أرجأ المبعوث الكيني الخاص رئيس لجنة وسطاء هيئة "السلطة الحكومية للتنمية" في شرق افريقيا ايغاد للسلام في السودان زيارته الى الخرطوم التي كانت مقررة الاسبوع الجاري الى وقت لم يحدد. وتضاربت المعلومات في شأن ارجاء الزيارة التي كان يتوقع ان يحدد خلالها موعد لمعاودة مفاوضات السلام التي علقتها الخرطوم احتجاجاً على استيلاء "الحركة الشعبية لتحرير السودان" بزعامة جون قرنق على مدينة توريت الاستراتيجية في جنوب السودان. ونقلت تقارير عن مصادر وثيقة الصلة ب"ايغاد" ان الوسيط الكيني الجنرال لازاوراس سيمبويو لن يزور الخرطوم حالياً، الا في حال توافر معطيات جديدة تشير الى تغيير في مواقف طرفي النزاع المعلنة منذ انفضاض جولة محادثات مشاكوس الثانية في أول الشهر، وذلك عقب تداعيات سقوط مدينة توريت، لكن معلومات اخرى ذكرت ان سيمبويو ارجأ زيارته بطلب من الخرطوم حتى تشرين الأول اكتوبر المقبل. لا تنازلات من الطرفين ونقل عن ديبلوماسيين في نيروبي على صلة بالملف السوداني انهم لمسوا تشدداً في اتصالات اجروها مع "الحركة الشعبية" لحضها على الاستجابة فوراً لمناشدة الرئيس الكيني دانيال آراب موي وقف الاعمال العدائية التي طرحها عشية بدء مفاوضات مشاكوس، ورأوا ان "الحركة" لا تزال مصرة على التمسك بموقفها الذي يدعو الى ان يكون وقف اطلاق النار نتيجة للاتفاق على التسوية السياسية الشاملة وليس مقدمة لها، واعتبرت المصادر نفسها ان تمسك "الحركة" بعدم تقديم أي تنازلات في شأن وقف النار يشير الى انها لا تتعرض لأي ضغوط من الوسطاء أو المراقبين الغربيين لدفعها في اتجاه اكثر مرونة، خصوصاً ان المحادثات التي كانت على وشك الوصول الى اتفاق نهائي تواجه الآن مصاعب حقيقية قد تؤدي الى اضاعة الفرصة المتوافرة للسلام في السودان. وذكرت صحيفة "الصحافي الدولي" امس ان التحركات النشطة للقائم بالأعمال الأميركي في الخرطوم جف ملنغتون ومساعده المبعوث البريطاني الى السلام في السودان، ومسؤولو المفوضية الأوروبية ولقاءاتهم المكثفة خلال الاسبوع الماضي مع أركان الدولة لم تسفر عن جديد في موقف الحكومة الرافض للعودة الى طاولة المفاوضات ما لم تتوافر ضمانات على أجواء مواتية للمحادثات ووقف الاعمال العدائية. وسطاء "ايغاد" وعلم ان رعاة المفاوضات الغربيين لم يقدموا أي افكار أو مبادرات جديدة واكتفوا بحض الخرطوم على معاودة التفاوض من دون التزامات قاطعة في شأن مطالبة الحكومة بوقف الاعمال العدائية اثناء المحادثات. لكن القائم بالاعمال السوداني في كمبالا سراج الدين حامد كشف امس ان الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني ابلغ مبعوث الرئيس عمر البشير الذي عقد معه لقاءين مطولين اقتراحات لمعاودة مفاوضات السلام، وعزمه على اجراء اتصالات مع زعيم "الحركة الشعبية" جون قرنق لتجاوز الواقع الراهن والسعي الى تقريب وجهات النظر بين طرفي النزاع. ورفض حامد كشف مضمون الاقتراحات التي ابلغها موسيفيني الى القيادي في الحزب الحاكم مهدي ابراهيم الذي سلمه رسالة من البشير تتعلق بموقف حكومته وقرارها تعليق مفاوضات السلام. "العصا والجزرة" الاميركية الى ذلك كشفت مصادر ديبلوماسية غربية في الخرطوم ان واشنطن تستخدم سياسة "العصا والجزرة" مع الحكومة السودانية، اذ ابلغت مسؤولين في الخارجية انها ستعمل على رفع اسم السودان من لائحتها للارهاب، وانهاء العقوبات الاقتصادية التي تفرضها عليها من جانب واحد والسعي الى الغاء كل الديون المستحقة على البلاد في حال معاودة المحادثات واقرار اتفاق سلام شامل، وفي حال لم تنفذ الخرطوم ذلك، فإنها ستواجه عقوبات سياسية واقتصادية وفتح كل الملفات السلبية، ورفع قضية الحرب في السودان الى مجلس الأمن اذا تطلب الأمر ذلك. واضافت المصادر نفسها ان الرئيس جورج بوش التقى مبعوثه الى السودان جون دانفورث عقب تعليق محادثات السلام، وأبلغه انه غير متشائم، وجدد التزامه مواصلة مساعيه. جمود في "ايغاد" ويرى مراقبون انه في ظل الجمود الراهن الذي تواجهه عملية السلام في السودان وعجز الوسطاء ورعاة المفاوضات في تحريك مواقف طرفي النزاع وتأجيل زيارة الوسيط الكيني الى الخرطوم الى أجل غير مسمى، فإن محادثات "ايغاد" مرشحة للدخول مجدداً في "حال سبات" لا يعرف كم تطول. ويرجح ان لا تعاود المفاوضات قبل شهرين ما لم تحدث مفاجأة سياسية أو عسكرية تعيد خلط الأوراق وتحرك الجمود الحالي.