سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التصاعد في عجز الميزان التجاري يشكل ضغطاً متزايداً على الاقتصاد . أبرز الحلول لنقص السيولة في الاقتصاد المصري الحد من الواردات واجتذاب الاستثمارات والادخار
تزايد الحديث أخيراًعن معاناة الاقتصاد المصري من مشكلة السيولة التي باتت تهدد ما تم انجازه منذ انتهاج الحكومة المصرية سياسة الاصلاح الاقتصادي عام 1992 بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، والتي ترتب عليها تحقيق الاقتصاد المصري ما لم تحققه دولة نامية أخرى، فأضحت التجربة المصرية نموذجاً يحتذى، إذ انخفضت نسبة العجز في الموازنة العامة للدولة إلى اجمالي الناتج المحلي الى أدنى مستوى واحد في المئة في عام 9719/9819، وانكمش معدل التضخم إلى 8.3 في المئة في عام 9719/9819، وسجل معدل النمو الحقيقي لإجمالي الناتج المحلي مستويات قياسية لم يسبق لها مثيل 5.7 في المئة في الفترة نفسها، وتهدف الحكومة المصرية إلى زيادته الى أكثر من ستة في المئة في سنة 2000/2001، كما ثبت سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي على رغم الضغوط التي تعرضت لها الحكومة المصرية من قبل صندوق النقد الدولي لخفض هذا السعر بحجة أنه مقوّم بأكثر من قيمته الحقيقية. وثبت بعد ذلك صدق حس الحكومة المصرية في عدم الاذعان لشروط الصندوق، وبلغ معدل الدولرة نسبة مكونات النقد الأجنبي الداخلة في عرض النقود الى اجمالي السيولة 3.17. غير أن عدم حل مشكلة السيولة في القريب العاجل يزيد الخشية على هذه الانجازات. وكانت مصر تعاني في أواخر عام 1993 من سيولة مفرطة لدى الجهاز المصرفي، حتى أن بعض المصارف المصرية لجأت الى خفض سعر الفائدة في محاولة منها لتقليص حجم الخسائر اذا ما احتفظت بودائع كبيرة غير موظفة. أما اليوم وبعد حوالى سبعة أعوام، فقد انقلب الوضع وأصبح الجهاز المصرفي المصري يعاني من مشكلة نقص في السيولة على رغم زيادة ودائعه بالعملة المحلية والأجنبية من 227 بليون جنيه في نهاية شهر آذار مارس عام 1999 الى 249 بليوناً في نهاية شباط فبراير 2000، أي بمعدل نمو حوالى 10 في المئة. كذلك على رغم أن الأرقام الرسمية لاجمالي السيولة في الاقتصاد المصري تشير الى زيادات متتالية خلال التسعينات، إذ ارتفع من 137.4 بليون جنيه في عام 9319/9419 إلى 4.193 بليون جنيه في عام 9619/9719، ثم إلى 210.5 بليون جنيه في عام 9719/9819، وإلى 7.234 بليون جنيه عام 9819/9919. ولكن يبدو أن هناك متغيراً آخر أكثر تأثيراً من حجم السيولة، وهو سرعة دوران النقود نسبة اجمالي الناتج المحلي الى المعروض النقدي فانخفض هذا المعدل من 1.53 في عام 9319/9419 الى42.1 عام 9619/9719، ثم الى 40.1 عام 1997 وليواصل انخفاضه في 9819/9919 عندما سجل 1.37. وانخفاض هذا المعدل معناه تزايد اتجاه الأفراد نحو الادخار وحبس الأموال عن التداول، وكان هذا المتغير أكثر تأثيراً في الشعور بنقص السيولة على رغم زيادة أرقامها المطلقة. وربما تذرع البعض بأن هناك دورات اقتصادية تشهدها الاقتصادات الرأسمالية فتمر بحال من الانتعاش الاقتصادي ثم تتحول الى حال من الركود أو الكساد لتعود إلى الانتعاش مرة أخرى. إلا أن الاقتصاد المصري على رغم تبنيه اقتصاد السوق منذ مطلع التسعينات، لم يندمج بصورة كاملة في الاقتصاد العالمي كما أنه لم يقطع شوطاً طويلاً في هذا المضمار. بداية المشكلة في الواقع أن بداية مشكلة نقص السيولة تعود إلى قيام الحكومة المصرية منذ أكثر من ثلاثة أعوام بسحب أموال صندوق التأمينات والمعاشات التي كانت مودعة لدى البنك الأهلي المصري ووضعها في بنك الاستثمار القومي بهدف تمويل المشاريع القومية الضخمة فوسفات أبوطرطور، العوينات، توشكى، شرق التفريعة في بورسعيد... الخ. وكان البنك الأهلي المصري يستخدم هذه الأموال في اقراض المصارف الأخرى التي قد تواجهها مشاكل في السيولة من خلال نظام الاقراض بين المصارف وذلك لمدة ليلة واحدة. وتوالت بعد ذلك الأسباب التي كانت جميعها تزيد في مشكلة نقص السيولة مثل الزام المستوردين بتغطية 100 في المئة من قيمة اعتماداتهم المصرفية بدل الوضع السابق عندما كان يمكن أن تتم التغطية بنسبة 10 في المئة من قيمة الاعتماد. وهدفت الحكومة المصرية من وراء ذلك الى تحجيم الواردات بعد الطفرة الكبيرة التي شهدتها في أعقاب تدهور سعر صرف عملات دول جنوب شرقي آسيا، وتهافت المستوردين المصريين على منتجات دول هذه المنطقة، فعمدوا الى الاستيراد الكثيف سواء للحاجات الضرورية أو غير الضرورية، ومن دون مراعاة لانخفاض القوة الشرائية للمواطن المصري على استيعاب هذه الزيادات، ما انعكس تزايداً في الواردات وبالتالي تزايد العجز في الميزان التجاري بصورة أصبحت تهدد منجزات الاقتصاد المصري، فارتفعت قيمة هذه الواردات وفقاً لتقرير الاحصاءات المالية الدولية الصادر عن صندوق النقد الدولي في آذار 2000 من نحو تسعة بلايين دولار في عام 1994 إلى 3.12 بليون دولار في عام 1995، ولتواصل زيادتها الى 6.14 بليون دولار في عام 1998 بلغت قيمة الواردات عن الأشهر الستة الأخيرة من عام 1999 فقط 8.7 بليون دولار، في الوقت الذي لم تزد فيه قيمة الصادرات الا في صورة ضئيلة من أربعة بلايين دولار عام 1994 إلى 6.4 بليون عام 1995، ثم 4.4 بليون دولار عام 1998، ما انعكس في تزايد فجوة الميزان التجاري من خمسة بلايين دولار عام 1994 إلى 12.2 بليون دولار في 1998. وهذا التصاعد في عجز الميزان التجاري يشكل من دون شك ضغطاً متزايداً على الاقتصاد المصري وعلى استنزاف حصيلة مصر من النقد الأجنبي، خصوصاً في ضوء انحسار تحويلات العاملين في الخارج وتراجع ايرادات السياحة، وهو ما دفع المصرف المركزي المصري لضخ نحو خمسة بلايين دولار خلال العامين الماضيين للحفاظ على سعر صرف الجنيه المصري، ما أدى إلى تراجع احتياطاته من النقد الأجنبي من 20 بليون دولار إلى نحو 15 بليوناً. ومن المعروف أن سياسة الاصلاح الاقتصادي التي تتبناها مصر منذ مطلع التسعينات ترتكز على خفض العجز في الميزان التجاري وبالتالي على ميزان المدفوعات وما يترتب على ذلك من خفض العجز في الموازنة العامة للدولة وعلى تقليص معدل التضخم. وعلى الجانب الآخر، يرتبط انكماش الصادرات المصرية بارتباط الجنيه المصري بالدولار الأميركي من الناحية العملية، فارتفاع سعر صرف الدولار أمام العملات الأوروبية الذي حدث أخيراً أدى بالتالي الى تزايد سعر صرف الجنيه المصري أمام هذه العملات وأصبحت الصادرات المصرية في وضع تنافسي غير متكافئ في مواجهة الصادرات الأوروبية، علماً بأن حجم التجارة الخارجية لمصر مع المجموعة الأوروبية يقترب من 75 في المئة. ومن العوامل التي ساهمت في زيادة الضغط على السيولة ما قامت به الحكومة المصرية من إلغاء التعامل بالشيكات الخطية التي كان يتعامل بها التجار في ما بينهم، واقتصرت على التعامل في الشيكات المصرفية التي تصدر من المصارف أو تلك التي تصدر من صناديق التوفير البريد. ومع أن هذا الاجراء يجنب العديد من المشاكل التي ترتبت على الشيكات الخطية، إلا أن إلغاءها أدى الى تزايد المخزون السلعي لدى التجار بلغ نحو ثمانية بلايين جنيه والذين أصبح عليهم المطالبة بالسداد الفوري، ما يشكل عبئاً جديداً على السيولة. وكان من الأجدى اعطاء فترة سماح لإلغاء الشيكات الخطية لفترة لا تقل عن ثلاث سنوات حتى يستطيع التجار تصريف ما لديهم من مخزون والتأقلم مع الوضع الجديد. ومما ساهم أيضاً في أزمة السيولة اتجاه أسعار أسهم الشركات العقارية للانخفاض بلغت نسبة الانخفاض في بعضها 50 في المئة في ضوء تدهور أرباحها نتيجة التركيز على الاسكان الفاخر على حساب الاسكان المتوسط، وتزايد المخزون العقاري، وبالتالي تعطيل استثمارات ضخمة لهذه الشركات من دون تدوير في السوق وتعثر بعضها في سداد التزاماته تجاه المصارف، وتفاقم الوضع نتيجة تقليص المصارف لقروضها الموجهة للنشاط العقاري وتأخر اصدار قانون الرهن العقاري. يضاف إلى كل ذلك، مشكلة الديون الحكومية تجاه المقاولين والموردين والمصارف التي مولت تجارة القطن والتي بلغت حتى نهاية حزيران يونيو 1999 نحو 7.5 بليون جنيه. ومع أن الحكومة المصرية بدأت في سداد هذه المديونيات وقامت بجدولتها على عدة أقساط تنتهي قبل نهاية السنة الجارية، إلا أن سداد هذه المديونية، في ضوء تصاعد الديون المحلية الحكومية والتي سجلت 147 بليون جنيه في نهاية حزيران 1999، فضلاً عن ديون الهيئات الاقتصادية العامة والتي بلغت 35 بليون جنيه، سيكون على حساب عائدات التخصيص التي كان من الأجدى أن توجه الى تمويل استثمارات جديدة تتيح فرص عمل أكبر، والى اصلاح الهياكل التمويلية لشركات قطاع الأعمال، وعلاج الآثار الجانبية المتمثلة في المعاش المبكر للعاملين الذين سيتضررون من تطبيق هذه السياسة. أما في ما يتعلق بمناداة البعض برفع سعر الفائدة على الودائع إذ أنه من المعروف أن سعر الفائدة يعتبر من أهم أدوات السياسة النقدية والائتمانية تأثيراً على المعروض النقدي في المصارف بهدف جذب المزيد من المدخرات وزيادة السيولة، فهو إلى جانب أنه يحتم زيادة سعر الفائدة على الاقراض وما يترتب على ذلك من حدوث زيادة كلفة الأموال بغرض الاستثمار لتراوح بين 14 و16 في المئة، وبالتالي انكماش الاستثمار وزيادة حالة الكساد وتفضيل المستثمرين للايداع في المصارف، مستفيدين من رفع سعر الفائدة على الودائع بدون مخاطر ناهيك عن زيادة حالات تعثر العملاء لسداد مديونيتهم، فإن هناك نقطة أخرى يجب أن تؤخذ في الحسبان وهي أن زيادة الودائع في المصارف لا تتوقف فقط على معيار سعر الفائدة وان كان يعتبر أحد هذه المعايير، ولكن هذه الزيادة تتأثر بدرجة أكبر بمعدل الادخار، أي ميل الأفراد نحو ايداع أموالهم، ومعدل الدخل، ناهيك عن أن ارتفاع سعر الفائدة على الايداعات له تأثير سلبي على الاستثمار في البورصة حيث يفضل المستثمرون ايداع أموالهم في المصارف بعيداً عن مخاطر الاستثمار في البورصة. وبعد عرض أساب مشكلة السيولة في الاقتصاد المصري ربما كان هناك بعض الاجراءات للخروج من عنق الزجاجة نذكر منها: 1 - وجود سياسات تسويقية فعالة تتناسب مع اقتصاديات السوق يكون من شأنها زيادة الصادرات المصرية وبالتالي زيادة حصيلة الصادرات مع الحد من الواردات، خصوصاً غير الضرورية منها بهدف تخفيف العبء على الميزان التجاري. 2 - تهيئة المناخ أكثر فأكثر وتوفير الحوافز لجذب استثمارات أجنبية مباشرة خصوصاً تلك التي توجه لقطاعات انتاجية سواء صناعة أو زراعة أو لجذب تكنولوجيا جديدة وذلك لتعويض النقص في السيولة. 3 - بهدف تخفيف العبء الملقى على الحكومة في تمويل المشاريع الضخمة، فإنه من المفضل تشجيع القطاع الخاص سواء المحلي أو العربي أو الأجنبي على زيادة مساهمته في المشاريع بنظام B.O.T أي البناء ثم التشغيل ثم التسليم أو نقل الملكية. 4 - ولزيادة السيولة في المصارف بعيداً عن رفع سعر الفائدة قد يكون عليها استحداث أوعية ادخارية جديدة تتناسب ومختلف فئات المودعين. 5 - سرعة اصدار قانون الرهن العقاري بهدف تشجيع المصارف على تمويل المشاريع العقارية من دون خوف على أموالها وبشرط ألا تقل رؤوس أموال هذه الشركات عن 100 مليون جنيه. 6 - تفعيل السياسة الضريبية وتحصيل المتأخرات التي بلغت 17 بليون جنيه وتوسيع القاعدة بهدف زيادة الحصيلة ومحاربة التهرب الضريبي ومراجعة سياسات الاعفاءات وربطها بانتاج قيمة مضافة حقيقية للاستثمارات الجديدة، مع خفض الحد الأقصى للضريبة على الدخل البالغ 25 في المئة. 7 - إعادة النظر في ربط الجنيه المصري بالدولار الأميركي والتفكير في آلية جديدة لسعر الصرف كأن يربط بسلة عملات أو السماح بتحريك سعر صرف الجنيه صعوداً وهبوطاً أمام الدولار في حدود خمسة إلى عشرة في المئة من قيمته الحالية، وليتناسب مع ما يعرف بسعر الظل وذلك لتشجيع الصادرات وجذباً للسياح ولتحويلات العاملين بالخارج. 8 - اعادة النظر في نسبة تغطية الاعتمادات المصرفية في المصارف لتقتصر النسبة الحالية على السلع غير الضرورية حتى لا تتأثر خطوط الانتاج. 9 - قد تكون أيضاً زيادة الانفاق الحكومي - من موارد حقيقية غير تضخمية - وسيلة لتحريك السوق وعلاج الركود. * اقتصادي سعودي.