يعرض رئيس الوزراء السوداني السابق زعيم حزب الامة المعارض السيد الصادق المهدي في هذا المقال تصوره للتطورات والوقائع التي باتت تمهد للسلام في السودان والقواسم المشتركة التي برزت بين الاطراف السودانية والاجنبية المعنية، معتبرا أن الفرصة مواتية للتوصل الى اتفاق سلام في المفاوضات الجارية حاليا في كينيا. ويصف هذه الفرصة بأنها "سانحة تاريخية فريدة متاحة اليوم". ويناقش المهدي اسباب فشل كل الجهود والمبادرات السابقة في التوصل الى حل سياسي للمشكلة السودانية، ويتقدم المهدي بمقترحات عدة لتطوير التسوية المطروحة حاليا ويطالب بان تشارك كل القوى السياسية السودانية والدولية المعنية في صناعة العملية السلمية والالتزام بضمان نجاحها. ضاق أهل السودان ذرعاً بهذه الحرب التي أكلت الأخضر واليابس وكان أبلغ تعبير عن العزوف عن الحرب في الشمال تخلي الشباب السوداني عنها نفوراً بلغ مداه، وفي الجنوب ما وصفها به مبشرو كمبوني بأنها لم تعد حرب تحرير أو دفاع عن حقوق الإنسان أو دفاع عن حرياته الدينية وطالبوا بوقفها فوراً. وصار واضحاً أن إنهاء الحرب بنصر عسكري لأحد طرفيها مستحيل. واستفادت المقاومة الجنوبية من سياسات النظام واستقطبت قاعدة شعبية عريضة من المتظلمين، تدعمها تحالفات أفريقية عريضة، ومنظمات دولية دينية وإنسانية، ودول غربية. هذا التحالف العريض كان مصمماً على أن لا يترك هذه المقاومة تهزم عسكرياً. وفي المقابل فإن المقاومة المسلحة لن تستطيع هزيمة الدولة السودانية عسكرياً لأن الخطر على الدولة السودانية سيوحد الشمال، وتدعمه قوى اقليمية ودولية كبيرة. وهكذا تحولت الحرب الأهلية الى حرب استنزاف متبادل ومساجلات حربية غير حاسمة فأدركت القوى الحية في الجانبين استحالة بلوغ النصر العسكري. ومهد للسلام ايضاً بروز قواسم مشتركة، إذ أن سنوات الحرب وما صحبها من إهدار للدماء وضياع للأموال وتدمير للبنيات الاجتماعية والتحتية لم تمض من دون أن تحرك حوارات فكرية وسياسية أوجدت قواسم مشتركة في أهم القضايا التي فرقت كلمة السودانيين، وأهمها: - أن التأصيل الديني والثقافي تطلع مشروع ولكن لا يمكن فرضه باجتهاد حزبي على الآخرين. - ان التوجه الإسلامي يستجيب لأشواق كثير من المسلمين ولكن لا يمكن فرضه على المسلمين الآخرين برؤية حزبية ولا يمكن فرضه على غير المسلمين من المواطنين. - أن عقد المواطنة وليس عقد الذمة هو أساس الحقوق والواجبات الدستورية في بلادنا. - استحالة الأحادية في حكم البلاد، بل الحزب الحاكم ذاته لم يستطع أن يفرض الأحادية في داخله فتعرض لانشقاق تلته انشقاقات فالتعددية السياسية من داخل الأحادية الحاكمة. إن الرأي الآخر فرض نفسه على الساحة الفكرية والسياسية فتراجعت الشمولية وحلت محلها التعددية. - إن وحدة البلاد تطلع مشروع ولكن إزاء تجربة الحرب المرة يجب إقامتها على الوحدة الطوعية عبر استفتاء حر. هذه المفاهيم أثمرت أدباً سياسياً سلامياً وكونت رصائد للوفاق الوطني. لكن على رغم ظهور هذه المفاهيم في الساحة السياسية السودانية، وقبول النظام أكثرها، فإن حاجزاً نفسياً حال دون الحوار بين طرفي النزاع في السودان. وكسر حزب الأمة هذا الحاجز النفسي بانحيازه للحل السياسي الشامل المتفاوض عليه. واتخذ طريقاً غير مسبوق بالحوار الجاد مع النظام من دون الانخراط فيه ما أعطى شرعية للرأي الآخر من داخل البلاد. ومن منطلق الرأي الآخر مارس التواصل مع كل الأطراف في الحكم والمعارضة وكذلك الأطراف الخارجية ما خلق مناخاً سياسياً جديداً تجاوز الاستقطاب الحاد وخلق لغة سياسية مشتركة. واستطاع حزب الأمة أن يدعو الى ثلاث قضايا ذات أهمية خاصة هي: قضية الدين والدولة من منظور صحوى إسلامي رفضه غلاة الإسلاميين وغلاة العلمانيين، وقضية إقرار مبدأ تقرير المصير مع إعطاء أولوية للوحدة، وقضية التمييز بين التدويل الحميد والتدويل الخبيث والترحيب بالحميد مساعداً لأهل السودان. وكان للنظام دور في بناء المناخ المشار إليه لأنه غير أجندته الأيديولوجية الإقصائية بصورة واضحة، ولأنه صمد في وجه الاحتواء فأجبر السياسة الأميركية على البحث عن سياسة بديلة، ولأنه أقنع الولاياتالمتحدة بمرونته بعد أحداث 11/9/2001، ولأنه نجح في استخراج النفط السوداني. هذا العامل زاد من حرص النظام على السعي للسلام لأنه - ضمن مقاصد أخرى - يؤمن انسياب النفط، وحفز المقاومة المسلحة للتطلع لنصيب من عائدات النفط. فالموقف النفطي السوداني الواعد بأكثر مما هو مرئي حتى الآن ساهم مساهمة إيجابية في الدفع نحو السلام. وساهم التغيير في الموقف الإقليمي ايضا في التمهيد للسلام، اذ كان موقف افريقيا جنوب الصحراء عامة يساند موقف المقاومة الجنوبية مساندة بلغت أوجها في عهد الإنقاذ الذي حاول فرض هوية على السودان برؤية حزبية ضيقة. ولكن صارت أفريقيا جنوب الصحراء تسمع أصواتا شمالية تقر بحقوق الجنوب وتطالب بتحقيق السلام على أساسها. وتحول الموقف الأوروبي الذي كان منحازا ضد النظام السوداني أثناء فترة توجهات النظام الأيديولوجية المتشددة، ودخل الاتحاد الأوروبي في حوار بناء مع النظام ساهم في دعم المناخ التطبيعي الجديد. أما الموقف الأميركي فحدث فيه تحول كبير من سياسة احتواء النظام السوداني وعزله ودعم معارضيه إلي دعم مشروع السلام في السودان. وبدا واضحاً منذ أواخر فترة حكم الرئيس الأميركي بيل كيلنتون أن سياسة العزل والاحتواء أخفقت ولم تحقق أهدافها. وساهمت سياسات النظام السوداني الجهادية والاقصائية في تشكيل حلقات ضغط لوبيات معادية للنظام السوداني وداعمة للمقاومة المسلحة، مما جعل القضية السودانية شأناً داخلياً في السياسة الأميركية لا يجوز معه إغفال الشأن السوداني. وأبدى النظام السوداني خصوصاً بعد أحداث 11/9/2001 اهتماماً خاصاً بالابتعاد بنفسه عن حركات الغلو الإسلامي، ودرجة عالية من المرونة في التعامل مع الهموم الأميركية. فنشأ إدراك أميركي بأن النظام السوداني حريص على إرضاء الإدارة الأميركية وأن الطرف الآخر في النزاع المسلح "الجيش الشعبي" يثق في الولاياتالمتحدة، ما يتيح لأميركا أن تحقق نجاحاً في إنهاء الأزمة السودانية لا يتاح مثله في إنهاء الأزمات الأخرى في المناطق المجاورة مثل أزمة الشرق الأوسط وأزمات الخليج، وغيرها. ونجح النظام السوداني في استخراج النفط وأدخل شركات من بلدان تعتبر منافساً استراتيجياً للولايات المتحدة مثل الصين فأدى ذلك الى اهتمام شركات أميركية باقتحام صناعة النفط السودانية. وأقدمت مجموعات كثيرة جادة على جمع مجموعات من السودانيين والعلماء والخبراء فكونوا أدبا نيراً ومفيداً لبناء صرح السلام. هذه العوامل الثمانية خلقت مناخاً غير مسبوق لصالح السلام في السودان. آليات التوسط كان النظام الديموقراطي، والحركة الشعبية على وشك عقد مؤتمر قومي دستوري في 18/9/1989م لبحث قضايا الخلاف وحسمها، لكن انقلاب 30/6/1989 حال دون ذلك، وأدت الشعارات التي رفعها الى تعميق النزاع وإعطائه بعداً دينياً. لذلك كانت محادثات السلام بين الطرفين بواسطة الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر أو بواسطة الرئيس النيجيري السابق إبراهيم بابانغيدا حوارات طرشان لا تحقق أي خطوة الى أمام. وفي العام 1994 قدمت مبادرة "ايغاد" وأدخلت عنصرين جديدين هما: إعلان ستة مبادئ تطالب بسودان ديموقراطي علماني موحد أو إذا استحال ذلك حق تقرير المصير للجنوب، وإشراك عدد كبير من الدول في متابعة عملية السلام في السودان باسم "أصدقاء إيغاد" ثم "منبر شركاء إيغاد". وقعد بهذه المبادرة منذ البداية رفض الحكومة السودانية التوقيع على إعلان المبادئ الستة، فلم توقع عليها إلا عام 1997. وقعدت بالمبادرة عيوب أخرى هي: تبسيط الخيار بين سودان موحد علماني ديموقراطي أو تقرير المصير في إطار معناه الانفصال، وحصر التوسط بين الحكومة والحركة الشعبية واستبعاد أطراف النزاع الأخرى، وتغييب جيران السودان في الشمال الأفريقي، وانقسام دول المبادرة على بعضها الآخر وعدم قدرتها على ممارسة نفوذ فعال على طرفي النزاع. ومنذ العام 1997م أشار حزبنا الى عيوب مبادرة "ايغاد" وطالب بمراجعتها وتوسيعها من دون جدوى. وفي آب أغسطس 1999 قدمت الجماهيرية الليبية مشروع مبادرة وقعت عليه كافة أطراف النزاع في السودان وتجاوبت معه مصر فاشتركت مع ليبيا في تقديم المبادرة المشتركة. وحققت المبادرة المشتركة تقدماً في شكل إعلان طرابلس في الأول من آب أغسطس 1999، ومذكرة النقاط التسع في حزيران يونيو 2001 ثم راوحت مكانها وقعدت بها عوامل عدة هي: إسقاط حق تقرير المصير الذي باعد بينها وبين كافة القوس السياسية الجنوبية، وغياب جيران السودان في القرن الأفريقي الذي افقدها التوازن، وقعد بحركتها عدم وجود آلية تحركها كمفوض وسكرتاريا وصندوق مالي. ومهما كانت عيوب المبادرة المشتركة فإن حركتها نفخت الروح في مبادرة "ايغاد"، فنشط شركاء "ايغاد" لإحيائها. وكان التنشيط الأهم ل "إيغاد" هو الذي تحقق بفضل التحرك الأميركي الذي بدأ في عهد الرئيس جورج بوش بتعيين مبعوث خاص هو الشيخ جون دان فورث في تشرين الثاني نوفمبر 2001. نجاح التحرك الاميركي ونجح التحرك الأميركي في تحقيق اتفاقيات اجرائية أربع ظهر أن نجاحها سبّبته عناصر جديدة على تقاليد التوسط في الشأن السوداني هي، أن الوسيط يقترح حلولا ويقنع أطراف النزاع بها، وأنه يدخل مع الاتفاق آليات متابعة ومراقبة، وأنه ادخل عنصر التحكيم في حال اختلاف الطرفين. ان نجاح الاتفاقيات الأربع مهد لدور بقامة أعلى للولايات المتحدة وحلفائها في محادثات "ايغاد" التي عقدت في حزيران يونيو 2002 في ماشاكوس بكينيا وأدت الى بروتوكول ماشاكوس. إن القيمة الكبيرة لهذا البروتوكول ليست في نصوصه وحدها وكثير منها قابل لاختلافات التفسير. ولكن قيمة البروتوكول الحقيقية في انه أداة عبور من الاستقطاب للتواصل، وآلية تعبير عن نوايا وفاقية، ورمز لإرادة السلام وبشري بقرب حلوله. وحقق البروتوكول اتفاقاً على ثلاث نقاط شائكة هي: ضبط العلاقة بين الدين والدولة بصورة توفق بين الحرية الدينية والوحدة الوطنية. وإقرار مبدأ تقرير المصير بصورة تعطي أولوية للوحدة بإتاحة فرصة لإقامة نظام سوداني انتقالي عادل وقادر على جذب التأييد للوحدة الطوعية عبر الاستفتاء المزمع، وتحديد طول الفترة الانتقالية وتأكيد وظيفتها الإصلاحية والاتفاق على بعض معالم ذلك الإصلاح. إضافات مطلوبة ورحبنا ترحيباً حاراً بهذا البروتوكول إدراكاً لقيمته الرمزية وتأييداً لما حقق من اتفاق على هذه النقاط الشائكة. إن ما اتفق عليه صحيح في جوهره وفي ما يلي إضافات مطلوبة لإزالة بعض الغموض: - اتفاق على دستور قومي مركزي مهيمن على ما سواه من نظم قانونية، واتفاق على أن تتنوع النظم القانونية بالصورة التي توفق بين الوحدة الوطنية والحقوق الدينية. لكيلا ينشأ تناقض بين الدستور القومي والنظم القانونية الأخرى، فالأسلوب الصحيح لمعالجة هذه النقطة هو أن ينص عليها الدستور نفسه كالآتي: - التشريعات المراد أن يكون تطبيقها عاماً على البلاد يجب أن تكون مصادرها عامة القبول. -التشريعات المراد أن يكون تطبيقها خاصاً بمجموعة وطنية معينة يمكن أن تكون مصادرها خاصة بتلك المجموعة. - لامركزية الدولة هدف متفق عليه والمهم الاتفاق على الصلاحيات المركزية والولائية في الفترة الانتقالية لينص الدستور عليها. فالدستور ينبغي أن ينص على الصلاحيات المركزية الآتية: السيادة الواحدة - العلم - العملة - القوات المسلحة - التخطيط القومي والقضاء الدستوري. وما عدا ذلك يحدد ويصير ولائياً. - آلية الاتفاق على الدستور ينبغي أن تكون قومية لأن الدستور شأن قومي. والمرونة في تسميتها واردة. على أن يتفق على المرجعية الآتية لها: أن ينص الدستور على اتفاقية السلام، وأن يكفل حقوق الإنسان والحريات العامة كما في المواثيق الدولية، وتحديد السلطات الثلاث للدولة وكيفية تكوينها ديموقراطياً والفصل بينها توخياً للعدالة. - إن فكرة قيام مجلس ثان إلى جانب المجلس التشريعي النيابي فكرة جيدة، على أن تمثل فيه الولايات بالتساوي، وأن تكون من مهامه مراعاة مصالح الولايات وتحقيق التوازن التشريعي على أن يراعي تكوينه مؤهلات محددة تساهم في اختصاصات المجلس. - الحديث عن الحكومة الانتقالية أثار قسطاً من الجدل. ولضبط الأمر ينبغي النص عليها بصورة واضحة. الصورة المقبولة والمضبوطة هي التي وردت في مذكرة المبادرة المشتركة وهي: "وتشكل حكومة قومية تمثل فيها كافة القوى السياسية". - سبق أن اتفقت كافة أطراف النزاع مع تعريف المبادرة المشتركة للقوى السياسية المعنية وهي: النظام - والتجمع الوطني الديموقراطي وحزب الأمة. إن التعريف الأكثر مراعاة لواقع اليوم هو: المؤتمر الوطني وحلفاؤه - والحركة الشعبية وحلفاؤها - والقوى السياسية التي تمخضت عنها انتخابات عام 1986 العامة والقوى السياسية التي أفرزها النضال الوطني بعد ذلك. نقاط الجولة الثانية هناك نقاط مهمة ستتطرق اليها المحادثات لتكملة بنود اتفاقية السلام أهمها النقاط الخمس الآتية: - توزيع الثروة: ينبغي الاعتراف بأن ثمة مناطق مهمشة في السودان من حيث التنمية والخدمات. ينبغي أن يراجع البرنامج الاقتصادي والتنموي في السودان بهدف تحقيق درجة معقولة وعادلة من التوازن التنموي. وهناك ثروات طبيعية مثل البترول يثور الاختلاف في شأن قسمتها. المطلوب الاتفاق على توزيع عائداتها بين المنطقة التي توجد فيها، وتخصيص نسبة لصندوق التوازن التنموي، ويكون الباقي للخزينة المركزية. المقترح هو أن يخصص الثلث لكل من الاستحقاقات الثلاثة. - المسألة الثقافية: ينبغي الاعتراف بظاهرة الاستعلاء الثقافي والاعتذار عنها والالتزام بميثاق ثقافي يعترف صراحة بالتعددية الدينية ويوجب التعايش بينها. ينبغي الاتفاق على ميثاق ثقافي. وينبغي الاعتراف بأن مؤسسات الدولة كما هي الآن ينقصها التكوين القومي. والمطلوب الالتزام بمراجعة مؤسسات الدولة المدنية والنظامية لكفالة قوميتها وتوازنها. - القوات المسلحة: ينبغي أن تكون للبلاد قوات مسلحة موحدة وقومية التكوين والالتزام وذات كفاءة عالية. وإلى حين حسم قضية الوحدة الطوعية يوضع برنامج مرحلي للقوات المسلحة كالآتي: مرحلة أولى ترتبط بوقف النار وتجري فيها إعادة انتشار القوات المسلحة على نحو ما يحدث في جبال النوبة. ومرحلة ثانية ترتبط بالفترة الانتقالية تكون فيها القوات متحالفة على نمط قوات الناتو بقيادة موحدة ووحدات مميزة. ومرحلة ثالثة ترتبط بنتائج الاستفتاء فإذا تقررت الوحدة يتم دمج القوات بعد أن يكون برنامج هذا الدمج معدا أثناء الفترة الانتقالية بدقة تتجنب أخطاء الماضي وبهدف قيام قوات مسلحة قومية التكوين ومتوازنة. هنالك قوات مسلحة شعبية أوجبتها فترة المواجهة العسكرية لدعم القوات النظامية في الحرب. هذه التكوينات الاستثنائية ينبغي حلها وجمع الأسلحة ومساعدتها في بناء حياة مدنية بديلة تحقق لها معيشة كريمة. - وقف إطلاق النار: على ضوء الاتفاق على النقاط المبينة هنا يتفق على وقف شامل لإطلاق النار. ولكيلا تؤدي المواجهات الحربية لتشويه وربما تقويض محادثات السلام يمكن الاتفاق على مرحلة أولى هي مرحلة هدنة أثناء المحادثات ثم تأتي مرحلة ثانية هي مرحلة الوقف الشامل لاطلاق النار. برنامج الفترة الانتقالية الفترة الانتقالية معنية بإدخال اتفاقية السلام في الدستور القومي للبلاد، وتطبيق اتفاقية السلام، والاتفاق على الدستور الجديد وتطبيقه بما يحقق إصلاح الحكم والتحول الديموقراطي المنشود، ووضع وتنفيذ برنامج شامل لإزالة آثار الحرب أهم معالمه إعادة توطين النازحين واللاجئين طوعاً وتأهيل المنشآت والمشاريع التنموية والخدمات. ويجب وضع وتنفيذ برنامج خاص بمناطق التجاور الجنوبي - الشمالي لإزالة إفرازات الحرب وتحقيق التعايش والتعاون بينهما، هذه المناطق مناطق تعايش وتوجد فيها مشاكل خاصة وينبغي أن تفرد اتفاقية السلام فصلاً خاصاً بهذه المناطق بما يحقق إزالة آثار الحرب فيها وتحقيق درجة عالية من التعاون بين سكانها. وينبغي الاتفاق على برنامج اقتصادي إسعافي لمعالجة التشويهات التي لحقت بالاقتصاد الوطني وتحديد الالتزام بمبادئ الإصلاح الاقتصادي ولجذب الاستثمارات المتوقعة للبلاد. إن تجربة النظام الاتحادي الآن فاشلة لثلاثة أسباب هي: قلة جدوى الولاياتالمالي ة- خضوعها للسلطة المركزية - وتكاليفها الباهظة. إن لامركزية الحكم إلى أقصى درجة متاحة تلائم ظروف السودان على أن تكون للوحدات غير المركزية جدوى مالية وصلاحيات حقيقية وأن تكون التكاليف واقعية. المطلوب مراجعة الحكم الاتحادي لتحقيق هذه الإصلاحات. ينبغي ألا يزيد عدد الولايات عن تسع وأن تخصص لها الموارد المالية المحققة لجدواها وأن تكون قيادتها ومجالسها التشريعية منتخبة انتخاباً حراً. ويجب الاتفاق على سياسة خارجية للسودان تواكب الوفاق الوطني. وتشكيل هيئة للتحري في كافة التجاوزات التي أصابت المواطنين لمعرفة الحقيقة وتحديد المظالم التي لحقت بهم والالتزام برفعها. قومية الاتفاقية ينبغي أن يعترف الطرفان المتحادثان أنهما مهما كان وزنهما لا يمثلان كل الشعب السوداني، فهنالك قاعدة أوسع عليهما مراعاة مشاركتها لكيلا تتكرر تجربة اتفاقية أديس أبابا 1972. فالمطلوب تجنب ثنائية الاتفاق والالتزام بالشفافية التامة في ما يبرم من اتفاق مبدئي والسعي لإبرام اتفاق قومي. إن قومية الاتفاق لا تمنع أن يكون التداول في شأنه ولا حتى الاتفاق المبدئي ثنائياً. إن قومية الاتفاق تعني ان يجيزه ملتقى قومي قبل المرحلة الإجرائية النهائية ويمثل هذا الملتقى على الأقل القوى السياسية التي أظهرتها انتخابات 1986م العامة الحرة، والنظام وحلفاؤه، والحركة الشعبية وحلفاؤها، وتمثيل نقابي وصحافي وتمثيل للشخصيات الوطنية التي قدمت مبادرات سلام. هذا يمكن الاتفاق عليه كمجلس قومي سوداني. على أن يتفق على الضوابط الآتية: عرض ما يتفق عليه الطرفان المتباحثان على الملتقى القومي فإن وافق عليه اعتمد وإن قدم تعديلاً قبله الطرفان ضم للاتفاق. وإذا أجمع كل أعضاء الملتقى القومي عدا الطرفين المتفاوضين على رأي فإنهما يلتزمان به. وإذا اقترح بعض أعضاء الملتقى رأياً جديداً قبله الطرفان المتحادثان يضم للاتفاق. ويوقع أعضاء الملتقى على الاتفاق بعد إجازته ويلتزمون بالدفاع عنه. دولية الاتفاق يمثل الاتفاق شكلاً مهماً من أشكال التعاون الإقليمي لأنه سيبرم بجهد مقدر من لجنة "ايغاد" المعنية بالأمر. وينبغي تكملة المساهمة الإقليمية بمشاركة مصر وليبيا في الإجراءات المقبلة وكذلك نيجيرياوجنوب إفريقيا. إن أي محاولة لفرض رأي على السودانيين يمثل تدويلاً خبيثاً. ولكن الحقيقة هي أن السودانيين عامة قبلوا أسسا تصلح لإبرام الاتفاق بينهم ولكن ما ترسب في النفوس من فجوة الثقة جعل الاتفاق المباشر بينهم في هذه المرحلة عسيراً. فإذا أقدمت دولة أو دول على ردم تلك الفجوة ودعت لبنود اتفاق مشتقة من الأسس التي أفرزها أدب الوفاق السياسي في السودان فلا يملك السودانيون إلا الترحيب بهذا الجهد. لذلك فإننا نقدر الجهد الجاد الذي قامت به الولاياتالمتحدة والدول المراقبة الأخرى: بريطانيا، وإيطاليا، والنرويج. وهناك دول ذات شأن مثل روسيا، ودول ذات علاقة خاصة بالسودان مثل الصينوماليزيا والسعودية ودولة الإمارات وقطر والكويت. هذه الدول ينبغي أن تشرك بصورة محددة في عملية السلام والاستقرار في السودان. وينبغي أن يتوج الأمر بمباركة الأممالمتحدة وأن ترعى إحدى المؤسسات الدولية - البنك الدولي- مشروع دعم برنامج السودان لإعادة التعمير والتنمية بعد إحلال السلام والتحول الديموقراطي. ضمانات التنفيذ في مرحلة المواجهة الحادة كرس النظام وكذلك "الحركة" الدعوة لثوابت أوجبتها تلك المرحلة. هذه الثوابت الحزبية لم يعد لها دور في المرحلة المقبلة. هنالك ثوابت وطنية هي التي ينبغي الالتزام بها في هذه المرحلة. وهناك ثوابت إسلامية تلزم المسلمين هي القطعي وروداً والقطعي دلالة من نصوص الوحي. إن قواعد الطرفين لم تهيأ للنقلة من أدب المواجهة إلى أدب الاتفاق. لذلك يتوقع أن تنشأ ضغوط في كل معسكر تتحدث بلغة الماضي وسيؤدي هذا لاتهامات متبادلة ونكسات في مشروع السلام الوطني. المطلوب في المرحلة القادمة تطبيق الأطراف الوطنية السودانية برامج تبث ثقافة السلام. وعلى كافة الأطراف السودانية فتح صفحة جديدة من التواصل الوطني ونبذ العنف والتطلع لبناء الوطن. على الحكومة بوجه خاص الرد العملي على اتهامات طعنت في صدقية التزامها كما حصل في الاتفاق الذي ابرمته مع الدكتور رياك مشار وآخرين. ونحن في حزب الأمة انتدبنا فريقاً لمفاوضة الحكومة توصل معها لاتفاق في بعض النقاط وعرضها على حزبه. ولكن الحزب اتخذ قرارا واضحا في شأن المشروع المقدم له في 18/2/2001. لكن الحكومة وهي تعلم أن هذا الفريق يفاوضها بالوكالة عن الحزب قررت أن توقع مع هذا الفريق اتفاقاً باعتباره ممثلاً لحزب الأمة على رغم علمها بقرار حزب الأمة في الأمر. هذه الأساليب تودي بالمصداقية، وتوجب وجود رقابة دولية. إننا إذ نؤيد قيام هيئة المراقبة والمتابعة هذه نرى أن يكون للملتقى القومي المذكور أعلاه دور فيها لمشاركته في المراقبة والمتابعة. السودان الرائد والواعد ان نجاح السودان في تحقيق السلام العادل والتحول الديموقراطي ستكون له آثار واسعة، اذ هنالك ما يشبه الحرب الأهلية في البلدان التي تسكنها أغلبية مسلمة أو أقلية ذات وزن مسلمة ما بين اتجاه إسلامي ملتزم واتجاه علماني ملتزم بالوحدة الوطنية. التجربة السودانية ستقدم نموذجاً للتوفيق بين الالتزام الإسلامي والوحدة الوطنية. السودان بلد غني بإمكاناته البشرية والطبيعية ولكنها إمكانات أهدرتها الحرب الأهلية والتناوب بين نظم شمولية حققت استقراراً على حساب الحرية والحيوية، ونظم ديموقراطية حققت الحرية على حساب الاستقرار. إنها سانحة تاريخية فريدة متاحة للسودان اليوم بعزيمة قومية وسند إقليمي ودولي أن يحزم السودان أمره ليشرع في بداية جديدة واعدة تعيد الأمل في حاضر السودان ومستقبله. إن الاعتدال والتسامح، والتعددية، والحرية، هي بعض حتميات المرحلة القادمة في السودان. إنها مرحلة تتطلب من النظام قراءة صحيحة للأوضاع فالسلام الذي بزغت شمسه جاء نتيجة لعوامل كثيرة للنظام نصيب فيها وهو نصيب يمكن أن يزيد إذا استطاع أن يركب الموجة التاريخية ليقود في اتجاه السلام العادل والتحول الديموقراطي بنية صادقة وعزيمة خالصة وإيمان بقومية ما تحقق وما سوف يتحقق. إن على النظام الإعراض عن الأصوات المنكفئة التي تحن الى المربع القديم، والإعراض عن سماسرة السياسة الذين يسعون لتحويل المرحلة التاريخية العظيمة لبازار مناورات سياسية. والمعارضة كذلك مطالبة بإنهاء التحدث باللغة الصدامية والشروع في لغة التواصل والتعاون الوطني استجابة لواجب بناء الوطن وتأمين وحدته الطوعية. إذا فوتت القوى السياسية السودانية هذه الفرصة التاريخية فإنها لن تتكرر: قال الرسولص: "إن لربكم في دهركم نفحات أَلا فتعرضوا لها". ويقول شكسبير: "فرص الدهر كموج البحر، من ركبها نال المنى ومن أضاعها حصد الندامة، فلنركب الموج نفوز او اذا فاتنا فات الفلاح".