نقترب من المشهد الأخير لمسرحية هزلية مقيتة، مسرحها العالم كله ومركزها مجلس الأمن الدولي، هذه المسرحية في غاية السخف والسذاجة من حيث الإخراج أو بالتعبير الدارج "ضحك على الذقون"، مقيتة لأنها تمس كيان كل عربي وكل مسلم بل تمس الشرفاء محبي السلام حول العالم. من الغباء أن يعتقد مخرجو هذه الهزلية في الولاياتالمتحدة الأميركية والمملكة المتحدة بأن اللعبة التي يلعبونها على المسرح الدولي في عصرالتنوير والمعلوماتية عصر العلم والمعرفة يمكن أن تنطلي على من عنده قدر ولو بسيط من العقل والاطلاع والمعرفة بالشؤون الدولية. عندما قررت الولاياتالمتحدة الذهاب إلى الأممالمتحدة متظاهرةً بأنها ستخضع للشرعية الدولية في قرارها بالحرب أو السلم مع العراق، بعدما كانت أعلنت أن هدفها الأساس هو إطاحة النظام العراقي، خيل للبعض أنها فعلاً بصدد تغيير هدفها المعلن. إن تظاهر الولاياتالمتحدة بأنها تخضع في علاقاتها الدولية للشرعية الدولية ما كان في حقيقته إلا تظاهراً لا يدعمه سلوكها الذي إتسم خلال مرحلة التفاوض في مجلس الأمن على صياغة القرار 1441 بأن جعلت هذا القرار يحمل في طياته الذرائع التي تؤدي في النهاية إلى أن العراق لا يستطيع الوفاء بما أشتمل عليه بل كانوا يعتقدون أن العراق سيرفضه، وعندما ذهب المفتشون وبدأوا أعمالهم عملت أميركا جاهدةً من خلال التصريحات والتلميحات والضغوط للتدخل في ما يقوم به المفتشون، وجعلت من نفسها حكماً مشاغباً خارج الحلبة وهي أمور تنبئ عن سوء النية، إن ذهاب أميركا إلى الأممالمتحدة كان في حقيقته أمراً تكتيكياً هدف إلى امور أربعة: الأمر الأول: إيهام العالم العربي والإسلامي بأنها يمكن أن تعدل عن خطتها في شن الحرب على العراق لتحبط أي جهد مشترك تقوم به الدول العربية والإسلامية من خلال منظماتها مثل الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي لحشد الجهود للوقوف ضد هذه الحرب. والأمر الثاني: التحضير والاعداد على الأرض لحشد قواتها وقوات حلفائها إستعداداً للمعركة، والأمر الثالث: الإفادة من مفتشي الأسلحة في الحصول على معلومات استخباراتية مفيدة قبل شن حربها الظالمة. والأمر الرابع: هو أنها كانت في حاجة الى مزيد من الوقت لممارسة الضغط على بعض حلفائها الأوروبيين المترددين والحكومات العربية والإسلامية لتكون ضمن التحالف في حربها مع العراق، رغبة منها في أن لا تظهر الحرب على أنها حرب صليبية، ولا يخفى على المطلعين ما يدور في الصحافة الأميركية من أكاذيب وافتراءات وتسريبات عن جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية، وغيرهما من الدول الإسلامية بهدف ضم هذه الدول للتحالف او تحييدها. أميركا لم تكن تبحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق بحسن نية، بل كانت تستعد لشن حرب من أجل احتلال العراق، كانت تبحث عن ذريعة تخوّلها غزو العراق واحتلاله كما حصل في أفغانستان. وما قدمه السيد كولن باول في مجلس الأمن لا يعدوا كونه استكمالاً للمسرحية. بقي أن يفهم الجميع في الوطن العربي والعالم الإسلامي. أن الهدف من غزو العراق ليس إسقاط نظام الرئيس صدام حسين ولكنه أكبر من ذلك بكثير. فالخطط التي أعلن عنها وزير الخارجية الأميركي وأيدتها الدراسات الأخرى من جانب دعاة الحرب في الإدارة الأميركية، هو التغيير الشامل للمنطقة بكاملها، والعراق ليس إلا بداية المخطط للسيطرة على مقدرات المنطقة وتغيير خارطتها بما في ذلك خارطتها الثقافية والجيوبوليتيكية. ولا أدل الى التضليل مما نشر حديثاً عن إستخدام رئيس الوزراء البريطاني السيد توني بلير في تقريره عن العراق معلومات مصدرها بحث طالب دكتوراه من اصل عراقي يدرس في الولاياتالمتحدة اعتمد على وثائق عمرها أكثر من عشر سنوات، وبالطبع لم يشر السيد بلير في تقريره عن مصدر هذه المعلومات. قلائل هم اللذين سيذرفون الدمع على زوال نظام السيد صدام حسين و أنا لست واحداً منهم ولكن ما يمثله هذا الغزو من عدوان على الشرعية الدولية بصورة عامة وعلى الأمتين العربية والإسلامية بصورة خاصة، هو أمر لابد أن يقف ضده كل الشرفاء في العالم، إن المستهدف بهذه الحملة هي الأمة العربية الإسلامية من أدناها إلى أقصاها بما في ذلك مواردها وثقافتها. لقد دربت أميركا أسامة بن لادن وعصابته واستخدمتهم في حربها ضد الاتحاد السوفياتي السابق وهي الآن تحصد صنيعها ولسنا في العالم العربي والاسلامي مسؤولين عن هذا التنظيم الذي جعلوا منه ذريعة لمحاربة الإسلام و المسلمين، إن العالم العربي والإسلامي يرفض هذا الحرب التي تعد لها الولاياتالمتحدة لأنها تمس كيانه، لا نريدها لأنها ستكون على أرضنا، لا نريدها لأنها ستقتل اخواننا وأخواتنا، لا نريدها لأنها ستيتّم إخواننا وأخواتنا، وتلوث بيئتنا وتجلب لنا الأمراض والأوبئة. ألا يكفي أن زرع الغرب في أرضنا كياناً دخيلاً وفتح جرح ينزف يومياً في فلسطين، وجرح آخر في أفغانستان، لماذا يستمع السيد جورج بوش والسيد توني بلير لدعاة الحرب في أوطانهم ولا يستمعان لدعاة السلام، أمثال الرئيس الأسبق جيمي كارتر والسيد توني بن الذي قال في مقابلة مع السيدة هدى الحسيني في جريدة "الشرق الأوسط" يوم السبت 8 فبراير 2003: "لا أريد للعلاقات بين المسيحيين و المسلمين أن تصاب بمرارة لمائة سنة مقبلة، لا أريد تكرار الحملات الصليبية، لا أريد المزيد من الحرب، و أريد منا جميعاً المنتمين إلى الأممالمتحدة أن نعمل لإنقاذ الأجيال المقبلة من رعب الحروب التي ولمرتين أوقعت مصائب فظيعة في الإنسانية". جاءت هذه الكلمات من رجل محنك جرب الحروب في وطنه مدركاً للتاريخ وعلاقات الشعوب مع بعضها بعضاً مدركاً لمخاطر الحروب ونتائجها المدمرة... فهل يعي قادة العالم، بمن فيهم القادة العرب، ما ينتظرنا جميعاً من مصائب في حال كان المشهد الأخير من هذه المسرحية الكريهة حرباً على العراق و قتلاً لأبنائه بعدما حوصر لمدة تزيد على عشر سنوات، لا لشيء إلا لأن قدره وضعه في يد رجل لا يعرف متى يقول إنني فشلت... والله من وراء القصد. * كاتب سعودي.