ثمة ما يشبه الاستسلام التام في العالم العربي من محيطه الى خليجه ازاء حرب ستشنها اميركا على العراق ولا يستطيع العرب منعها، وعليهم معاناة عواقبها وافرازاتها التي ستستمر لعقود، وستفاقم عدم الاستقرار في المنطقة وتزيد الضعف في الجسم العربي. وقد افتعلت واشنطن في الايام القليلة الماضية استياء من بعض المصادر الاسرائيلية التي "سربت" بعض التفاصيل عن التحالف الاميركي - الاسرائيلي والتنسيق في موضوع الحرب على العراق، كما لو ان الامر كان سرا عميقا خفيا وليس شراكة شريرة مفضوحة. ونقلت صحف عبرية عن وزير الدفاع الاسرائيلي بعد محادثاته مع كبار المسؤولين في الادارة الاميركية تشيني، باول، رايس ورامسفيلد قبل بضعة ايام انه خرج من تلك المحادثات بانطباع ان الحرب على العراق "حتمية" وقد تبدأ في الاشهر او الاسابيع المقبلة. وذكرت التقارير الواردة من اسرائيل ان واشنطن التزمت بانذار تل ابيب قبل 72 ساعة من بدء الحرب وبالتنسيق معها في اي نشاط عسكري خصوصا في الصحراء الغربية العراقية التي كان العراق اطلق منها صواريخ على اسرائيل في حرب 1991. وجاءت تصريحات الرئيس جورج بوش ووزير خارجيته كولن باول وايضا تصريحات رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ووزير الخارجية جاك سترو عن وجود نواقص ومعلومات محذوفة من بيان العراق عن برامج تسلحه لتؤكد ان واشنطن تعد مبررات شكلية للحرب التي هي عازمة على شنها لتحقيق امرين بالدرجة الاولى، ليس لأي منهما علاقة بعراق ديموقراطي في المستقبل: السيطرة على ثروات العراق، خصوصا النفطية، وتدمير دولة عربية كانت واعدة في الميزان الاستراتيجي العربي مقابل القوة العسكرية الاسرائيلية. والتقى بوش كبار مستشاريه لشؤون الامن القومي الاربعاء لدرس التكتيكات التي ستتبعها واشنطن بعد تقديم رئيس لجنة الاممالمتحدة للمراقبة والتحقق والتفتيش هانس بليكس ومحمد البرادعي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية امس تحليلهما الاولي للاعلان العراقي حول برامج اسلحة الدمار الشامل. وقد تواجه الولاياتالمتحدة مشكلة في اقناع الاعضاء الآخرين الدائمين في مجلس الامن باستثناء بريطانيا المضمونة بان العراق خرق ماديا القرار 1441، ولكن تصميمها على شن الحرب سواء بموافقة مجلس الامن او من دونها سيقودها الى الحرب. وليس من قبيل الصدف ان الرئيس بوش اجرى اتصالات امس مع بعض الزعماء العرب عشية اجتماع اللجنة الرباعية في واشنطن لاقرار ما يسمى "خريطة الطريق" التي تريد اميركا ايهام العرب بانها ستكون الوصفة السحرية لتسوية الصراع العربي - الاسرائيلي. والواضح ان بوش اراد ان يبعث الى العرب برسالة مفادها ان ادارته العازمة على ضرب العراق ستعود الى موضوع الصراع العربي - الاسرائيلي عندما تهدأ غبار الحرب على العراق. غير ان ارييل شارون الذي وصفه بوش بانه "رجل سلام"! حوّل سلفا "خريطة الطريق" تلك الى مهزلة بمطالبته بشروط لتنفيذها تحيلها الى استسلام يريد فرضه على الفلسطينيين. ان هذه الحرب ليست لمصلحة الشعب العراقي ولا هي لمصلحة العرب. انها حرب لخدمة اغراض اميركية واسرائيلية وبريطانية الى حد ما.