لا يخفى على المراقب عظم نشاطات وزارة الشؤون الإسلامية وتوليها عنايتها، لا في داخل السعودية فحسب بل في أقطار العالَم، وآخرها المشاركة في مؤتمر «خير أمة» لدول آسيان، إذ شاركت فيه بكوكبة من العلماء وطلبة العلم السعوديين، ورأس الوفد وزير الشؤون الإسلامية الدكتور عبداللطيف آل الشيخ- زاده الله توفيقًا- وهو الذي احتفت به بانكوك على طريقتها، فأكرمته ومنحه شيخ الإسلام- الممثل الأعلى الرسمي لمسلمي مملكة تايلاند- وشاح الطبقة الأولى للشخصية الإسلامية العالمية المؤثرة لعام 2024، وهو جدير بهذا التكريم. كانت محاور المؤتمر متنوعة ثرية، وقدَّم الوفد السعودي فيها رؤيته المرتكزة على مقررات علماء الإسلام، وفق المنهج الإسلامي الوسطي المعتدل، وهو الذي يحارب الانحلال وضياع الهوية الإسلامية والتفريط في الثوابت، كما يكافح التطرف والغلو وإهدار العهود والمواثيق، وتضييع القيم الإنسانية الجامعة المعززة للتعاون في الخير والداعية إلى السلام بين الشعوب. ما تفعله الوزارة عمل مكثف في سبيل نشر الدعوة الإسلامية والتعاون وفق القيم الإنسانية المشتركة، وإظهار المنهج الوسطي المعتدل الذي يقوم عليه التقعيد المنضبط في فهم الشرع والذي يتميَّز به علماء السعودية، في زمن تتزاحم فيه الدعوات والمناهج ويذهب ضحية لما ضل منها شباب أغمار كان يمكن استثمار طاقتهم في تعمير بلدانهم لو أنَّهم وجدوا من يوجههم بطريقة سليمة ومنهج قويم. عمل وزارة الشؤون الإسلامية الدؤوب ذو تأثير كبير في نشر الدعوة والمعرفة الشرعية، ويسهم بالتعاون والتواصل مع علماء المسلمين في أقطار العالم، بما يصنع بيئة علمية شرعية صحية، لكنه لا ينحصر في هذا المجال فحسب، بل له تأثير بعيد المدى على صعيد تعزيز القوة الناعمة السعودية في المناطق التي نشطت فيها دعوات لقوى أخرى، إذ سعت موسكو قبل سنوات إلى تشكيل تيار يمثل عمقًا لها ولسياساتها تحت عنوان «مؤتمر أهل السنة والجماعة» وعقد في غروزني، وكانت إيران هي الأخرى قد نشطت في دول آسيا الوسطى لتعزيز قوتها الناعمة في تلك المناطق وأفادت من ذلك، بما يشبه ما عملت عليه من قبل في المنطقة العربية قبل تدخلها الذي انتهى بالضعف والانسحاب من مناطق كسوريا، كذلك تركيا كانت قد عملت على صياغة قوتها الناعمة خلال العقد الأخير بتصاعد كبير، وخصصت من مواردها شيئًا كبيرًا لهذا الشأن وقد أثر هذا العمل عبر استثماره بعد تغير الموازين السياسية في سوريا. والملاحظ أن المجالات التي عملت على تشكيلها تلك الدول تمحورت عبر تعزيز بعض الجوانب الكلامية القديمة في المناطق الأعجمية، كإحياء علم الكلام الأشعري والماتريدي والطرق الصوفية، وكان آخر ما ضجت به وسائل التواصل الاجتماعي منع بعض كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب في مناطق غير عربية، وقد سيقت في مبررات ذلك حجج حول خصوصية القوميات المحلية، وهو ما يصب في جانب تكتلات ناعمة تريد أن تقطع على العرب أي تغييرات ثقافية خارج المنطقة العربية، بما عرف من قبل في التراث العربي الإسلامي تحت مسمى الشعوبية، وهي صورة متطرفة لما يمكن أن تصل إليها تلك الدعوات. ومما يميز منهج العلماء في السعودية أنه منهج وسطي يعود إلى الجذور الأولى للإسلام، بعيدًا عن التنطع الكلامي الذي أغرق وأرهق متابعيه ببحوث هي أقرب إلى الفلسفة منها إلى الشرع المبني على الكتاب والسنة، ولغتهما هي العربية كما نص الله، عز وجل، عليه: «بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ» [الشعراء: 195]. هذا المنهج الذي يعود إلى الجذور ينغض على الدعوات التي تسعى إلى تكتلات تصنع سدودًا في وجه العربية التي هي لغة الكتاب والسنة، ومن العجب أن تجد عالماً قد انتصب للتفسير أو الإفتاء في بلد وهو لا يحسن قراءة العربية، ويكتفي بمقررات كلامية بلغته الخاصة، وهكذا ينعزل عن مصادر الإسلام من النبع الأول، وهذا وإن كان له تأثير علمي، لكن له تأثيراً آخر في إقامة قوة ناعمة في وجه العربية. ومن بين العموم العربي فإن عمل وزارة الشؤون الإسلامية على وجه الخصوص يحبب المسلمين بمختلف أقطار العالم في السعودية وشعبها وحكومتها، وهم يرون جهودهم التي لا تبخل على الإسلام بشيء، وتقدم لتلك الشعوب دعمها وتجربتها ومعرفتها الدينية الوفيرة في علمائها وطلبة العلم الشرعيين لديها، بما يجعل من الوزارة إضافة لجهدها الشرعي واجهة حسنة للسعودية، تستطيع أن تجتذب القلوب وتؤثر في العقول وتشكل قوة ناعمة يهمها السعودية ومصالحها.