انتقل قائد الأركان العامة التركية الجنرال حلمي اوزكوك امس الى مدينة سيلوبي، التي تبعد عشرة كيلومترات عن الحدود العراقية، لتفقد القوات التركية المحتشدة في المنطقة والتي يقدر عددها بنحو 160 ألف جندي، في بادرة رأى فيها المراقبون خطوة اخيرة تسبق دخول هذه القوات الى شمال العراق بغرض اقامة حزام أمني فيه. تتسارع التطورات السياسية والعسكرية في تركيا مع اقتراب موعد دخول القوات التركية الى شمال العراق. وسُجل في هذا الإطار اجتماع وصفه المحللون بأنه "اجتماع حرب" عقد أول من امس بحضور كبار المسؤولين عن الشأن السياسي والعسكري في انقرة. واكد المجتمعون فيه اعتماد الاستعدادات المتعلقة بالحملة العسكرية في شرق تركيا. وقُدّم الاجتماع على انه زيارة مجاملة قام بها قائد الأركان العامة الجنرال حلمي اوزكوك لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، إلا ان الاجتماع تناول في الواقع، وفي شكل مفصل، طبيعة التطورات العسكرية داخل العراق والاستعدادات التي قامت بها القوات التركية للانتشار في شماله، علاوة على التنسيق الحاصل مع القوات الاميركية ونتائج الاتصالات الدائرة مع واشنطن بهذا الخصوص. وقدم اوزكوك خلال الاجتماع عرضاً للأوضاع الأمنية، داخل البلاد وفي شمال العراق، وملخصاً عن مجرى الحرب. وجرى البحث في طبيعة المخاطر التي قد ترافق دخول القوات التركية الى كردستان العراق. كما زار الوفد نفسه بعد ذلك دنيز بايكال، زعيم المعارضة رئيس "حزب الشعب الجمهوري". ولدى خروجه من الاجتماع اكتفى قائد الأركان العامة والشخصية العسكرية الأولى في البلاد بالقول ان "القوات التركية انهت استعداداتها وخططها. وسنقرر متى يحين الأوان" لدخول شمال العراق. اما بايكال فقال ان اللقاء كان مثمراً للغاية، وسمح باستعراض التطورات المتسارعة في العراق. وأضاف: "في هذا الوقت الحرج على الجميع جنوداً وسياسيين ان يعملوا معاً. وعلينا ان نقوّم المخاطر التي تواجهها تركيا في هذه الفترة العصيبة. وهذه مسؤولية الجنود والسياسيين". واكدت مصادر مطلعة ان القوات التركية باتت جاهزة لدخول كردستان العراق، اذ تنوي اقامة حزام أمني يمتد بعرض 20 كيلومتراً، وذلك على طول الحدود العراقية - التركية البالغة 330 كيلومتراً، أي ان مساحته ستقارب سبعة آلاف كيلومتر مربع. من جهة أخرى، ترددت تكهنات في أنقرة عن أن الهجوم الأميركي على الموصل سيبدأ في الساعات المقبلة، مشيرة إلى أن نحو عشرة آلاف جندي أميركي دخلوا في الواقع عبر تركيا إلى شمال العراق، أو بقوا في مناطق تركية قريبة من الحدود العراقية، وضمن حزام عرضه عشرة كيلومترات يُحظر دخول الصحافيين أو المدنيين إليه إلا بإذن خاص. وأشارت إلى أن القوات الأميركية أدخلت إلى المنطقة أيضاً معدات ومركبات كثيرة ستنتقل إلى أربيل عندما يتقرر بدء الهجوم على الموصل والذي سيسبقه قصف مدفعي وجوي عنيف بهدف تفكيك خطوط الدفاع التي أقامها الجيش العراقي وقوات الحرس الجمهوري والتي ينتشر فيها نحو 120 ألف جندي. وقالت إن منسق الشؤون العراقية زلماي خليل زاد الذي وصل مساء الأحد إلى أنقرة، مدد اقامته 24 ساعة بعدما كان مقرراً أن يتوجه أمس إلى أربيل. وأشارت إلى أن محادثات زلماي مع المسؤولين الأتراك سمحت ببلورة تفاهم حول كيفية انتشار القوات التركية في شمال العراق، وان بقي هناك تفاوت في وجهات النظر حول مصير كركوك، التي يمكن أن يؤدي دخول قوات كردية إليها إلى استهدافهم من قبل القوات التركية، واندلاع مجابهة بين حلفاء واشنطن في شمال العراق. وفي لندن، حذر وزير الخارجية البريطاني جاك سترو تركيا من ارسال قوات إلى العراق، منضماً بذلك إلى الولاياتالمتحدة التي كانت وجهت تحذيرات مماثلة لأنقرة. وأبلغ سترو مجلس العموم أنه يتفهم قلق تركيا ازاء احتمال تدفق اللاجئين من كردستان العراق إلى أراضيها، ولكنه شدد على أنه لن يكون من مصلحة أنقرة ارسال قوات إلى شمال العراق. وأشار إلى أن وضع اللاجئين في شمال العراق قد تغير بشكل جذري منذ العام 1991 عندما تدفق أكثر من نصف مليون لاجئ إلى الأراضي التركية. وقال سترو: "إنه لن يكون من مصلحة الأتراك شن عمليات عسكرية عدائية ضد الأكراد". وكان الوزير البريطاني تحدث هاتفياً مع نظيره التركي عبدالله غل. وقال سترو إن الأخير أبلغه أن تركيا تحاول مواصلة الاتصال والتعاون مع الزعماء الأكراد في شمال العراق. حذر الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي تركيا من عواقب زج قواتها في شمال العراق، ودعياها الى تفادي تعقيدات الوضع وزعزعة الاستقرار الاقليمي. وعقد رئيس المفوضية الأوروبية رومانو برودي اجتماعا مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي جورج روبرتسون وسفراء البلدان الأعضاء ال19 تركز على السياسات الدفاعية والوضع في العراق. وصرح الأمين العام للحلف بأن سفير تركيا أحمد اوزومش أكد خلال الاجتماع ان بلاده "تريد إقامة منطقة عازلة بعمق 20 كيلومترا من أجل إيواء اللاجئين الذين قد يفرون من مناطق النزاع نحو الشمال". و قال ناطق باسم المفوضية الأوروبية أن افتراض تدخل القوات التركية في شمال العراق "سيزيد في تعقيدات الوضع". وأضاف أن شروط الانخراط في عضوية الاتحاد الأوروبي تقتضي امتثال تركيا مثل بقية البلدان المرشحة للقانون الدولي وعدم جواز احتلال أراضي البلدان الأخرى بالقوة. ولوحت المانيا بدورها باحتمال سحب طواقم تشغيل طائرات الانذار المبكر التي نشرها الحلف لتعزيز حماية أجواء تركيا ضد التهديدات المحتملة التي قد تأتيها من العراق. وكان حلف شمال الأطلسي زود انقرة طائرات "أواكس" وكذلك 5 بطاريات صواريخ "باتريوت" وفرتها المانيا وهولندا ووحدات مكافحة الأسلحة الكيماوية والبيولوجية.