فرانكفورت - رويترز - تخيم احتمالات قيام الولاياتالمتحدة بعمل عسكري للاطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين على اسواق المال التي لا تقوى على المراهنة على انتعاش اقتصادي قبل ان تتخذ واشنطن قرارها. فقد حملت الجهود الاميركية المكثفة لاقناع حلفائها بأن تغيير النظام في العراق ضروري المستثمرين على الاعتقاد بأن الهجوم بات حتمياً واصبح يشكل خطورة كبيرة على النمو الى ان يتضح مدى اثره في اسعار النفط. ولكن في الذكرى الاولى لهجمات 11 ايلول سبتمبر على نيويوركوواشنطن شجعت المقارنة بحرب الخليج السابقة الآمال في ان يؤدي كسب سريع للمعركة المقبلة الى بدء انتعاش الاقتصاد العالمي المتباطئ. ويقول المتفائلون ان اسعار النفط قد تنخفض اذا ما لجأت حكومة جديدة يتم تنصيبها في العراق للتوسع في البيع من احتياطاته لاعادة بناء الدولة. ويقول البعض ان السوق استوعبت بالفعل اثر الهجوم المحتمل. فبعد الغزو العراقي للكويت في الثاني من آب أغسطس عام 1990 ارتفع سعر برميل النفط الخام الى ذروته عند مستوى 40 دولاراً ثم انخفض فور بدء الهجوم البري بعدما رأى التجار ان بغداد لا يمكنها تعطيل امدادات النفط من الدول المجاورة. ودفع الحديث عن الحرب سعر النفط الى مستوى 30 دولاراً للبرميل، ترجع نحو خمسة دولارات من هذا الارتفاع للتهديدات بعمل عسكري اميركي. ويتوقع المتفائلون الذين يأملون في هزيمة سريعة لبغداد انتعاشاً سريع اً،لاسواق الاسهم ويشيرون الى الانتعاش الذي شهدته الاسواق بعد سقوط كابول في كانون الثاني يناير الماضي والى الانتعاش بعد تهديدات عالمية سابقة مثل ازمة الصواريخ الكوبية عام 1962. وقال غاري هوفبوير الخبير الاستراتيجي في معهد الاقتصادات الدولية في واشنطن: "النصر الكبير قد يرسم صورة رائعة اكثر تفاؤلاً للاقتصاد العالمي مع اعادة تشكيل الشرق الاوسط وتهدئة التوترات المتعلقة بالنفط وعزل ايران". وانخفض سعر النفط الى اقل من مستوى 20 دولاراً للبرميل بعد ان اخرجت القوات العراقية من الكويت وخرج الاقتصاد الاميركي الذي كان على شفا الركود من ازمته في آذار مارس عام 1991 لبدء مرحلة من الانتعاش المعتدل. لذلك فإن ما يمكن ان يحدث للنفط هذه المرة مهم في تقويم اتجاهات النمو واسواق المال. ويقول هوفبوير انه من الصعب للغاية كذلك التكهن برد فعل منتجين عرب آخرين للنفط على ضرب العراق على رغم ان الولاياتالمتحدة قد تستخدم احتياطاتها الاستراتيجية من النفط لمنع ارتفاع كبير في السعر. لكن الصراعات عادة ما تضر بالنمو وباسواق الاسهم وطرد القوات العراقية من الكويت بقوات قادتها الولاياتالمتحدة في كانون الثاني عام 1991 لم يكن سوى استثناء للقاعدة. ويقول المتشككون ان المسألة ليست ببساطة القول بان حرباً قصيرة ستكون عواقبها جيدة وحربا طويلة ستسفر عن عواقب أسوأ، وهم يرون ان الاقتصاد العالمي اكثر عرضة الان للتضرر من صراع طويل او ارتفاع كبير في اسعار النفط مما كان وقت حرب الخليج. فعلى سبيل المثال قد تخل عواقب الهجوم على العراق بالتوازن في مناطق اخرى في وقت لا يكون لدى صناع القرار فيه اي ذخيرة متبقية للتصدي لصدمات اخرى. وتتردد مثل هذه الاقوال كذلك بين الساسة الاوروبيين كمبرر للحذر، ووظفتها حكومة المستشار الالماني غيرهارد شرودر الذي حول الامر الى جزء مهم من حملته الانتخابية. وقال فينسينت كوين الاقتصادي البارز في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس: "هناك مخاطر تتعلق بالتداعيات ... فعلى سبيل المثال قد تضر صدمة الهجوم على العراق بالثقة بشكل عام وتدفع اي سوق ناشئة للخطر". واضاف: "في الوقت الراهن ما زال يبدو اننا نحبو خارجين من مرحلة التباطؤ ونتجنب انتكاسة ثانية. لكن الانتكاسة قد تكون نتيجة محتملة اذا ما تعرضنا لصدمة واحدة او اكثر". وتقدر المنظمة ان ارتفاع سعر برميل النفط بمقدار عشرة دولارات سيخفض معدل النمو في الولاياتالمتحدة ومنطقة اليورو بما بين 0.2 و0.3 في المئة، والعالم بحاجة لهذا النمو. كما ان تدهور اسواق الاسهم بسبب الفضائح المحاسبية في الولاياتالمتحدة والمخاوف من هجمة جديدة عليها تحد بالفعل من النمو هذه السنة. والنمو في اليابان متوقف بالمقارنة مع عامي 1990 و1991 عندما كان لا يزال يرتفع. والمانيا كذلك اصبحت اضعف بكثير مما كانت عليه وقت حرب الخليج عندما كانت ما زالت تشهد فترة ازدهار ما بعد سقوط سور برلين. واشار هوفبوير الى احتمالات متزايدة للتعرض لانتكاسة ركود ثان اذا ما طال أمد الصراع، قائلاً: "من الواضح ان عامل الهشاشة اقوى بكثير الآن". والتضخم الذي قد يثيره ارتفاع اسعار النفط سيخلق معضلة حقيقية للبنوك المركزية التي قد ترغب في خفض اسعار الفائدة مرة اخرى لبدء النمو والتي تنعم في الوقت الراهن بميزة المستويات المنخفضة للغاية لاسعار المستهلكين. ورفع اسعار الفائدة بدافع من زيادة معدلات التضخم سيضر بالولاياتالمتحدة وبريطانيا حيث دعمت ارخص كلفة للاقراض منذ حوالى ثلاثة عقود السوق العقارية التي حمت المستهلكين من انهيارات اسواق الاسهم. وقال كوين: "السياسات النقدية امامها مساحة اقل للمناورة في الولاياتالمتحدة بالمقارنة بعام مضى وكذلك الحال في اوروبا. لذلك ليس من الواضح كيف يمكن لصناع القرار بسهولة ان يعيدوا الاقتصاد العالمي الى طريق النمو". كما ان هناك الوضع الضعيف للمؤسسات المالية بعد خسائرها الكبيرة في اسواق الاسهم. فالبنوك اليابانية في حال اسوأ بكثير بالفعل مما كانت عليه قبل عشرة اعوام والانخفاض الحاد في اسعار اسهم جهات الاقراض الاوروبية يظهر ان المستثمرين يعتبرونها تضررت بشدة. لكن البنوك الاميركية بشكل عام اصبح لديها رؤوس اموال اكبر مما كانت عليه عام 1991. غير ان بنك التسويات الدولية الذي قال ان مستويات القروض المتعثرة اقل بكثير مما كانت عليه في اوائل التسعينات يرى دلائل على ازمة ائتمانية. وقد يمنع ذلك المقترضين من الاستفادة من انخفاض اسعار الفائدة، ما يعني ان تظل الاستثمارات محدودة. والسؤال التالي هو: من الذي سيتحمل كلفة العمل العسكري الذي سيكون له اثر مباشر في الموازنة الاميركية وعجزها المتضخم بالفعل؟ خلال حرب الخليج استمر الهجوم البري عشرة ايام فقط وقدرت كلفته بنحو 50 بليون دولار. وتحملت الكويت والسعودية النصيب الاكبر من الكلفة وشاركت اليابان والاتحاد الاوروبي فيها كذلك وغطت كل هذه المساهمات مجتمعة نحو 80 في المئة من الكلفة. لكن الافتقار إلى تحالف مماثل سيعني على الارجح ان تتحمل الموازنة الاميركية عبئاً أكبر خصوصاً إذا طال امد مهمة الاطاحة بصدام حسين. وبتقدير كلفة الانفاق العسكري بنحو بليون دولار يومياً وبافتراض استمرار الحملة نحو 90 يوماً فقد يدفع ذلك الفاتورة الى ما يقرب من مئة بليون دولار، اي نحو واحد في المئة من اجمالي الناتج المحلي الايركي. وقال هوفبوير: "من شبه المؤكد ان الحلفاء لن يدفعوا كثيراً... فاما ان تأتي الاموال من الموازنة الاميركية مباشرة او ان يتحمل العراق جزءاً منها".