أكد الناطق باسم الحكومة اليابانية هاتسوهيسا تكاشيما أن بلاده تتوقع الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن سنة 2005 لمناسبة مرور 50 عاماً على إنشاء الأممالمتحدة. وقال في حديث الى "الحياة" على هامش زيارة وزيرة الخارجية يوريكو كواغوتشي لتونس أخيراً أن طوكيو عازمة على تطوير العلاقات مع العالم العربي والمساهمة في إعادة إعمار العراق بمشاريع مشتركة مع مصر وتونس. ودافع عن قرار إرسال 250 جندياً من "قوات الدفاع الذاتي" الجيش إلى العراق قبل نهاية السنة الحالية، مؤكداً أنهم سيكونون خارج مناطق المعارك ويؤدون مهمات إنسانية. وفي ما يأتي نص الحديث: ما هي الحصة التي تعهدت بها اليابان في مؤتمر مدريد لمعاودة إعمار العراق؟ - التزمنا تقديم 3.5 بليون دولار في شكل قروض تسدد قبل نهاية 2007 وتخصص للبنية التحتية والإتصالات والصحة و1.5 مليون دولار في شكل منح. وتشترط اليابان إشراف لجنة يابانية خاصة على متابعة صرف هذه المبالغ للتأكد من كونها ستستثمر لمصلحة الشعب العراقي. وندرس خططاً للتعاون مع كل من مصر وتونس لتنفيذ مشاريع إنسانية في العراق في إطار ما يسمى التعاون الثلاثي مثل مستشفى القاهرة الذي سيقام في العراق قريباً. وأنشأت اليابان مستشفيات عدة في العراق لكن البلد ما زال يحتاج الى أطباء وكوادر صحية. لماذا لا تقتصرون على هذا الدور وتتورطون عسكرياً في المستنقع العراقي؟ - قررنا إرسال دفعة أولى من "قوات الدفاع الذاتي" إلى العراق قبل نهاية السنة الجارية ولن تنتشر في مواقع المواجهات وإنما يقتصر دورها على أداء مهمات إنسانية فقط، فالدستور الياباني لا يجيز لها القتال خارج الأراضي اليابانية. أما الدفعة الثانية فسترسل على الأرجح اعتباراً من الثلث الأول من السنة المقبلة. ما الذي يضمن أنكم لن تُجروا للتورط في العمليات العسكرية إذا ما ضربت قواتكم مثلاً؟ - لن نشارك في أي اعمال عسكرية وما استطيع تأكيده هو أن قواتنا لن تكون أبداً المبادرة بفتح النار. نحن واعون أنهم سيكونون في وضع صعب وحرج للدفاع عن أنفسهم. لكن الحكومة وغالبية الشعب تدركان أن هذا النوع من الإلتزام ضروري، فبتراكم مثل هذه التجارب في تنفيذ المهمات تتكون خبرة قوات الدفاع الذاتي. وإذا ما استهدفوا فسيدافعون عن أنفسهم، لكن هذا احتمال ضعيف ونأمل ألا يعتدى عليهم. وما رد الحكومة على الأصوات المعارضة لإرسال قوات الى العراق؟ - نولي أهمية كبيرة للرأي العام، وهو يتابع ما يجري في العراق بانشغال، لكن الأرجح أن البرلمان سيصوت لمصلحة القرار. أما إذا كان الرفض قوياً فقد لا نتمكن من تمريره. واذكر في هذا السياق أن موقف اليابانيين كان إيجابياً من إرسال قوات إلى كمبوديا وتيمور الشرقية، إلا أن الحرب على العراق لم تحظ بشعبية تذكر، ومع انتهاء المعارك تعالت أصوات كثيرة للمساعدة في إعادة إعمار العراق. هناك من يقارن بين ما عاشته اليابان بعد قصف هيروشيما وناكازاكي في ظل الإحتلال الأميركي وحكم الجنرال ماكآرثر وحال العراق اليوم تحت حكم بريمر. ألا تستهويك المقارنة؟ - يميل كثير من اليابانيين اليوم لمساعدة الشعب العراقي بعد معاناة عقدين من المظالم والحروب بسبب شعورهم بأنهم عاشوا المعاناة نفسها، فاليابان تحولت إلى رماد بعد الحرب العالمية الثانية ولم يكن أحد يتوقع أن تبعث مجدداً، لكن بفضل المساعدة الدولية استطاعت استعادة الأمل المفقود لتصبح ثاني قوة اقتصادية في العالم، وسنكون سعداء إذا ما تضافرت الجهود الدولية لمعاودة إعمار العراق بالطريقة نفسها. يبدو أن اليابان تراعي العلاقة مع الإسرائيليين ولا تريد إغضابهم بإظهار الدعم للسلطة الفلسطينية أو الإجتماع مع الرئيس عرفات؟ - العكس هو الصحيح، فجميع المسؤولين اليابانيين الذين زاروا المنطقة اجتمعوا مع عرفات وآخرهم وزيرة الخارجية التي جالت على الأردن واسرائيل ومناطق السلطة فتمنى عليها الإسرائيليون ألا تزور عرفات في رام الله لكنها أصرت على زيارته وحضته على دعم رئيس الوزراء آنذاك أبو مازن، فرد شارون برفض الإجتماع معها إلا أنها التقت وزير الخارجية سيلفان شالوم، وكان الإجتماع صريحاً ومفيداً إلى أبعد الحدود. وسيحرص المسؤولون اليابانيون الذين يزورون المنطقة على لقاء عرفات دائماً، واليابان تعارض إبعاده لأنه رئيس منتخب ديموقراطياً. بعد جولة وزيرة الخارجية على بلدين من شمال أفريقيا هل لديكم خطة لتطوير العلاقات مع المنطقة في إطار "تيكاد"؟ - أنفقنا في السنوات العشر الماضية 10 بلايين دولار على أفريقيا والحافز على ذلك اعتقادنا بأن هذه القارة ستبقى بؤرة آفات وصراعات ما لم تحل المشاكل التي تتخبط فيها. ونجحنا بجمع 23 رئيس دولة وحكومة في اليابان أخيراً لمناسبة مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في أفريقيا في دورته الثالثة تيكاد 3 وبدأ المؤتمر يرتدي بالفعل طابعاً دولياً وسنتابع البحث في إطاره عن حلول للمشاكل في افريقيا. أما شمال أفريقيا فهي مفتاح من مفاتيح القارة والعلاقات معها انتقلت إلى مرحلة جديدة وعليه ينبغي وضعها في إطار استراتيجي أكبر وأعمق. ونحن نتعاون مع مصر في العراق ونتوخى أسلوب التعاون الثلاثي إياه مع تونس لتدريب الكوادر الفلسطينية وإقامة مشاريع تنموية في أفريقيا. إذا ما نظرنا إلى جغرافية اليابان نلحظ أنها بلد مجرد من الموارد الطبيعية وتعتمد أساساً على التجارة مع العالم الخارجي، وفي هذا الإطار يرتدي الشرق الأوسط، والعراق من ضمنه، أهمية كبيرة ومن هنا يأتي اهتمامنا بالمساهمة في معاودة إعمار العراق ودفع المسار السلمي بين اسرائيل والفلسطينيين وبين سورية واسرائيل ولبنان واسرائيل. إنه جزء من مصالحنا القومية، ونحن حريصون على رؤية الشرق الأوسط ينعم بالإزدهار والإستقرار. أعد خبراء في الخارجية اليابانية منذ سنتين وثيقة تضمنت رؤية شاملة لمعاودة صوغ العلاقات مع العالم الإسلامي، ماذا كان مصير الوثيقة؟ - اليابانيون ينظرون إلى الإسلام بوصفه شأناً بعيداً عنهم جغرافياً، لكنهم يدركون أن علاقاتهم الحيوية مع الشرق الأوسط تفرض أولاً إقامة حوار حقيقي مع العالم الإسلامي وثانياً أن تحقيق السلام العالمي لا يتم إلا من خلال حوار الحضارات وليس تصادمها. ولذلك قررنا إقامة مثل هذا الحوار المؤسسي مع البلدان الإسلامية وحددنا له هدفين رئيسيين هما أولاً فهم أفضل للإسلام وثانياً الإلتقاء مع المسلمين والتحاور معهم ليس فقط في الأطر الثنائية وإنما أيضاً في الإطار الجماعي لاستيعاب أبعاد هذه الثقافة. والحوار مازال جارياً حالياً في الحقل الثقافي أساساً وستعقد الدورة المقبلة في الإسكندرية مطلع العام المقبل. وما يساعد على نجاح هذا الحوار انه ليس بين منظومتينا إرث استعماري وأننا نعتزم توسيعه ليشمل الجامعات ورجال الفكر والمبدعين والشعوب عموماً. هل ما زلتم مصرين على مقعد دائم في مجلس الأمن؟ - في أواخر العام المقبل يحتفل العالم بمرور خمسين عاماً على إنشاء الأممالمتحدة ونعتبرها فرصة لإدخال إصلاحات جوهرية على المنظمة ومساهمتنا المالية في الأممالمتحدة تؤهلنا لنكون بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، ونحن ندعو للتعجيل بتكريس الإصلاحات. انقضى الزمن الذي لم يكن لليابان فيه ما تقوله في السياسة الدولية، وكنا واضحين في هذه المسألة خلال مؤتمر مدريد لإعادة إعمار العراق لما التزمنا بما التزمنا من مساعدات. لكن مواقفكم تبدو تابعة لواشنطن؟ - هذا انطباع في غير محله، صحيح أن اليابان تعتبر في مقدم البلدان المانحة في العالم، لكنها اليوم أكثر حضوراً والتزاماً من الماضي على الساحة الدولية. كانت مواقفنا قريبة من ألمانيا وفرنسا وبعد الحرب على العراق مضينا على هذه الطريق.