جددت موسكو أمس تأكيد رفضها ضرب العراق ودعا الرئيس فلاديمير بوتين الى تسوية سياسية وتأمين عودة المفتشين باعتبارها "أهم قضايا الساعة"، فيما أكد مسؤول روسي كبير أن العمل العسكري الأميركي سيعني "هدم القانون الدولي المعاصر". وعلمت "الحياة" ان موسكو تنظر في أمر تقديم مشروع قرار مضاد للمشروع البريطاني - الأميركي المطروح أمام مجلس الأمن في شأن العراق. وأعرب وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دو فيلبان أمس عن رفض فرنسا مشروع القرار الأميركي الذي ينص على استخدام تلقائي للقوة العسكرية ضد العراق، وأكد مجدداً ضرورة العودة الى مجلس الأمن قبل اللجوء الى مثل هذا الخيار. وواجه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير معارضة قوية أمس، من أعضاء حزب العمال الحاكم لموقفه الموالي للولايات المتحدة في شأن العراق، لدى انعقاد المؤتمر السنوي للحزب في مدينة بلاكبول. قدم معارضو الحرب على العراق في حزب العمال البريطاني الحاكم أمس اقتراحاً الى المؤتمر السنوي للحزب يدعو الى "رفض العمل العسكري، وعدم تأييد التدخل العسكري في العراق". ولا يتوقع الموافقة على هذا الطلب الا انه يثبت وجهة نظر فصيل من اعضاء البرلمان من حزب العمال مستاء من مساندة رئيس الوزراء توني بلير للرئيس الاميركي جورج بوش وتكثيفه الضغوط على الرئيس العراقي صدام حسين. وصرح جورج غالواي، وهو احد هؤلاء الاعضاء، بأن "الوضع أصبح هو ان زعيم حزب العمال ينحاز الى اكثر الفصائل يمينية في الحزب الجمهوري في الولاياتالمتحدة". واقترع غالواي واكثر من 50 آخرين من اعضاء حزب العمال ضد بلير في جلسة طارئة عقدت في شأن العراق في البرلمان الاسبوع الماضي وساعدوا في تنظيم تجمع حاشد للسلام شارك فيه 150 الفاً في لندن. ويعتزم بلير التعرف على آراء منتقديه الا انه اوضح عشية المؤتمر الذي عقد انه لن يغير موقفه ابداً في شأن العراق. وقال: "أتمنى ان يتم اجباره صدام بالضغوط الدولية ولكن اذا لم يحدث هذا لا بد من ان نكون مستعدين كمجتمع دولي لاجباره بطريقة اخرى". وتظهر استطلاعات الرأي ان الغالبية في بريطانيا تعارض هجوماً تقوده الولاياتالمتحدة على العراق الا انهم سيؤيدون الهجوم اذا ما كان بتفويض من الاممالمتحدة. فرنسا ترفض توقيع "صك على بياض" ضد العراق وقال وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دو فيلبان في تصريحات نشرتها صحيفة "لوموند" الفرنسية أمس ان فرنسا ترفض "توقيع صك على بياض" باستخدام القوة العسكرية ضد العراق، و"أنها عازمة على تحمل مسؤوليتها حتى النهاية"، ما يجعلها غير قادرة على "القبول بقرار يجيز استخدام القوة منذ الآن ومن دون العودة الى مجلس الأمن". وأضاف ان بلاده "مدركة للخطر الذي يمثله العراق على صعيد الأمن الاقليمي والدولي"، ومدركة لضرورة مكافحة انتشار اسلحة الدمار الشامل. لكنه رأى انه في مواجهة هذا التحدي "يجب علينا المزج بين التشدد والتعقل، والتعبئة في مواجهة الارهاب التي برزت غداة 11 أيلول سبتمبر أثبتت فعاليتها". وقال ان فرنسا تشارك الولاياتالمتحدة في "إرادة حل الأزمة" العراقية التي تشكل تهديداً عاماً، لكنها "ترفض المخاطر المترتبة على تدخل لا يأخذ في الاعتبار كل متطلبات الأمن الجماعي". وأشار دو فيلبان الى أن الاهتمام الآن منصب على ما يجري في مجلس الأمن، وأن الاقتراح الذي تقدم به الرئيس الفرنسي جاك شيراك ينص على مرحلتين للحل، تهتم أولاهما بعودة المفتشين الى العراق والثانية تهتم بالاجراءات المناسبة إذا رفض العراق. ورأى ان هذا الاقتراح يصون وحدة الموقف الدولي. بوتين: عودة المفتشين مفتاح التسوية السياسية وشدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أن عودة المفتشين هي "القضية الأهم حالياً"، واعتبرها مفتاحاً لتسوية سياسية - ديبلوماسية. وأشار الى ان "كل القضايا المتعلقة بالعراق يجب أن تناقش في اطار مجلس الأمن"، في رفض واضح لأي عمل أميركي أحادي الجانب. وأدلى الرئيس الروسي بهذه التصريحات عند استقباله في الكرملين أمس رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون وقال انه مهتم بمناقشة الموضوع العراقي مع شارون. وأوضح ديبلوماسي رفيع المستوى ل"الحياة" ان الرئيس الروسي حاول اقناع شارون بالامتناع عن التورط في عملية عسكرية ضد العراق في حال وقوع هجوم. وأضاف الديبلوماسي ان بوتين "استبق بذلك محاولات شارون لاقناعه بتأييد المشاريع الأميركية ضد العراق". ومن جانبه قال وزير الخارجية ايغور ايفانوف ان شارون أعرب عن القلق بصدد احتمال وجود أسلحة فتاكة لدى العراق وأن بوتين أكد له ان عودة المفتشين ستوضح هل توجد "هذه الأسلحة أو لا توجد"، وأضاف ان الجانب الاسرائيلي "لم يقدم أي وثائق" تبرهن على وجود صلة بين بغداد ومسلحين فلسطينيين. وصعدت موسكو أمس انتقاداتها للغارات الاميركية والبريطانية، وأوضح بيان أصدرته وزارة الخارجية الروسية ان "مناطق حظر الطيران" في شمال العراق وجنوبه فرضت من دون الرجوع الى مجلس الأمن، واعتبر ان الغارات فيها "تفاقم الوضع المعقد أصلاً وتعرقل البحث عن تسوية سياسية". ولاحظت الوزارة ان الغارات الأخيرة تزامنت مع انعقاد محادثات فيينا الهادفة الى تأمين عودة المفتشين، والتي أعربت موسكو عن الأمل في أن تسفر عن اتفاق سريع لمباشرة العمل. ورفضت روسيا اقتراحاً اميركياً بإرجاء عودة المفتشين الى حين صدور قرار جديد من مجلس الأمن يتضمن فقرة تسمح باستخدام القوة ضد العراق. ونقلت وكالة "ايتار تاس" الحكومية عن مصدر مطلع قوله ان "المبعوثين الاميركي والبريطاني اللذين زارا موسكو السبت الماضي أخفقا في اقناع القيادة الروسية بالموافقة على مشروع القرار المقترح. وأكد ان موقف روسيا المعارض للقرار "لم يتغير". وقال ديبلوماسي رفيع المستوى ل"الحياة" ان موسكو تنظر في تقديم مشروع قرار مضاد الى مجلس الأمن، في محاولة تهدف الى تعطيل التصويت على المشروعين وتسمح بالتالي بتمرير الاقتراحات الاميركية. وتابع ان روسيا قد لا تضطر الى استخدام حق النقض الفيتو في حال التأكد من أن المشروع الأميركي - البريطاني لن يحصل على تأييد تسعة أعضاء وهو النصاب المطلوب لتمرير القرار في مجلس الأمن. شرودر وشيراك يناقشان قضية العراق في لقاء منفرد وأعلن في برلين أمس، ان المستشار الألماني غيرهارد شرودر سيجتمع غداً الأربعاء في باريس مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك في لقاء غير رسمي منفرد. وقال ناطق باسم الحكومة ان شرودر سيبحث مع شيراك في مواضيع دولية في مقدمها أزمة العراق بهدف تنسيق الموقف المشترك. ومعروف ان البلدين يتخذان موقفاً متماثلاً في رفض شن حرب على العراق ومن قضية اصدر قرار جديد في مجلس الأمن يتضمن شروطاً جديدة. وستكون هذه الزيارة الثانية للمستشار الألماني الى الخارج بعد الزيارة التي قام بها الاسبوع الماضي الى لندن إثر فوزه في الانتخابات النيابية العامة. ونفى شرودر وجود خلاف بين فرنساوالمانيا في شأن المسألة العراقية. وعلى هامش اجتماعات وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسيل قال وزير خارجية المانيا يوشكا فيشر ان رفض شن حرب على العراق أو المشاركة فيها أمر توافق عليه مع المستشار شرودر قبل الانتخابات، ولا يزال هذا التوافق سارياً بعد الانتخابات. وقال انه لا يرى ان حكومته معزولة في موقفها داخل الاتحاد الأوروبي مدللاً على وجود قلق عام لدى الحلفاء. وأضاف ان برلين "لم تحصل حتى الآن على معلومات تشير الى أن لبغداد اتصالات مع التنظيم الارهابي القاعدة"، كما انها "لم تحصل على أي شيء بعد يحمل العراق تبعات معينة". وكشف فيشر أن حكومته "تدقق الآن في معلومات في هذا الصدد وصلتها من الولاياتالمتحدة". ودعت رئيسة حزب الخضر المشارك في الائتلاف الحكومي كلاوديا روت حكومتها الى عدم دعم قرار يسمح بشن حرب على العراق بعدما انتخبت المانيا الجمعة الماضي عضوا في مجلس الأمن لمدة سنتين تبدآن مطلع العام المقبل. وقالت روت لصحيفة "فرانكفورتر الغماينه"، انها لا تستطيع تصور موافقة المانيا على قرار يسمح بالتدخل العسكري. المشروع الأميركي - البريطاني وفي بكين رويترز، قال مسؤول في السفارة البريطانية ان الصين تبحث في مسودة قرار للامم المتحدة يضع شروطا جديدة صارمة في ما يتعلق بالعراق في شأن نزع الاسلحة، وهو الامر الذي بحثه مبعوث بريطاني مع مسؤولين صينيين بارزين في بكين أمس. وأضاف المسؤول ان وليام ايرمان نائب وكيل وزارة الخارجية لشؤون الدفاع والامن تحدث في شأن العراق مع نائب وزير الخارجية الصيني وانج جوانج يا ومسؤولين كبار آخرين في زيارة تستغرق يومين الى العاصمة الصينية. وأضاف انه "اطلع كبار المسؤولين الصينيين على رأي بريطانيا في ما يتعلق بمشروع قرار حول العراق". وقالت الصين في وقت سابق أمس انها لم تطلع بعد على تفاصيل مشروع القرار ولم تعلق وزارة الخارجية على الفور على الاجتماع الذي جرى مع ايرمان. باكستان تعارض أي عمل احادي وفي اسلام اباد أ ف ب، اعلن وزير الخارجية الباكستاني انعام الحق أمس ان باكستان تعارض اي ضربة عسكرية احادية الجانب ضد العراق. واعتبر الوزير الباكستاني اثناء مؤتمر صحافي في اسلام اباد "ان باكستان تعتقد ان عملاً عسكرياً احادي الجانب سيخلق وضعاً قد يكون اشكالياً". واضاف ان الضربات المحتملة "ينبغي ان تكون تحت رعاية مجلس الأمن". وكانت باكستان احدى اكثر الدول دعماً لواشنطن في الحملة التي اتاحت الاطاحة بنظام "طالبان" في افغانستان.