في موقف مشحون بين موسى عليه السلام وفرعون مصر... دار الحوار بينهما... كان فرعون يتبع في حكمه نظام الملك الإله... وهو نظام يعني السمع والطاعة للملك بوصفه إلهاً... ثم ها هو موسى يجيء برسالة تقول إن هناك رباً للعالمين، وأن العذاب على من يكذب به، أو يعصي أوامره... استمع فرعون إلى كلام موسى وسأله: "قال: فمن ربكما يا موسى" "قال: ربنا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى" "قال: فما بال القرون الاولى" "قال: علمها عند ربي في كتاب، لا يضل ربي ولا ينسى" لم يكن فرعون يسأل سؤال استفهام رغبة في المعرفة، وإنما كان يهزأ بما جاء به موسى... ولا يسع المرء إلا ان يتوقف أمام إجابة موسى الجامعة المانعة... "ربنا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى" الله هو الخالق، خالق الاجناس جميعاً والذوات، وهو هاديها بما ركب في فطرتها وجبلتها من خواص تهديها لأسباب عيشها وتعينها على أداء وظيفتها في الحياة. توقف المفكر التركي محمد فتح الله كولن أمام هداية الله للخلائق وقسمها قمسين: 1- الهداية الجبرية الجارية وفق متطلبات الفطرة. 2- الهداية التي تؤخذ فيها ارادة الانسان بعين الاعتبار. وهو يرى أن كل موجود يسلك سلوكاً اجبارياً يسميه الطبيعيون بالغريزة وإن كان في حقيقته سوْقاً دفعاً إلهياً. ودليل الهداية هو أحد أدلة التوحيد، أن كل شيء ينجز ما أنيط به من وظيفة بهذا السوْق الإلهي أو الدفع الإلهي كل شيء يفعل ذلك من الذرات الى المجرات، فكل شيء يسير وفق الخط المرسوم له ولا يخرج عنه أبداً... تأمل دجاجة ترقد على بيضتها... إنها تنتظر انتهاء فترة الحضانة صابرة على الجوع والعطش وشدة الحرارة، ولكنها لا تترك موضعها قط. هل هي على علم أن البيضة ستفقس؟ لماذا تعاني هذه المعاناة كلها؟ علماً أنها بعد مدة تزاحم افراخها على الحبات الملتقطة! جواب هذه الاسئلة كلها أن الله يسوقها سوقاً لفعل ما تفعله. تأمل طفلاً ولد حديثاً وهو يتجه لثدي أمه للرضاعة، من الذي ملأ صدر الأم بالحليب ومن الذي علّم مصّ الثدي للطفل؟. جواب هذه الاسئلة كلها لخصته الآية التي تقول "ربنا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى" هذه الهداية سمها قوانين الغريزة او سمها ما شئت من أسماء، وفي النهاية ستكتشف انها الهداية الإلهية... تأمل عالم النحل... إن النحل تخصص في صناعة العسل، والنحل لا يأكل العسل وإنما يصنعه فحسب... مَن الذي علَّم النحل هذه الهندسة التي يستخدمها لصناعة العسل؟ ومن الذي علمه هذه البيوت السداسية؟ ومن الذي علم النحل ان يطير الى النباتات والزهور ويمتص رحيقها ويعود ليصنع العسل. "وأوحى ربك الى النحل" نحن أمام معجزة ولكننا نمر عليها مرور الكرام ومن فرط ما نراها يضعف الإحساس بها فنمر عليها ولا نراها. ايضاً قل لي من الذي علم النحل هذا النظام الاداري المحكم الذي تحكمه الملكة ويطيع فيه الشغيلة والذكور... ويمضي تقسيم العمل في ما بينهم من دون أي خروج عليه. ايضاً يتوقف الذهن أمام عالم النمل... وهو عالم يحظى بالهداية الإلهية أو الإلهام الإلهي... ويحدثنا الله عن نملة تحذر بقية النمل من جيش سليمان "حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون". كيف قالت النملة ما قالت؟ ثم ما أعجب هذا الانذار المبكر الذي يتخذه النمل... هل للنمل لسان خاص به...؟ أجرى بعض علماء الحيوان الحشرات تجربة عرفوا منها ان النمل له لغة خاصة به. مسكنان للنمل، احدهما صغير والثاني كبير في الطرف الآخر من خندق صغير، نُقلت احدى النملات من مسكنها الى مسكن آخر، بعد صمت وسكون لم يدم طويلاً، خرج النمل الذي أضاع فرداً من افراده متوجها الى المسكن الآخر عابراً الخندق على عصا ملقاة عليه، وأغار على المسكن الآخر، والآن من الذي أخبر عن ضياع هذه النملة ووجودها في المسكن الآخر، إن علماء الحشرات يقولون إن النملة المسجونة أخبرت صديقاتها بما وقع لها من طريق إحداث موجات كهرومغناطيسية، وحددت مكانها فأسرع اليها بقية النمل وأنقذوها؟ من علم النمل هذا كله..؟ إن الجواب معروف.