أعلنت مصر أمس تحرير سعر صرف الجنيه أملاً بإنقاذ اقتصادها المتعثر من أزمته. وقوبل القرار بترحيب من صندوق النقد الدولي الذي اشترط إصداره ضمن إجراءات أخرى، لمنح القاهرة قرضاً بقيمة 12 بليون دولار على ثلاث سنوات. لكنه أثار مخاوف من ارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات، لا سيما في ظل توقعات بأن يتبعه تقليص للدعم على المحروقات. ويقوم الرهان المصري على أن خفض سعر العملة المحلية سيمثل عامل جذب للاستثمارات الأجنبية التي تراجعت أخيراً، كما سيشكل حافزاً لزيادة الصادرات. لكن اعتماد السوق على استيراد سلع أساسية يهدد بارتفاع كبير في الأسعار. وأعلن المصرف المركزي أمس ترك سعر صرف الجنيه لقوى العرض والطلب، «لاستعادة تداول النقد الأجنبي داخل القطاع المصرفي والقضاء على السوق الموازية تماماً»، بعدما تجاوز سعر الدولار في السوق الموازية 18 جنيهاً قبل أيام. وحدد سعر صرف في بداية التعامل عند 13 جنيهاً للدولار، وسمح للمصارف بهامش حركة 10 في المئة أقل أو أكثر من هذا السعر، اعتباراً من الأحد المقبل. وقرر إلغاء الحدود القصوى للإيداع والسحب النقدي للأفراد والشركات، باستثناء مستوردي السلع غير الأساسية. ووصف محافظ المصرف المركزي طارق عامر القرار بأنه «تاريخي». وقال في مؤتمر صحافي: «لا يمكن أن نسمح بوجود سوقين للنقد الأجنبي... القرار ضروري لإحداث إصلاح جذري». وسعى إلى طمأنة المتخوفين، قائلاً إن «القرارات تدعم التوجه إلى الإنتاج المحلي وتشجيع التصدير». وتعهد «حماية السلع الرئيسة للطبقات غير القادرة، ولدينا مخزون من تلك السلع يكفي لمدة 6 شهور». وأكد أن الحكومة «مستمرة في تحمل فاتورة دعم السلع الغذائية، ونأمل بانخفاض مستويات التضخم خلال الفترة المقبلة». وأشار إلى أن المصرف المركزي «لا يزال يستهدف تحقيق احتياط نقدي 25 بليون دولار قبل نهاية السنة الجارية». وتوقع التوقيع على قرض صندوق النقد الدولي «خلال أيام قليلة... ولا نقاط عالقة في المحادثات». وأوضح أن مصر «استطاعت الحصول على تأكيدات بسد الفجوة التمويلية بقيمة 16.3 بليون دولار خلال موازنة العام المالي الجاري من خلال صندوق النقد الدولي ومجموعة الدول السبع والصين وبعض الدول العربية». ورحب صندوق النقد الدولي بالقرار. وقال رئيس بعثة الصندوق المعنية في مصر كريس جارفيس، إن «نظام سعر الصرف المرن الذي يتحدد فيه سعر الصرف تبعاً لقوى السوق سيؤدي إلى تحسين تنافسية مصر الخارجية، ودعم الصادرات والسياحة، وجذب الاستثمار الأجنبي»، مشيراً إلى أن «ذلك كله سيساعد على تعزيز النمو، وخلق فرص العمل، وتقوية مركز مصر الخارجي». وأشاد وزير الخارجية الأميركي جون كيري بالقرارات خلال اتصال هاتفي بنظيره المصري سامح شكري أمس. وتوقع رئيس إدارة الأصول في مصر في المجموعة المالية «هيرمس» نبيل موسى، تأثيراً «إيجابياً» للقرارات على نسب النمو والاستثمارات الأجنبية، معتبراً أنها «خطوة على الطريق الصحيح ضمن الخطوات الإصلاحية التي تقوم بها الحكومة المصرية، والتي ستعالج تأخر الاستثمارات الأجنبية على الأصعدة كافة، سواء مباشرة أو غير مباشرة». لكن موسى أقر في تصريحات ل «الحياة» بأن تلك القرارات ستؤدي إلى «زيادة في الأسعار، لكن في شكل محدود، إذ إن غالبية السلع كانت تُسعّر طبقاً لأسعار الدولار في السوق الموازية التي كانت تتراوح بين 13 و16 جنيهاً خلال الفترة الماضية». ولفت أيضاً إلى أن خطوة تعويم الجنيه «جزء من حزمة إصلاحات تتضمن خفضاً تدريجياً للدعم على الطاقة». وتوقع عضو مجلس إدارة شعبة المصدرين في اتحاد الغرف التجارية حسام علوان، أن تظهر تأثيرات القرارات على الأسواق «في أقرب وقت». لكنه حذر من أنه في حال لم يتمكن القطاع المصرفي من ضخ كميات من الدولار «سيرتفع سعر الدولار، وسيؤثر بالتبعية على الأسواق... الحكم على سوق الصادرات يكون بانتظار ما تسفر عنه الأيام المقبلة في شأن السعر النهائي للجنيه أمام الدولار».