منذ يوم الجمعة وأنا أتابع التطورات الرهيبة على الساحة وأحاول أن أفهمها. وكلما تكشفت التطورات عن جديد كلما شعرت بالغثيان. كانت نتائج اجتماع القمة العربية رحيمة بنا إذ انتهت على خير، على رغم تغيب بعض الرؤساء. وتوقعت خيراً من مبادرة السلام ودعم الجميع لها حتى خارج العالم العربي. ثم جاء اجتياح شارون لرام الله، واقتحام مقر السلطة الفلسطينية وتدميره، والمزيد من وجع القلب أمام محاصرة عرفات والهجمات الاستشهادية لفتيات وشبان في ريعان العمر. لا أستطيع اختصار الأمر في انها حال من سقوط ورقة التوت، وكشف القناع عن الوجه الحقيقي لشارون. فهو لم يخف ملامحه أبداً. كان دائماً دموياً متوحشاً ومتحفزاً لقتل كل الفلسطينيين، بلا استثناء. ولكنني فجعت باكتشاف الموقف غير المعلن للولايات المتحدة والكذب الواضح الذي تمارسه. تبارك مبادرة السلام، وتعد بالعمل من أجل احلاله من جهة، وتبارك مخططات شارون من الجهة الخلفية غير المعلنة. أي نفاق يمارسه السياسيون؟ مفجع رد الفعل الأحادي من الولاياتالمتحدة - سواء مثلته كلمة كولن باول أو تغطية السي إن إن - حيال عملية اجتياح رام الله، واقتحام مقر الرئيس عرفات بالدبابات... وهو غزو غير مشروع بأي صورة. ثم كل ذلك الحزن والاهتمام والربت على كتف اسرائيل، و"أن ما تفعله دفاع مشروع عن النفس في مقابل الهجمات الارهابية!". من هو الارهابي هنا؟ هل الادارة الأميركية عمياء أم متحيزة أم غسل مخها تماماً؟ أم الموضوع أعمق مما يعلن ونرى ونسمع؟ واضح ان تحركات اسرائيل واعلامها عمل مدروس ومخطط له ان يحقق هدفه المحدد مسبقاً أيضاً... أما ما هو هذا الهدف، فغير واضح بعد. والمؤكد فقط انه ليس ما تعلنه الآلة الإعلامية الرسمية الاسرائيلية أو الأميركية. وبقي أن نقرأ تعبيرات الوجوه ونبرات الصوت في التصريحات من المسؤولين حيث "يكاد المريب يقول خذوني!". لا ألوم من ينادون منا بأن هناك تواطؤاً بين الطرفين... وان ما يحدث يتم بمباركة الدولة العظمى التي فاجأتها مبادرة السلام العربية، فاضطرت الى مباركتها في وقت تتأهب فيه لتنفيذ مخطط عسكري في المنطقة. وهي لا تستطيع ان تكشف عن أهدافها الحقيقية، لكن من المؤكد انها تخدم اسرائيل في صورة مباشرة أو غير مباشرة... ومن ضمن هذا المخطط يأتي تهديدها بضرب العراق ومحاولة استمالة العالم العربي للتعاون، ولو بالصمت. ثم سحبت مبادرة السلام العربية البساط من تحت قدميها. ويبدو ان هناك أكثر من مردود جيد لاختيار اسرائيل مصطلح محاربة الارهاب، كتبرير لارهابها العسكري - فهو مصطلح تم تقنينه وتمريره عالمياً لايقاف أي اعتراض على أي اجراء، يرفع هذا الشعار كتبرير له. ووجدته الولاياتالمتحدة مشجباً جيداً لتعليق كل ما تفعل حول العالم "لتنظيف أرجائه من قوى الشر" التي قد تعترض مخططاتها، خصوصاً الإسلامية! ولا نحتاج هنا الا لتذكر غلطات الرئيس بوش التي خلطت بين سورية وكوريا، ووضعت ايرانوالعراق و"القاعدة" في سلة واحدة، عنونتها ب "كارهي الديموقراطية". ان كان هناك طبخة تتم في تل أبيب، فالمخيف ان تكون تفاصيلها وضعت في الولاياتالمتحدة. والغالب ان الحكومة الأميركية الشرعية، ممثلة بالرئيس بوش، لا تعلم تفاصيلها. فهو رجل بسيط وضحل الثقافة سواء التاريخية أم الجغرافية أم السياسية، ومثله الشعب الأميركي الذي يصدق أن شعوب العالم تكرهه لأنه مرادف للديموقراطية! ولكننا نتوقع منه ان يعرف الفارق بين الواقع التاريخي المثبت، والاختلاقات المبررة لأعمال العدوان والعنف. كيف يمكن ان نوضح للأميركيين - غير الصهاينة - انهم في المصاف الأخير مستهدفون بما يحدث، لكنهم مغيبون تماماً عن الحقائق التي تعكس الواقع. السؤال الأجدى الذي يجب ان يوجهه كل أميركي لنفسه هو: لمصلحة من كل هذه المحاولات لتغيير خارطة المنطقة، ومحو أي تهديد مستقبلي لاسرائيل؟ لمصلحة الولاياتالمتحدة؟ أم لمصلحة الحركة الصهيونية؟ والمخيف في ضبابية الموقف، انه تجهيل مقصود سيشارك الشعب الأميركي في دفع ثمنه في النهاية، مثلما يدفع الفلسطينيون ثمنه الآن في حرب الابادة القائمة.