تعاني أسواق الأسهم الإقليمية من حال عدم استقرار في ظل القلق السائد في المنطقة في شأن توقيت الحرب على العراق والفترة التي ستستغرقها ورد فعل النظام العراقي اليائس ما قد يزيد من عوامل عدم اليقين. ومما لا شك فيه ان الهجوم المحتمل على العراق سيكون له تأثير سلبي على توقعات النمو الدولية وسوق النفط والأوضاع الاقتصادية في المنطقة كما أن التغيير المستهدف للنظام العراقي قد يتطلب استخدام قوة كبيرة وربما يستغرق فترة أطول من حرب الخليج السابقة. وستكون الدول العربية التي لها علاقات تجارية قوية مع العراق من أكثر الخاسرين اقتصادياً في حين ستكون شركات النفط الأميركية الطامعة لاستغلال احتياط النفط العراقي الأكثر استفادة. قدرت دراسة لجنة الموازنة في الكونغرس الكلفة الكلية للحرب الجديدة على العراق بنحو 100 بليون دولار إذا ما تمت خلال فترة قصيرة نسبياً. ففي الحرب التي قادتها أميركا لتحرير الكويت عام 1991، ساهمت دول الخليج بنسبة 80 في المئة من كلفة الحرب الكلية التي بلغت نحو 80 بليون دولار، لكن هذه المرة ستتحمل اميركا الكلفة وحدها. وقد يؤدي ارتفاع عجز الموازنة والقروض الإضافية المطلوبة إلى زيادة في معدلات الفائدة على الدولار، في الوقت الذي تتطلب فيه الأسواق المالية والوضع الحرج للاقتصاد الأميركي أسعار فائدة منخفضة. وإذا ما أخذنا في الاعتبار التكاليف الأخرى للحرب مثل المساعدات الإنسانية للاجئين، وتكاليف إعادة البناء ومتطلبات العون الأجنبي المُحفز لدول أخرى للمشاركة في العمليات العسكرية بالإضافة إلى فاتورة الفوائد المرتبطة بالدين المتزايد لتمويل هذه النفقات، عندها قد تتجاوز الكلفة الكلية للحرب على العراق مستوى 150 بليون دولار. ويتوقع كثير من المحللين أن تكون الضربة العسكرية على العراق سريعة لا تتجاوز بضعة شهور لتنتهي بتغيير نظام الحكم في بغداد ... وإذا ما تحقق مثل هذا السيناريو سيكون له تأثير محدود على أسعار النفط. وحتى الآن سجلت هذه الأسعار ارتفاعاً بنسبة 45 في المئة منذ أوائل السنة تحسباً لوقوع الحرب على العراق ليصل سعر برميل خام "برنت" إلى 28 دولاراً. وكما حدث في حرب الخليج عام 1991 من غير المستبعد أن ترتفع الأسعار إلى نحو 35 دولاراً للبرميل مع بداية الهجوم العسكري لكن سرعان ما ستتراجع هذه الأسعار إلى 20 دولاراً إذا كانت الحرب سريعة وحاسمة مثلما حدث قبل 11 عاماً. وفي حال تغيير نظام الحكم في العراق هناك احتمال قوي لرفع الحظر الاقتصادي القائم منذ عام 1991 ما سيسمح للدولة بالعودة إلى وضعها السابق في إنتاج النفط. وخلال بضع سنوات، سيتمكن العراق تدريجاً من زيادة طاقته الإنتاجية لترتفع إلى 3.5 مليون برميل يومياً ثم العودة إلى المستويات السابقة أو ما يقارب 6 ملايين برميل يومياً. وزيادة الإنتاج هذه ستؤدي إلى انخفاض في أسعار النفط في الشهور والسنوات المقبلة إذ من غير المتوقع أن تقبل المملكة العربية السعودية والدول الأخرى الأعضاء في "أوبك" بخفض إنتاجها لفسح المجال أمام الصادرات العراقية الإضافية لدخول سوق النفط. وأشار تقرير الطاقة الوطنية للولايات المتحدة لعام 2001 إلى ان العراقوروسيا هما الدولتان الوحيدتان اللتان تستطيعان تغطية احتياجات أميركا النفطية التي تُقدر بنحو 20 مليون برميل يومياً منها 9.5 مليون برميل يتم استيرادها من الخارج. وزيادة اعتماد الولاياتالمتحدة على النفط العراقي والروسي ستُضعف من قدرة "أوبك" في السيطرة على أسعار النفط وستشعر واشنطن عندئذ أنها في وضع تستطيع فيه ممارسة الضغط على المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى للقيام بالإصلاحات السياسية والاقتصادية المطلوبة. كما أن تغيير النظام العراقي سيفتح المجال أمام شركات النفط الأميركية للاستفادة من الاحتياطات النفطية الهائلة هناك ما سيوفر للولايات المتحدة مصدر نفط اكثر أمناً وبأسعار أقل بكثير عن مستوياتها الحالية. وبالنسبة لدول الخليج سيؤدي انخفاض أسعار النفط في الشهور والسنوات المقبلة إلى تراجع في عوائد النفط وعودة العجوزات في الموازين الداخلية والخارجية في وقت تواجه فيه هذه الدول تحديات اقتصادية عدة منها ضرورة تأمين عدد كبير من فرص العمل الجديدة للتغلب على مشكلة البطالة القائمة واستيعاب الأعداد المتزايدة من الداخلين الجدد إلى سوق العمل، وكذلك تأمين التمويل الضروري للجيل الجديد من مشاريع التنمية المخططة في مجال البنية التحتية الأساسية والتطوير الصناعي وغير ذلك، والتي من المقرر أن تصل كلفتها إلى مئات بلايين الدولارات. وستؤثر هذه الحرب سلباً في دول المنطقة التي لها علاقات تجارية مزدهرة مع بغداد مثل الأردن ومصر وسورية وبشكل أقل في دول مثل لبنان والإمارات العربية وتركيا، إذ أن السوق العراقية أصبحت أهم سوق لصادرات هذه الدول ولدى معظمها اتفاقات وبروتوكولات تجارية مع بغداد. واذا ما تم رفع الحظر وسمح للعراق بالتجارة بشكل حر مع دول العالم قد تتغير طبيعة علاقاته التجارية وسيعود كما كان في السابق سوقاً مفتوحة على الأسواق الدولية. وستقوم بغداد بتأسيس علاقات تجارية جديدة تستند الى المصالح الاقتصادية بدلاً من السياسية. وبناء عليه يتوقع أن تنخفض واردات العراق من مصر وسورية إذ أن جودة الكثير من الصادرات إلى السوق العراقية متدنية مقارنة مع ما قد يستطيع أن يحصل عليه العراق من دول أخرى. فقد تجاوزت حركة التجارة بين سورية والعراق بليوني دولار العام الماضي، وهناك من يزعم بأن سورية تستورد نحو 150 ألف برميل يومياً من النفط العراقي بأسعار مخفضة خارج برنامج "النفط مقابل الغذاء" الذي تشرف عليه الأممالمتحدة. وتحتل مصر موقع الصدارة كأكبر مصدر للعراق بعد روسيا بصادرات يتوقع أن تصل السنة الجارية إلى 2.8 بليون دولار بعدما كانت في حدود 1.7 بليون دولار عام 2001. وفقدان مصر للسوق العراقية سيكون ضربة كبيرة لاقتصادها الذي لم يتجاوز بعد الآثار المدمرة التي لحقت به جراء هجمات 11 أيلول على الولاياتالمتحدة. ويعتمد الأردن بشكل رئيسي على العراق لتأمين احتياجاته النفطية بأسعار مخفضة. وبموجب استثناء خاص من الأممالمتحدة يحصل الأردن على نحو 45 مليون برميل من النفط العراقي سنوياً قيمتها نحو 800 مليون دولار، نصفها يقدمها العراق مجاناً والنصف الآخر بسعر تفضيلي في حدود 19 دولاراً للبرميل. والسوق العراقية هي المستورد الأكبر للمنتجات الأردنية تتبعها الولاياتالمتحدة. ويخشى الأردن من أن تؤثر العمليات العسكرية على العراق في تدفق الصادرات الأردنية إلى بغداد التي ارتفعت بنسبة 1.5 في المئة أي ما يعادل 181.3 مليون دولار في حزيران يونيو 2002، وهي تساوي 19 في المئة من مجمل الصادرات الأردنية التي تُقدر ب970 مليون دولار. وتشكل الأدوية والمنتجات الغذائية والتبغ والاسمنت والفوسفات أهم الصادرات الأردنية إلى العراق. كما أن أي هجوم أميركي على بغداد سيؤدي إلى عرقلة تدفق النفط العراقي إلى المملكة التي يصلها عن طريق الشاحنات، وهذا بدوره سيؤثر ولو مرحلياً على عدد من القطاعات الاقتصادية والبنية التحتية للمملكة. ومع أن الأردن سيعاني على المدى القصير، لكنه على المدى المتوسط والبعيد سيكون هناك نوع من الاستقرار وستعود العلاقات الاقتصادية بين الأردنوالعراق إلى الازدهار، تحفزها عوامل الجوار والخبرة السابقة بين قطاعي الأعمال في كلا البلدين ووجود قنوات تقليدية للتبادل لا بد من أن تستعيد نشاطها بسرعة بعد أن تنتهي الأعمال الحربية. والقطاع السياحي العربي الذي بدأ بالانتعاش من جديد بعد الركود الحاد الذي عرفه في أعقاب أحداث 11 أيلول الماضي سيواجه نكسة جديدة من جراء أي ضربة عسكرية ضد العراق وما ستخلفه من مخاوف أمنية في المنطقة بأسرها. والمقلق في هذا الشأن أنه إذا ما حدثت هذه الضربة في الشهور القليلة المقبلة كما تتوقع بعض المصادر فإنها ستتزامن مع بدء موسم السياحة الشتوية إلى مصر والأردن ودول شمال أفريقيا. كذلك ستتأثر الدول العربية غير المنتجة للنفط بالتراجع المتوقع للنمو الاقتصادي في دول الخليج من حيث تقلص فرص العمل لأبناء هذه الدول وكذلك المساعدات الخليجية لها وتدفق الاستثمارات إليها. وستتأثر أسواق الأسهم في المنطقة أيضاً جراء الهجوم المحتمل على العراق، فالتهديدات بنشوب حرب انعكست سلباً على أسواق الأسهم العربية في الربع الثالث من السنة، وكان أسوأها أداءً أسواق أسهم فلسطينولبنان والمغرب وتونس ومصر. أما أسواق أسهم دول مجلس التعاون الخليجي والأردن، التي سجلت أداءً جيداً في النصف الأول من السنة، فقد تراجعت في الربع الثالث لكن بقي معظمها ضمن المستويات الموجبة. ومع ازدياد موجة القلق وعدم الاستقرار في المنطقة من المحتمل أن تسجل أسواق الأسهم العربية المزيد من التراجع. غير أن هذه الأسواق قد تشهد انتعاشاً قوياً مع بداية الهجوم على العراق، إذا ما اتضح أن الحرب لن تدوم طويلاً وستؤدي إلى قيام نظام جديد ومستقر في العراق. وقد يحقق المستثمرون الذين لديهم قروض عراقية عديمة القيمة حالياً أرباحا كبيرة إذا ما تغير النظام في العراق، تماماً كما حدث في يوغوسلافيا بعد عزل الرئيس ميلوشيفيتش عن الحكم. ويُقدر البنك الدولي ديون العراق الخارجية بنحو 126 بليون دولار، منها 47 بليون دولار فوائد مستحقة، وهذه القروض التي تراوح قيمتها حالياً بين 8 و10 سنت لكل دولار قد ترتفع لتصل إلى 40 سنتاً أو أكثر في حال قيام نظام جديد في العراق قريب من أميركا. وعندما حددت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في يوغوسلافيا ارتفعت قيمة الديون من نحو 8 سنت لكل دولار لتصل إلى 42 سنتاً الآن. وفي الحقيقة يعتبر الوضع الائتماني للعراق أفضل مما كان عليه الوضع ليوغوسلافيا لأن بغداد لديها ثاني أكبر احتياط للنفط في العالم وهناك عدد كبير من الأصول المجمدة للعراق في الخارج. * الرئيس التنفيذي جوردانفست.