في مقهى "الستاربكس" أو مقهى "الدانكن دوناتس"، تتحلّق زمرة من الشبان والشابات حول طاولة، يندلقون على الكنبات بسراويلهم الفضفاضة، يمسكون كتب الدراسة لكنهم سرعان ما يغرقون في أحاديث لا تنتهي، عن السيارات الجديدة، والأزياء الجديدة والإصدارات الموسيقيّة... في الخارج أيضاً، تصطف الطاولات للمدخنين ينبت حولها المراهقون، يحملون لفافاتهم ويدخّنون، ويدخّنون لأنّ الجلسة لا تحلو... طريقة حملهم للسيجارة ترفع راية التمرّد... شعر كثيف نبت بعشوائية لا يعرف المشط طريقاً إليه، حلقة مغروزة في الأنف، قمصان ترتفع فوق البطن وبنطال ينخفض تحت السرّة... أزياء القرن الحادي والعشرين تتمنطق الحاسوب المحمول... يجلسون إلى الطاولة ويعملون عليها أو يتسلّون... لا أحد يعلم، لكن ما هو أكيد أنه حتى لو كان مراهقو هذا المقهى من الطبقات الغنية، فإنهم يتماهون مع مراهقي الطبقة الفقيرة في رغبتهم الصارخة بالتمرّد والبحث عن هوية غامضة ومشاعر يكتنفها اللبس، صراعات كثيرة تجمعهم لأنّهم بكل بساطة... مراهقون! المراهقة، بحسب تعريف المعالجة النفسية والأستاذة الجامعية نجاة إبراهيم، "اصطلاح حديث لنتاج حضاري تتميّز به الدول المتقدّمة، فالمراهقة رفاه بالنسبة إلى المجتمعات البدائية، إذ كان الفرد ينتقل من الطفولة إلى عالم الراشدين بمجرّد أن ينجح في القيام بأعمال ومهمات معيّنة". مراهقو اليوم ومراهقو الأمس تترافق المراهقة مع تغيرات فيزيولوجية ونفسية وعقلية يتحضر خلالها المراهق ليصبح مسؤولاً وراشداً، ويدخل ميدان العمل والإنتاج. "اليوم، أصبحت فترة المراهقة أطول، وفقاً للطبقة والمستوى الاجتماعي - الثقافي الذي تتمتع به المجتمعات. فالمراهق يستغرق اليوم مدة أطول في مرحلة دراسته، ما يؤخّر استقلاليّته المادّية، أي أنّ القيام بالعمل المأجور"، بحسب إبراهيم "من المعايير الأساسية لتصنيف المراهق راشداً". لكنّ، ماذا عن الفارق بين مراهقي اليوم ومراهقي الأجيال السابقة؟ هل غيّر التطوّر التكنولوجي، وتحوّل العالم إلى قرية صغيرة، طبيعة المراهقة أو شكلها؟ تجيب إبراهيم أنّ هناك فارقاً بين مراهقي اليوم ومراهقي الأجيال السابقة. ف"مراهقو اليوم يتمتعون بقدرة أكبر على الاستيعاب وبمعدّل ذكاء يفوق الأجيال السابقة بحكم التقدم التكنولوجي والتطور على صعيد النفاذ إلى المعلومات، ما يثير فضولهم أكثر ويصبحون أكثر استيعاباً وذكاءً، وذلك بغض النظر عن مساوئ الإنترنت ووسائل الاتصالات". وما يقال عن لا مبالاة مراهقي اليوم ازاء القضايا الاجتماعية والسياسية ليس صحيحاً، فهم "يعتبرون أنفسهم معنيين بما يجري حولهم، ويصرّون على التعبير عن مواقفهم في مختلف المسائل". وعلى رغم ما يميّز جيل اليوم عن الاجيال السابقة، يعاني المراهقون أينما وجدوا، وأيّاً كانت ظروفهم الاجتماعية، مشكلات مشتركة، تنبعث من صراعات داخليّة، عنوانها عدم الاستقرار والشعور بالغربة والغرابة، والبحث عن الهويّة في عالم للكبار. رفض الهوية الموروثة تقول الدكتورة نجاة ابراهيم في هذا السياق: "المراهق إنسان يبحث عن هوية لا يستطيع أن يجدها عبر المنطق والأدلّة ومعايير الراشدين. بالتالي، فهو يثبت هويته عبر رفض الهوية الموروثة والسلطة والتقاليد والقيم السائدة ليقول إنه موجود. وهو، إذا قبل عادات مجتمعه وأهله وتقاليدهم التي كان يؤمن بها في طفولته، فإنه يشكّل استمرارية لأهله... وبالتالي، سيبدو في نظر نفسه ضعيف الشخصيّة لا كياناً مستقلاً وفريداً". وتشير ابراهيم الى أن ردّ الفعل هذا "مؤشر إيجابي إذا استمر الى مرحلة معيّنة وعرف الأهل كيفية التعامل معه". وخارج القواسم المشتركة التي تنبع من مرحلة المراهقة في شكل عام، فإن كيفية التعبير تختلف بين مجتمع وآخر. فالمراهق هو ابن المجتمع الذي ينتمي إليه. في المجتمعات الغربية مثلاً، يتّصل المراهق بالشرطة لفض الخلاف بينه وبين أهله، وقد تقف الشرطة إلى جانبه، إذا رأت أنّ الأهل غير جديرين بتحمّل مسؤولياتهم العائلية. ليست هذه حال مجتمعاتنا العربية، والشرقية والمتدينة والتقليدية التي يفتقر فيها المراهق الى هامش متقلّص من الحرّية. ذلك أن الذي يختلف من مجتمع الى آخر، هو مدى القدرة على التعبير عن الرفض، وهامش الحرية التي يمنحها المجتمع لمراهقيه. وتشير ابراهيم إلى أن "وسيلة التعبير تتمثّل بالتمرد والرفض. ويعبّر المراهق عنها بوسائل متعددة، مثل اللباس المختلف أي الموضة والأزياء الغريبة، واللغة الخاصة. فالمراهقون يتمتعون بلغة خاصّة، ومصطلحات لا يفقهها غيرهم. وقد يصل الأمر إلى الانحرافات السلوكية، كالاعتداء على الغير، والسلوك الاستفزازي، وإدمان المخدرات والكحول. وهذه الانحرافات، قد تكون من نتائج التفكك الأسري". الحاجة الى مثال في المقهى، مراهقات يشبهن المغنية بريتني سبيرز في تسريحاتهن ولباسهنّ ومنهن من يحاكين شاكيرا في حزامها، ومراهقون يحذون حذو "إمينيم" في تشقير الشعر ودق الوشم، لا يمكن تجنّب تأثير الموسيقى والتلفزيون في مراهقي اليوم... وتعزو إبراهيم ذلك إلى أنّ المراهق "يحتاج إلى مثال أو رمز أو قدوة، قد تكون الأهل أو أي قريب وذلك بحكم عملية التطور، لذلك هناك ضرورة للقدوة لئلا يبقوا ضائعين". كما أنّ تشبّههم بالمغنّين يعكس صراعهم الخاص في البحث عن الهويّة والذات وفي الوقت عينه يعبّر عن رفض ما نقله إليهم آباؤهم. وليست المشكلة، في نظرها، اختلاف القيم بين مراهقي اليوم وأهلهم، بل هي في تواصل تلك القيم: "التواصل ضروري وكلّما احترم الآباء القيم الجديدة تطوّروا أوّلاً في بعض الأمور وقلّصوا من صراعات المراهق ليساعدوه على التأقلم في المجتمع". في ملعب المدرسة، مراهقة تسرح بأفكارها... تضطرب لتغيّرات فيزيولوجية وفكرية تجتاحها. وتشعر بأنها لا تفهم جسمها وذاتها، خصوصاً في مجتمع يضيِّق عليها الخناق. بعد انتهاء الدروس ستلتحق ربّما بصحبها... مراهقون متمرّدون يشعرون بأنّ أهلهم لا يفهمونهم فيدخلون غرفتهم ليستمعوا إلى موسيقاهم ويهربوا إلى الأمام، حيث المستقبل افضل دوماً.