خسر البنك المركزي المصري 4 بلايين دولار 18 بليون جنيه حالياً في "معركة الدفاع عن سعر صرف الجنيه" ما دفع الحكومة المصرية الى اعتماد سياسة وقف التدخل في سوق صرف العملات الاجنبية. في صمت لم يقطعه سوى تصريح عارض لرئيس الحكومة المصرية عاطف عبيد أمام مجلس الشورى قبل أيام قررت الحكومة وقف سياسة التدخل في سوق صرف العملات الاجنبية، ليس فقط استجابة لرغبة صندوق النقد الدولي والنصائح التي تسديها جهات دولية عدة لكن بناء على تجربة الشهور الستة الماضية، وخسارة الدولة، حسب اعتراف رئيس الحكومة، لاكثر من ثلث احتياطاتها من القطع الاجنبية خلال هذه الفترة لمعادلة اسعار الصرف بين الجنيه والدولار. في إطار هذا الموقف، الذي دخل حيز التنفيذ اخيراً، واصل المصرف المركزي سياسته المتحفظة في ضخ الدولار الى المصارف من دون تمييز بين عامة وخاصة، والتزم ضخ اقل من 40 في المئة من طلبات تغطية المراكز المالية المكشوفة التي يعود انكشافها لاسباب سابقة على هذه الفترة حيث سبق للمركزي ان طالب المصارف بالاعتماد على مواردها الذاتية في تمويل فتح الاعتمادات المستندية في اشارة صريحة الى اعتزامه وقف ضخ الدولار على النحو الذي جرى به عام 2001 وفقدت على اثره الحكومة ما يصل الى 4 بلايين دولار 18 بليون جنيه حالياً. واكد مصدر مصرفي في "بنك الاسكندرية التجاري والبحري" ل "الحياة" ان التزام المركزي عدم ضخ الدولار إلا في حالات الضرورة يبدو قاطعاً هذه المرة، فالمصارف لم يعد في وسعها ان تتحمل مزيداً من الانكشاف لمراكزها المالية، لهذا فهي تحرص حالياً على تقييد فتح المستندات الى الحدود القصوى بعدما اكتشفت ان موقف المركزي يحظى بتأييد حكومي واسع النطاق لا سبيل الى تغييره خصوصاً ان هذا التوجه يستجيب الى التوصيات الدولية بعدم التدخل في سوق الصرف الاجنبي ما يرشح هذا الوضع للاستمرار فترة من الوقت يتعين خلالها على المصارف تحويل دفة الضغوط باتجاه المستفيدين الذين اهدروا احتياطات الدولة على الاستيراد الترفي. وتثق الحكومة من جانبها في تحصيل النتائج المتوخاة من هذا التوجه الذي يتيح فرصة كبيرة للضغط على المستوردين الذين يساهمون بشكل اساسي في رفع سعر صرف الدولار كلما احتاجوا الى شرائه. وحسب اعتراف احد مستشاري وزير المال لن يكون في مقدور المستوردين والتجار شراء الدولار من دون سقف محدد للارتفاع، فعند مستوى معين ونتيجة للارتفاع المبالغ فيه من قبل المضاربين يتحول منحنى الطلب الى الانخفاض القسري من تلقاء نفسه لعجز المستوردين عن مواكبة الاسعار التي يعرضها تجار العملة الذين لا يزال البعض منهم يحتجز الدولار لديه للعرض في فترات الندرة الحادة. وبناء على تجربة الاسبوعين الاخيرين وعلى رغم الارتفاع النسبي لسعر العملة الاميركية تراجع على نحو ملحوظ معدل الطلب عليها وهو تراجع جرى الاحساس به تدريجاً مع ميل حركة الاستيراد الى الانكماش نتيجة الكلفة الباهظة التي سيتحملها المستوردون الذين سيفاجأون بعجز القوى الشرائية عن مواكبة ارتفاع الاسعار ليحدث الاثر الذي تتوخاه الحكومة من استجابة سعر عرض الدولار لمواءمة مستواه مع معدل الطلب. وحتى تخفف الحكومة من آثار ذلك التوجه ستلجأ الى الاستمرار في فرض الرسوم الضريبية على السلع التي تظل لديها القدرة على النفاذ الى السوق المحلية عن طريق المستوردين بأسعار منافسة لحملهم على الحد من استيرادها خصوصاً إذا كانت من السلع الكمالية. اما حال الانكماش التي يخشى من تسربها الى قطاعات اخرى من النشاط الاقتصادي فإن الحكومة استعدت لمواجهتها ببرنامج للاقراض الشعبي باسعار فائدة مميزة ويوجه البرنامج لتمويل شراء السلع والمنتجات التي تعرضت للركود في السوق التي قد يزيد من صعوبة تصريفها حال الانكماش المتوقعة اضافة الى سعي هذا البرنامج لامتصاص معدلات التضخم الآخذة في الارتفاع التي تزداد وتيرتها مع زيادة النقود وفقدان القوة الشرائية. وفي ظل هذا التوجه تميل الحكومة المصرية كذلك الى الابقاء على الاجراءات الرقابية المشددة على التعاملات غير الرسمية في سوق الصرف الاجنبي.