تكرّس أمس الإنقسام في موقف أوروبا من الحرب على العراق. ففي حين أكد الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الألماني غيرهارد شرود وقوفهما الحازم ضد أي ضربة أميركية أحادية، أعلن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ان بلاده ستشارك في أي عملية أميركية ضد الرئيس صدام حسين إذا ظهر عدم تعاونه مع المفتشين الدوليين. وتكرّس هذا الانقسام في فشل حلف شمال الأطلسي في اتخاذ قرار ببدء التحضير للحرب على العراق. ويُتوقع ان يكون العراق على رأس المواضيع التي ناقشها ليل أمس الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان مع الرئيس جورج بوش في واشنطن. ودعا بوش وزوجته لورا أنان وزوجته نين الى عشاء في البيت الابيض يحضره أيضاً وزير الخارجية الاميركي كولن باول وزوجته الما. اكد الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الالماني غيرهارد شرودر أمس رغبتهما في تسوية سلمية للأزمة العراقية. وصدر موقفهما في مؤتمر صحافي مشترك عقداه إثر الاجتماع المشترك للحكومتين الفرنسية والألمانية في باريس لمناسبة الذكرى الأربعين ل"معاهدة الاليزيه" التي كرّست الصلح بين البلدين بعد الحرب العالمية الثانية. وقال شيراك في المؤتمر ان "المانياوفرنسا تتشاطران الحكم نفسه في ما يتعلق بالازمة العراقية". وأكد "ضرورة القيام بكل شيء لتجنب الحرب". واسهب شرودر في الاتجاه نفسه وقال "نريد كلانا حلاً سلمياً للأزمة في العراق ونعمل في تعاون وثيق" في هذا الصدد. واوضح الرئيس الفرنسي ان موقف البلدين "يرتكز الى فكرتين: الاولى تتمثل في ان كل قرار يعود الى مجلس الامن واليه وحده، بعدما يكون استمع الى تقرير المفتشين الدوليين وفقاً لقرارات هذا المجلس ذات الصلة". وسيقدم مفتشو الاممالمتحدة في 27 كانون الثاني يناير تقريراً عن التعاون العراقي في مجال نزع السلاح الى مجلس الامن. اما في شأن الفكرة الثانية، فقال شيراك ان "الحرب بالنسبة الينا هي دائماً تعبير عن الفشل كما تمثل دائماً اسوأ الحلول. ويجب والحالة هذه القيام بكل شيء لتجنبها". وتابع: "انطلاقاً من هذا الموقف المشترك، فإن ممثلينا في مجلس الامن، خصوصاً الرئاستان الفرنسية في كانون الثاني يناير والالمانية في شباط فبراير، تحت سلطة وزيري الخارجية، ينسقون المساعي وعلى اتصال دائم كل يوم". وقال: "هذا هو موقفنا وسنعمل من أجل ان يتم فهمه بأفضل شكل ممكن". وتحدث وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دو فيلبان في نيويورك، الإثنين، عن احتمال استخدام فرنسا حق النقض الفيتو في مجلس الامن في حال اصرت الولاياتالمتحدة على رغبتها في فرض حل عسكري للأزمة العراقية. وتلقى دو فيلبان الثلثاء اتصالاً هاتفياً من وزير الخارجية الاميركي كولن باول. ولم يدل مسؤولون أميركيون بأي تعليق على مضمون المحادثة. وقال الان جوبيه، رئيس حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية الفرنسي رئيس الوزراء السابق، في مقابلة مع اذاعة "اوروبا 1" ان "الولاياتالمتحدة لا تعيش بمفردها في العالم. لا يتعين اتباع أسلوب السير وراء القائد، فهناك وجهات نظر اخرى في العالم. ووجهة نظرنا هي انه لا يحق لأي قوة، حتى وان كانت الولاياتالمتحدة، اللجوء الى القوة من دون شرعية دولية لتسوية الأمور". وفي برلين، صرح مساعد الناطق باسم الحكومة الالمانية توماس شتيغ امس بأن الامتناع عن التصويت على قرار بشن حرب ضد العراق او التصويت ضد نص من هذا النوع في مجلس الامن خياران قائمان بالنسبة الى المانيا. وكان شتيغ يعلّق على تصريحات ادلى بها شرودر في تجمع انتخابي مساء الثلثاء واستبعد فيها "موافقة المانيا على قرار يضفي طابعاً شرعياً على الحرب". واوضح شتيغ في المؤتمر الصحافي المنتظم للحكومة ان تصريحات شرودر ليست سوى "نتيجة منطقية" لموقف المانيا منذ بداية الأزمة العراقية. وكان شرودر قال في مهرجان انتخابي في ولاية سكسونيا المنخفضة مساء أول من أمس: "ابلغت اصدقاءنا الفرنسيين خصوصاً والآخرين عموماً - وأنا أقول الآن شيئاً فيه إضافة عما سبق وقلته إزاء هذه المسألة: لا تتوقعوا ان توافق المانيا على قرار يُشرّع الحرب". وأضاف انه يتوجب نزع اسلحة العراق إذا كان يملك اسلحة دمار شامل "إلا انني على اقتناع بأن مثل هذا الأمر يمكن القيام به بوسائل سلمية". وكرر الأمين العام للحزب الإشتراكي الديموقراطي الحاكم اولاف شولتس أمس كلام شرودر، نافياً ان يكون إعلانه مرتبطاً بالانتخابات المحلية التي ستجري في ولايتين المانيتين في الثاني من شباط فبراير المقبل. وانتقدت رئيسة الحزب الديموقراطي المسيحي آنغيلا مركل في شدة إعلان شرودر، وقالت: "لو كانت هناك حكومة مسيحية في المانيا لما اتخذت موقفاً أحادياً من دون التشاور مع حلفائها وقبل صدور تقرير المفتشين". وأوضح استطلاع جديدة للرأي أجراه معهد "فورزا" لمصلحة مجلة "شتيرن" ان 69 في المئة من الألمان يؤيدون التصويت ب"لا" لحرب على العراق في مجلس الأمن. ودعا 30 في المئة من الذين شملهم الاستطلاع الى الامتناع عن التصويت. لندن وقرار الحرب وفي لندن، حذّرت الحكومة البريطانية الرئيس صدام حسين مجدداً أمس بسبب عدم تعاونه في صورة كاملة مع مفتشي الأممالمتحدة. واتفق ناطق باسم 10 داونينغ ستريت مقر الحكومة مع إعلان الرئيس جورج بوش ان الوقت أوشك على النفاد بالنسبة الى العراق. وقال ان بريطانيا تُشارك بوش خيبة الأمل بسبب عدم التعاون النشط للعراق مع المفتشين بناء على ما يتطلبه القرار الرقم 1441 لمجلس الأمن. وأضاف ان بريطانيا تتفهم موقف المانيا المعارض للحرب، بعد إعلان شرودر انه لن يؤيد اي قرار بعمل عسكري ضد العراق. وقال رئيس الوزراء توني بلير أمام مجلس العموم أمس ان الرئيس العراقي "يتعيّن عليه ليس فقط السماح للمفتشين بالوصول الى كل المواقع، ولكن أيضاً عليه ان يقول الحقيقة حول الاسلحة التي ما زال يمتلكها ويتعاون في تدميرها". وقال بلير انه يوافق على منح المفتشين مزيداً من الوقت لانهاء عملهم و"لكن عملهم ليس ان يمارسوا لعبة الاختفاء والظهور مع صدام" اي إضاعة الوقت. وتابع ان بريطانيا ستؤيد العمل العسكري ضد العراق إذا كان ذلك سيحظى بتفويض جديد من الأممالمتحدة أو إذا كان العراق انتهك في شكل واضح التزاماته ووضع عقبات أمام عمل المفتشين، وكذلك إذا اعترضت إحدى الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن على حق استخدام القوة. وحضت النائبة العمالية آن كلويد بلير على ايضاح ما إذا كان يؤيد تقديم الرئيس صدام والمحسوبين عليه الى محكمة دولية لجرائم الحرب بسبب "انتهاكاته لحقوق الانسان وممارسته الإبادة البشرية". وتساءلت لماذا لم تُتخذ اي خطوات لمحاكمة الرئيس العراقي وأعوانه بعد عامين ونصف من تقديمها "الأدلة" الى الحكومة عن انتهاكات حقوق الانسان وارتكاب "جرائم الحرب". ورد بلير عليها بأنه يتعاطف مع ما قالته في شأن "ان هناك عملية قضائية الى جانب الخطوات الديبلوماسية والعسكرية التي تُتخذ". لكنه أضاف "ان هذا الموضوع مُعقّد لأنه ينبغي عرضه على المدعي العام أو الشرطة لاتخاذ قرار حوله، وهم يقومون بذلك بالفعل. وانني آمل ان اتمكن من الرد عليها كلويد وتوفير النتائج الخاصة بذلك قريباً جداً". وغادر وزير الخارجية البريطاني جاك سترو لندن امس متوجها الى الولاياتالمتحدة لإجراء محادثات مع ادارة الرئيس بوش تركز على العراق. خلافات في حلف الاطلسي وفي بروكسيل رويترز، أ ب ارجأ حلف الاطلسي امس اتخاذ قرار في ما اذا كان سيعد تدابير لدعم أي حرب ضد العراق، وذلك بعد مناقشة ساخنة بين السفراء. وقال ديبلوماسي "انه قرار صعب للغاية... الجدل يتناثر والمسألة كلها تختص بالتوقيت". وأوضح ديبلوماسيون ان الدول ال19 في الحلف اتفقت مبدئياً على تقديم "دور داعم" لأميركا في حال نشوب الحرب، لكن فرنساوالمانيا ودولاً أوروبية أخرى رأت ان التوقيت ليس مناسباً لبدء التحضير للعملية العسكرية منذ الآن. وقال مسؤولون في الحلف انهم يتوقعون بدء التحضير للعمليات العسكرية بعد تقديم المفتشين تقريرهم عن الاسلحة العراقية في 27 كانون الثاني يناير الجاري. وطلبت الولاياتالمتحدة رسمياً الاسبوع الماضي من الحلف تقديم ستة اشكال من المساعدة العسكرية غير المباشرة في حال وقوع حرب على العراق. وفي موسكو، وافق مجلس الدوما النواب أمس على مشروع قرار اعده نواب يساريون وأكد ان العراق ينفّذ التزاماته في مجال نزع الاسلحة ويتعاون مع المفتشين في حين ان الولاياتالمتحدة بدأت قبل ظهور النتائج ب"التحضير لعملية عسكرية هدفها الغزو المسلح للعراق من أجل إطاحة قيادته بالقوة". وأكد البرلمان الروسي ان ما تقوم به الولاياتالمتحدة من "تحضير لعدوان عسكري" ضد دولة عضو في الأممالمتحدة يُشكّل انتهاكاً لميثاقها وخطراً على الاستقرار العالمي. واعتبر البرلمان ان تغيير النظام السياسي في دولة عربية بتدخل عسكري مباشر "يخلق سابقة بالغة الخطورة". وطلب الدوما من رئيس الدولة والحكومة العمل فوراً ل"اتخاذ كل الاجراءات اللازمة بما في ذلك في مجلس الأمن لمنع عمل عسكري أميركي ضد العراق". وصوّت لمصلحة القرار 229 نائباً النصاب 226، مما يعني ان نواباً من كتل الوسط المؤيدة للكرملين أو من الكتل اليمينية اقترعوا لمصلحته. إلا ان مجلس الدوما الغى سفرة الى العراق كان مقرراً ان يقوم بها وفد برلماني برئاسة ديميتري روغوزين رئيس لجنة الشؤون الخارجية مطلع الشهر المقبل. ووصل الى موسكو امس الاربعاء مساعد وزير الخارجية الأميركي ريتشارد ارميتاج في زيارة تستغرق يومين لاجراء محادثات عن العراق وكوريا الشمالية. وفي لاهاي، أُفيد ان الشرطة أوقفت لساعات نحو مئة شخص خلال محاولة بضع مئات من الناشطين المناهضين للحرب على العراق دخول إحدى القواعد العسكرية الأميركية في هولندا. وكان المتظاهرون يقومون ب"خطوة رمزية" ل"التحقق من وجود اسلحة نووية اميركية" في هولندا على غرار عمليات التفتيش عن اسلحة الدمار في العراق. وبدا ان الاحزاب السياسية في هولندا انقسمت في موقفها من الأزمة العراقية. إذ عبّرت الأحزاب الكبرى، خصوصاً "المسيحي الديموقراطي" و"الليبرالي"، عن دعم تام للموقف الأميركي، في حين وقفت الأحزاب الأخرى على مسافات متفاوتة منه. وفي ملتان باكستان، ذكرت وكالة "رويترز" ان نحو 200 باكستاني تجمعوا في وسط المدينة للاحتجاج على هجوم اميركي محتمل ضد العراق. وفي صوفيا أ ف ب، تظاهر حوالى الف شخص من دون حوادث في وسط العاصمة البلغارية ضد تدخل عسكري محتمل ضد العراق.