إذا كنت في لندن وانتهيت من رحلات التسوق والتبضع، وأخذت كفايتك من زيارة الأماكن السياحية وأردت شيئاً مختلفاً بعيداً عن كل ما هو تقليدي، ما رأيك في قليل من الرعب؟ نعم في لندن عدد من المزارات التي تعد روادها بتجربة مرعبة يشيب لها الولدان. قد تبدو الفكرة غير منطقية، لكنها حقيقية، بل وعلى قدر مبالغ من الشعبية. والدليل على ذلك طوابير السياح لا سيما العائلات التي تحوي بين أفرادها مراهقين من الذكور، المصطفة يومياً أمام البوابة الرئيسية ل"زنزانة لندن" London Dungeon. تلك السراديب المظلمة أسفل أقواس محطة قطار "لندن بريدج" في جنوب شرقي لندن على الجانب الجنوبي من شارع "تولي" تحولت إلى مركز للرعب القوطي نسبة إلى القوطيين. يستقبلك المتحف بديكور مخيف عبارة عن جماجم معلقة، وشعلات من النيران تبزغ بين مفاصل حديدية، وهي كفيلة بشغل الوقت الذي تمضيه عادة في الانتظار لشراء تذاكر الدخول. وإذا وفقت في الحصول على التذكرة التي يناهز سعرها عشرة جنيهات استرلينية، سيكتب لك ان تمضي نحو ساعتين بين نماذج بالحجم الطبيعي مصنوعة من الشمع لأفراد اعدموا أو سُحلوا أو قُطعوا إرباً. وفي خضم مشاعر الانقباض والخوف التي يغذيها نظام الاضاءة الخافت الكئيب، يقفز أفراد من وسط الظلام يرتدون ملابس مصاصي الدماء من العصر الفيكتوري ليزيدوا الطين بلة وترتفع صرخات الفزع الهستيري من الزوار. وتقودك الجولة إلى قاعة محكمة، ومنها إلى نموذج لسفينة. وتجد نفسك جالساً فيها ومستعداً لرحلة "نهر الموت" حيث تعش تجربة "جاك القاتل"، وهو أشبه بشخصية "عشماوي"، إذ كان ينفذ أحكام الإعدام في العصور الوسطى. ولا يتوقف الرعب عند هذا الحد، لكنه يستمر لتجد نفسك مضطراً لمشاهدة صور القتل والتعذيب في العقود المظلمة. وفي نهاية الجولة، تعيش محنة أخرى، وهي حريق لندن المشهور، حيث استخدم القائمون على المتحف أحدث التقنيات ليعيش الزائر تلك التجربة المريرة بالصوت والصورة والرائحة، والحرارة أيضاً. وينتابك احساس للحظات بأن لندن تحترق فعلاً، وهو ما حدث عام 1666، حين تهدم 80 في المئة من مباني المدينة وجاء هذا الحريق ليكلل أعواماً من الأوبئة التي غزت المدينة. وتنتهي جولتك في هذا المكان بالمشي في نفق مظلم يهتز قليلاً ومعبأ برائحة الدخان وصياح الرجال والنساء والأطفال. وفي حال اعجبتك الجولة، وأردت التعرف الى مزيد من الحقائق عن حريق لندن، فعليك التوجه الى "مونومنت"، وتعني "النصب التذكاري". وسميت هذه المنطقة، القريبة من "متحف الرعب" بهذا الاسم نسبة الى النصب التذكاري الموجود هناك والذي صممه شخص يدعى "رن" تخليداً لذكرى الحريق. ويرتفع هذا النصب 202 قدم فوق سطح الأرض، ليكون بذلك العمود الحصري الأطول في العالم الذي يقف وحيداً. ومرسوم عند قاعدته مشهد لتشارلز الثاني ودوق يورك وهما يقومان بعمليات الإغاثة وقت الحريق. وفي الداخل تقودك 311 درجة الى القمة وتسمى "الغاليري". الطريف ان "الغاليري" كان المكان المفضل للراغبين في الانتحار، وذلك الى عام 1842 حين بني قفص حديدي حوله، فتحول أصحاب الرغبات الانتحارية الى مواقع أخرى. أما أصحاب الرغبات السياحية المطعمة بقليل من الرعب، فيمكنهم التوجه الى "متحف غرفة العمليات القديمة وهرب غاريت"، ويقع في شارع سان توماس الواقع ايضاً في منطقة لندن بريدج". وهو متحف غريب جداً بني عام 1821 أعلى برج كنيسة، وكان يستخدم كمخزن للأعشاب الطبية. وكان هذا المتحف مجاوراً لقسم النساء في مستشفى سان توماس، ثم تحول الى غرفة عمليات للمرضى من النساء. المثير للرعب في هذا المتحف الطبي انه يعرض التاريخ الطبي للعمليات الجراحية قبل اكتشاف التخدير. ويبين المتحف كيف كان الجراحون يركزون على السرعة والدقة، فكانت عمليات بتر الأطراف مثلاً لا تستغرق اكثر من دقيقة واحدة، إلا ان نسبة الوفيات بعد تلك العمليات كانت تتعدى ال30 في المئة. وتشير المعلومات والمعروضات هناك الى ان نسبة كبيرة من المرضى - أو بالأحرى المريضات - توفين بسبب الصدمة ونسبة اخرى بسبب العدوى البكتيرية. ويبدو السبب الأخير واضحاً في تصميم غرفة العمليات نفسها، فليس هناك حوض يغتسل فيه الجراحون قبل اجراء العملية أو بعدها. كما ان المكان كله مصنوع من أخشاب الماهوغوني والصنوبر، والتي يستحيل تنظيفها تماماً، ما يجعلها مرتعاً للبكتيريا. اما الأرض فكانت تشبع بنشارة الخشب، وذلك للحيلولة دون تساقط دماء المرضى على رؤوس المصلين في الكنيسة أسفل. وعلى بعد خطوات، ولهواة التاريخ، الذي لا يخلو من الدماء كذلك، "تجربة بريطانيا والحرب في عهد وينستون تشرشل". ويقدم صورة حية ايضاً لبريطانيا في تلك الحقبة، وذلك في مقابل ستة جنيهات استرلينية قيمة تذكرة الدخول. وتبدأ الجولة بركوب مصعد مترنح يصل بك الى أنبوب كان مخبأ من الغارات الجوية وفي داخل الانبوب يعلن المذياع بصوت سعيد "يوم عظيم للديموقراطية"، بينما تتساقط القنابل على المانيا. ويمكنك بعد ذلك التجول بين أرجاء المتحف حيث معروضات الحرب، وبعضها يثير الكآبة، مثل القناع الواقي من الغاز المخصص للأطفال على شكل ميكي ماوس. المحطة الأخيرة في تلك التجربة هي اجتياز شارع مصغر تعرض لتوه للقصف، وفيه يمكن للزائر عيش لحظات رعب حقيقية من الظلام الدامس، وأصوات الصراخ، المرتفعة، والدخان الذي ينبع من كل مكان. والنصيحة التي تقدمها لك "الحياة" بعد هذه الزيارات السياحية المثيرة هي ان تأخذ نفساً عميقاً، وتستمتع بالمشي على نهر التايمز من "لندن بريدج" اى "تاور بريدج" ومحاولة نسيان كل ما شاهدته، والاستمتاع بفنجان قهوة على ضفة النهر.