رغم المطالب الحثيثة من جانب مؤسسات الأعمال الأمريكية والأوروبية والاسيوية بإنهاء حالة الترقب والحذر الحالية بشأن حرب الخليج المحتملة أكدت مؤسسات دولية أن الاقتصاد العالمى لن ينمو بصورة قوية بعد اتمام الغزو الامريكى المحتمل للعراق. وترى مؤسسات اقتصادية دولية أن حالة الترقب والحذر السائدة حاليا ليست وحدها المسئولة عن النمو الاقتصادى المتدنى. وقال رورى توبلن الخبير الاقتصادى بمؤسسة جى بى مورجان ان مؤسسات الأعمال الدولية تفضل انهاء حالة الترقب والحذر الحالية بشأن الحرب المتوقعة فى منطقة الخليج موضحا أن متخذى القرار بالدول الكبرى يفضلون القاء اللوم على حالة الترقب والحذر بشأن التباطؤ الاقتصادى الحالى. وأضاف رورى تابلن أن حالة الحذر والترقب الحالية بشأن الحرب المحتملة بالخليج تضع متخذى القرار بالدول الكبرى أمام صعوبات عديدة تتعلق بجانبين على قدر كبير من الاهمية.. الاولى تتعلق بحرية السياسيين فى الدول الكبرى بشأن الاجراءات الواجب اتباعها للتعامل مع ذلك الوضع المتوتر والثانية تتعلق بالإجراءات الاقتصادية الواجب اتباعها فى اعقاب الحرب المحتملة لتدعيم مؤشرات النمو العالمى. وأوضح الان بيتى الخبير الاقتصادى البريطانى أن الشركات الكبرى والمستثمرين يجمعون على أن ارتفاع أسعار النفط الى أكثر من 35 دولارا وحالة الترقب والحذر الحالية ليست من صنعهم وأنها نتاج التوتر السائد فى الخليج العربى والمخاوف من استمرار الحرب لمدة طويلة وارتفاع تكلفتها. وترى مؤسسات دولية ان ارتفاع أسعار النفط ليست السبب الرئيسى وراء التباطؤ الاقتصادى العالمى حيث يشير صندوق النقد الدولى الى أن ارتفاع اسعار النفط عن المعدلات الطبيعية بنحو 10 دولارات يخفض نمو الناتج المحلى الاجمالى بالولاياتالمتحدة بنحو 0.3% نقطة والنمو العالمى بنحو 0.5% نقطة فقط. وفى السياق نفسه قال وزير الخزانة الأمريكى جون سنو فى أعقاب اجتماعات مجموعة السبع الصناعية الكبرى ان الطلب الحالى على النفط بالدول الكبرى أقل بكثير من معدل الطلب الذى كان سائدا خلال حرب تحرير الكويت عام 1991. وأشار خبراء صندوق النقد الدولى الى أن ارتفاع أسعار النفط يمكن أن تؤثر بصورة ملحوظة على نمو الناتج المحلى الاجمالى بالدول الكبرى فى حالة تزامنه مع ارتفاع معدلى التضخم والفائدة لفترة طويلة. وأوضح الان بيتى أن مقولة أن الرئيس العراقى صدام حسين يقف بمفرده حجر عثرة أمام زيادة النمو العالمى يعتبر أمرا مبالغا فيه. وفى المقابل يرى افيناش بيرسود كبير الاقتصاديين بمؤسسة ستيت ستريت أن الاسواق تعكس تداعيات حالة القلق والترقب الحالية بشأن الحرب المحتملة بالخليج. وأوضح بيرسود الذى عمل خبيرا اقتصاديا فى العديد من المؤسسات الامريكية أن أسعار الأسهم بالبورصات الأمريكية والأوروبية تتأثر حاليا بتداعيات حالة الترقب والحذر الحالية حيث تتذبذب أسعار الأسهم صعودا وارتفاعا فى ضوء التصريحات التى يدلى بها المسئولون الأمريكيون وكبير مفتشى الأسلحة الدوليين هانز بليكس والتى تعكس التطورات على الساحة العراقية. وأكدت مؤسسات اقتصادية أمريكية أن المخاوف من اندلاع الحرب بمنطقة الخليج وارتفاع أسعار النفط بالاسواق الدولية أدى الى انخفاض معدلات الانفاق والاستهلاك فى فبراير الماضي حيث ارهقت أسعار الطاقة المرتفعة ميزانية المستهلكين الامريكيين خلال الشتاء الحالى. وقال عدد من رؤساء الشركات الاميركية الكبرى ان الحرب السريعة سوف تضر بالاستثمارات العالمية على المدى القصير.. مشيرين الى أن الاستثمارات قصيرة المدى تأثرت بشدة نتيجة الوضع المتوتر بالمنطقة وانقسام الدول الكبرى الى فريق مؤيد لضرب العراق واخر معارض لها. وأوضح ممثلو 180 شركة من الشركات متعددة الجنسيات خلال اجتماع عقد الاسبوع الماضى فى فلوريدا ان نجاح الولاياتالمتحدة فى استصدار قرار من مجلس الأمن يخول لها استخدام القوة ضد العراق نتيجة عدم اذعانه لقرار مجلس الامن الدولى سوف يسهم فى اعادة الاستقرار لبيئة الاعمال بالولاياتالمتحدة والعالم. وأكد ممثلو الشركات الاميركية ان استمرار حالة الترقب الحالية دون تحديد موقف واضح تجاه الحرب سوف يقوض مؤشرات النمو المتوقع فى النصف الثانى من عام 2003. ومن جانبه قال أيان ماكافرى كبير الخبراء الاقتصاديين باتحاد الصناعات البريطانية ان عددا كبيرا من الشركات البريطانية اضطرت الى تأجيل القرارات الحيوية المتعلقة بزيادة الاستثمارات ورأس المال بسبب تداعيات الحرب المحتملة.. مشيرا الى أن حالة الترقب والحذر الحالية أدت الى تدهور بيئة الأعمال. وتخشى الشركات الألمانية والفرنسية من تراجع مبيعاتهم بالسوق الأمريكى نتيجة الخلاف الحالى بين الدولتين من جهة والولاياتالمتحدة من جهة أخرى. واضطرت الشركات الألمانية الى زيادة انفاقها الاعلانى بوسائل الأعلام الأمريكية للحفاظ على معدلات المبيعات بالسوق الأمريكى فى ظل التباين الحالى فى موقف برلينوواشنطن تجاه حرب العراق. مؤشرات اقتصادية وبات من الواضح ان اخبار وتطورات الحرب المقبلة على العراق تتحكم بمفاتيح الاقتصاد العالمى بصفة عامة والاقتصاد الالمانى بصفة خاصة. فمؤشر الداكس فقد ما يقرب من 15% من قيمته، فيما خسر مؤشر داو جونز حوالى 10% من قيمته منذ استصدار القرار 1441 فى مجلس الامن وفى تناغم واضح بين الازمة العراقية والاسواق المالية العالمية ارتفع مؤشر داو جونز بمقدار مئة نقطة فورا حين طالب كبير المفتشين الدوليين هانز بليكس فى تقريره امام مجلس الامن الاسبوع الماضى بإتاحة الفرصة لمزيد من عمليات التفتيش واستبعاد الحل العسكرى حاليا. ومنذ تصاعد التوتر بسبب الازمة العراقية فى نوفمبر الماضى وحتى الان ارتفع سعر برميل النفط بحوالى 40% من قيمته وقفز الى مستوى 36 دولارا للبرميل، وهو اقصى ارتفاع له منذ عامين ونصف. ولا يخفى أن سعر النفط هو اعتبار مهم فى عمليات صنع القرار الاقتصادى فى كل البلدان الصناعية وكذلك فى مستوى نمو الاقتصاد العالمى. ولأن ألمانيا الدولة الصناعية الكبرى، تستورد كل احتياجاتها من النفط ولا يوجد فى اراضيها أية احتياطات منه، فانها تعتبر التطورات فى العراق ذات أهمية فائقة لاقتصادها وبالتالى لسياستها. على هذه الخلفية يمكن تفسير الانخراط المتزايد للسياسة الالمانية فى موضوع الازمة العراقية على الصعيد الدولى حفاظا على مصالحها الاقتصادية والوطنية فى المقام الأول وليس انحيازا للعراق أو ضد الولاياتالمتحدةالامريكية كما قد يتصور البعض. سيناريوهات فى ألمانيا انقسمت البنوك ومؤسسات الابحاث الاقتصادية على ترجيح أحد سيناريوهين للحرب، بعد أن اختلطت محددات الاقتصاد بالسياسة والاستراتيجية: السيناريو الأول يفترض أن العمليات العسكرية ضد العراق ستكون أشبه بعملية جراحية سريعة تنتهى باطاحة نظام الرئيس صدام حسين بعد التمهيد لذلك بقصف مكثف من الجو وقطع الاتصالات بين قطاعات القوات العراقية المختلفة باستخدام التكنولوجيا المتقدمة والقاذفات المتطورة.. وبعدها تستطيع واشنطن تنصيب حكومة موالية لها فى بغداد تسمح للادارة الاميركية بالتحكم فى منابع النفط العراقية. أما السيناريو الثانى فينطلق من فرضية أن القوات العراقية ستتمكن من الصمود لأسابيع أمام الضربات الجوية وتدخل فى مواجهات برية وحرب مدن تكلف الولاياتالمتحدة مصاريف كبيرة وتطيل بالتالى أمد الحرب. وحسب صحيفة دي فيلت الألمانية واسعة الانتشار فان تكاليف الحرب فى حالة السيناريو الاول بحوالى 60 مليار دولار، وأن سعر برميل النفط سيستقر بسرعة عند مستوى 20 دولارا للبرميل، الامر الذى يعزز بالمحصلة من استقرار الاسواق المالية العالمية. واعتبر محللون اقتصاديون أن الحرب السريعة ستدفع الاقتصاد العالمى الى امام وبشكل يجعل الاثار الايجابية واضحة فى الربع الثانى من العام الحالى، بسبب ان الحذر والترقب السائدين حاليا لدى المستثمرين العالميين سيختفيان لمصلحة زيادة الاستثمارات العالمية. ولكن بعض المحللين الاقتصاديين يرون الامور بشكل مغاير ويتوقعون ان تستمر العمليات العسكرية لفترة طويلة.. فاستاذ الاقتصاد بجامعة ييل الاميركية ويليام نوردهاوس مثلا، يرى ان الحرب ستطول لفترة تتجاوز عدة اسابيع وان سعر برميل النفط، تبعا لذلك سيقفز الى مستوى 80 دولارا للبرميل فى حال تعرضت الابار فى المنطقة للخسائر وتمت اعاقة حركة الملاحة فى الخليج. أما مدير صندوق النقد الدولى الألمانى هورست كولر فقد رفض الانحياز الى اى من الفريقين ورهن التكاليف المقدرة للحرب بطول مدتها.. وشدد على اعتقاده بأن الحرب المرتقبة على العراق لن تؤدى على الارجح الى احداث ركود بالاقتصاد العالمى. وحسب تقديرات كوميرتس بنك الالمانى فان سعر برميل النفط سيبلغ حوالى 45 دولارا بعد بدء العمليات العسكرية مباشرة . وأرجع كوميرتس بنك تقديراته الى عوامل متداخلة اهمها عدم قدرة الدول الاعضاء بالاوبك على تعويض الامدادات النفطية العراقية فى حالة وقوع الحرب.. ومرد ذلك ان ما تقوم به بعض الدول الاعضاء بالمنظمة بتعويض النقص فى الامدادات الفنزويلية بسبب الاضطرابات هناك.. الامر الذى يجعلها غير قادرة على سد فجوة النقص فى المعروض من النفط العراقى والفنزويلى فى وقت واحد. وتتوقع تقديرات دويتشه بنك اكبر البنوك الالمانية ان تبدأ الحرب خلال فترة زمنية تقع ما بين أواخر شهر فبراير الحالى واوائل شهر مارس المقبل.. وتبنى البنك فرضية ان الحرب ستكون قصيرة . من ناحيته توقع بنك هيبو فيراينز الالمانى ان تلقى الحرب بظلال قاتمة على الاقتصاد الالمانى وان تستمر تداعياتها السلبية لمدة سنتين مقبلتين على الاقل.. وطبقا لبيانات مركز الابحاث التابع للبنك ستشهد الميزانية الالمانية عجزا يقدر بحوالى 5% من الناتج المحلى الاجمالى فى العامين المقبلين.