمق الإحساس، بعيداً عن التكلف، كان لها مكانة خاصة في نفسه.
• ماذا قال ابن جدلان عن مكان الصبا والطفولة «بيشة»؟
•• قال قصائد عدة فيها، كونها أوّل مكان تعلق به وارتبط به عاطفياً ووجودياً، ومارس فيها هواياته ومواهبه، وتشكل فيها خياله، وكان يعود إليها باستمرار، حتى عندما فرضت عليه ظروف الحياة وطلب الرزق الخروج منها، وهذه بعض الأبيات التي أنشدها في بيشة:
بسم اهالي منطقة بيشة تقدمنا وقلنا
بيشة الغيلا مرب الشرف والغيد الهنيعه
بيشة اللي من وفاها من نزل فيها اطمأنا
بيشة أم الخير يوم الناس والدنيا مجيعه.
وفي قصيدة أخرى يقول:
سلامي على بيشة مرابع عيال كليب
ديارٍ توسّع خاطري كلما جيها
انا غايتي لكان معلم بسد الغيب
افادي بروحي دونها واندفن فيها.
لم يبع قصائده
• هل هناك قصائد نسبت لوالدك وهو لم يكتبها فعلاً؟ وهل باع شيئاً من أشعاره؟
•• نعم، هناك قصائد بالفعل نسبت له، وهو لم يكتبها، وقد نفاها في حياته، كما أننا - نحن أبناءه - قد نفينا البعض بعد وفاته، رحمه الله. أما البيع فلم يحدث أبداً.
• ما أقوى المساجلات الشعرية بين سعد والشعراء الآخرين؟
•• أعتقد أن جميع مساجلاته مع الشعراء كانت قوية، وكل من كانوا معه هم أعلام كبار وأساتذة الشعر في الساحة.
• ما سبب وفاة الشاعر بن جدلان، رحمه الله؟ وهل كان يعاني من أمراض في السابق؟
•• سبب الوفاة نوبة قلبية مفاجئة، ليلة الثلاثاء 19 رجب 1437ه /‏‏‏ 26 أبريل 2016 عن عمر يناهز 70 عاماً، ولم يكن يعاني من أي أمراض، سوى «السكري».
• من أجل جمهور سعد بن جدلان ومحبيه، نريد شيئاً من قصائده لم تنشر من قبل؟
•• نحن - أبناء سعد بن جدلان - لم نخفِ عن جمهوره ومحبيه شيئاً من قصائده، بما يخدم التراث والثقافة في بلادنا، ولكن سنفاجئهم بالأجمل من القصائد التي لم تنشر بعد، في ديوان شعري نعمل عليه الآن، وسيرى النور قريباً.