على رغم اصرار الرئيس جورج بوش على رفض ارسال تركيا قوات الى شمال العراق، قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ان هذه الخطوة متوقعة ل"منع الاستفزازات" وضبط تدفق اللاجئين. وأصرت أنقرة ان بت المسألة قرار "تملكه وحدها"، في حين أعلنت رئاسة الاتحاد الأوروبي "تعاوناً وثيقاً" مع واشنطن لمواجهات احتمالات الغزو التركي. ولوّحت المانيا وبلجيكا بورقة الدعم الذي يقدمه الحلف الاطلسي لحماية أجواء تركيا، من اجل ثنيها عن خطط الغزو. تسارعت المشاورات السياسية في العاصمة التركية امس، مع بدء العد العكسي لانطلاق الهجوم الاميركي في شمال العراق. وعلمت "الحياة" ان ممثل الرئيس الاميركي لدى "العراقيين الأحرار" زلماي خليل زاد وصل الى أنقرة مساء الأحد، للعمل على وضع ترتيبات تضمن أكبر مقدار من التنسيق بين الخطط الاميركية والتركية المتعلقة بشمال العراق. وشهد أمس انسحاب آخر الوحدات الاميركية التي كانت دخلت الى تركيا بموجب مذكرة تفاهم أقرها البرلمان التركي أخيراً وتقرر سحبها بعدما استغنت واشنطن عن انزال الفرقة المدرعة الرابعة في تركيا، وتحويلها الى جنوبالعراق. واجرى زلماي زاد امس سلسلة محادثات مع كل من وزير الخارجية عبدالله غل، وعدد من المسؤولين الاتراك في وزارة الخارجية. وكان غرض المحادثات التي استمرت ساعات ضمان التنسيق في مواقف الجانبين، بعد البرود الذي عرفته العلاقات بين واشنطنوأنقرة، في ظل معارضة 90 في المئة من الشعب التركي الحرب على العراق. وعلمت "الحياة" ان الأميركيين مصممون على تحقيق تفاهم مع انقرة بخصوص مستقبل كردستان العراق، بعدما اكدت تركيا عزمها على دخول شمال العراق لإقامة حزام أمني يمتد 330 كيلومتراً، على طول الحدود المشتركة بين البلدين، على ان يشمل ايضاً منطقة الموصل الغنية بالنفط، والتي تضخ 40 في المئة من الصادرات النفطية العراقية. وجدد رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان تأكيد رغبة تركيا في ارسال قوات الى شمال العراق، حين ألقى خطاباً في البرلمان أول من امس، بعد قليل من منح حكومته ثقة البرلمان، ليعلن ان الموافقة على عبور الطائرات الاميركية الأجواء التركية عبر ممرين جويين يتيحان لها الوصول الى العراق، انما تخدم مصالح تركيا. وأضاف ان تركيا "سترسل قوات الى الشمال لضبط تدفق اللاجئين، ومنع تهديد مصالحها وحماية النظام والقانون ومنع الاستفزازات التي قد تستهدف أمننا". ولم تتناول محادثات زلماي التي ركزت على البحث في الترتيبات الأمنية التي سيشهدها شمال العراق، بعد دخول القوات التركية، المساعدات المالية التي كانت واشنطن وعدت بها أنقرة، قبل ان تعلن سحبها نتيجة تلكؤ البرلمان التركي في منح القوات الاميركية حق استخدام الأراضي التركية لغزو العراق. ومن المقرر ان يتجه زلماي زاد الى اربيل اليوم للقاء الزعماء الأكراد، وابلاغهم فحوى الاتفاق الاميركي - التركي، ومتابعة الدور الذي ستقوم به القوات الكردية في الهجمات التي ستستهدف مواقع الجيش العراقي وقوات الحرس الجمهوري. تجربة 1991 الى ذلك أ ف ب أوضح الناطق باسم الحكومة التركية جمال تشيتشك امس، ان انقرة تريد من خلال التدخل في شمال العراق، تجنب تكرار الأحداث التي تلت حرب الخليج عام 1991، ووضعتها في مواجهة تدفق للاجئين وموجة "ارهاب". وقال في ختام جلسة لمجلس الوزراء ان "وجود تركيا في العراق ناتج عن اعتبارات انسانية وعن التخوف من الارهاب". وزاد: "ان نياتنا واضحة"، مؤكداً ان تركيا لا تريد السيطرة على أراض عراقية، بل تريد حماية نفسها من العواقب المحتملة للحرب. واضاف تشيتشك الذي يتولى ايضاً حقيبة العدل ان "تركيا واجهت بعد حرب الخليج موجة ارهاب كبرى، نتجت عن الفراغ السياسي في شمال العراق. ولدينا روابط تاريخية وثقافية مع المنطقة وهذا يجعل الوضع في العراق يعنينا وليس لتركيا أي أهداف سرية أو ذهنية امبريالية أو استعمارية في ما يتعلق بشمال العراق. كل ما تريده هو السلام والاستقرار". وأشار الى ان انقرةوواشنطن متفقتان على مبادئ تدخل عسكري تركي في شمال العراق، موضحاً انه يعود الى تركيا وحدها "اتخاذ القرار في شأن ارسال جنود الى هناك". وذكر ان المتمردين من أكراد تركيا حزب العمال الكردستاني اختلطوا باللاجئين المتوافدين الى الحدود عام 1991 للتسلل الى جنوب شرقي تركيا، واستئناف عملياتهم المسلحة. وزاد ان بلاده واجهت آنذاك تدفق 517 ألف لاجئ وصلوا فجأة الى حدودها، بعدما طردتهم القوات العراقية. وعلى خلفية النوايا التركية لنشر قوات في شمال العراق، من المقرر ان يتوجه رئيس الاركان الجنرال حلمي اوزكوك اليوم الى جنوب شرقي تركيا، وسيزور مدينة سيلوبي الصغيرة الواقعة على مسافة 30 كيلومتراً من الحدود، وسيعقد فيها مؤتمراً صحافياً. وفي اثينا، أعلن الناطق باسم الخارجية اليونانية بانوس بيغليتيس الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، ان الاتحاد والولايات المتحدة اتفقا على "تعاون وثيق" لمواجهة احتمال دخول قوات تركية الى العراق. وأوضح ان هذه المسألة بحثت مساء الأحد هاتفياً بين وزير الخارجية اليوناني جورج باباندريو ومساعد وزير الخارجية الاميركي للشؤون السياسية مارك غروسمان، مشيراً الى ان باباندريو ناقش الموضوع ايضاً مع نظيره التركي عبدالله غل. واضاف ان الاتحاد والولايات المتحدة "قلقان" من احتمال حصول عملية تركية في العراق، وعلى رغم "المشاكل والخلافات" يتابعان اتصالاتهما حول المواضيع الحساسة في هذه الفترة. وذكر الناطق اليوناني ان غروسمان عبر لباباندريو عن "القلق الاميركي من احتمال دخول قوات تركية الى العراق، بحيث ان الشروط التي طرحتها تركيا غير مستوفاة، اي لم يسجل تدفق كبير للاجئين من العراق وليست هناك تحركات لأكراد شمال العراق من شأنها ان تخلق مشاكل أمنية لتركيا". واكد غل لباباندريو ان "تركيا ستبذل ما بإمكانها لتجنب التورط في العراق"، كما قال بيغليتيس، مشيراً الى ان وزير الخارجية اليوناني ابلغ نظيره التركي القرار المشترك لدول الاتحاد الأوروبي، المعارض لتدخل دول مجاورة للعراق في الحرب، وتمسكها باحترام سلامة العراق ووحدة أراضيه. وكان الموقف التركي من الحرب ايضاً موضع بحث الأحد بين باباندريو والأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان. وأفادت وكالة "اسوشييتدبرس" ان المانيا وبلجيكا حذرتا امس من ان أي غزو تركي لشمال العراق قد يدفع الحلف الاطلسي الى مراجعة تقديمه الدعم اللوجستي لحماية تركيا من أي هجوم عراقي محتمل. تزامن ذلك مع طلب برلين توضيحات من ممثل انقرة لدى الحلف، ومع تحذير ناطق باسم المفوضية الأوروبية في بروكسيل امس، من ان دخول قوات أنقرة الى شمال العراق "سيزيد التعقيدات في شأن احتمال انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي".