لاعب أستراليا: كنا نستحق الفوز على السعودية    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    الحقيل يلتقي في معرض سيتي سكيب العالمي 2024 وزيرة الإسكان والتخطيط الحضري البحرينية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 43736 شهيدًا    وزير الإعلام يلتقي في بكين مديرَ مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني    مركز الاتصال لشركة نجم الأفضل في تجربة العميل السعودية يستقبل أكثر من 3 مليون اتصال سنوياً    المروعي.. رئيسة للاتحاد الآسيوي لرياضات اليوغا    «محمد الحبيب العقارية» تدخل موسوعة غينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    أمير الرياض يستقبل أمين المنطقة    الذهب يتراجع لأدنى مستوى في شهرين مع قوة الدولار والتركيز على البيانات الأمريكية    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ الضيوفي    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    القبض على (7) مخالفين لنظام أمن الحدود لتهريبهم (126) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    الدكتور الربيعة: العمل الإنساني يعاني من تنامي الأزمات ونقص التمويل وصعوبة الوصول للفئات المستهدفة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام بيع 100 مليون سهم في «stc»    اختتام مؤتمر شبكة الروابط العائلية للهلال الأحمر بالشرق الأدنى والأوسط    «هيئة الإحصاء»: معدل التضخم في السعودية يصل إلى 1.9% في أكتوبر 2024    البلدية والإسكان وسبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت    وزير الخارجية يصل لباريس للمشاركة في اجتماع تطوير مشروع العلا    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    رقمنة الثقافة    الوطن    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    أفراح النوب والجش    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    استعادة التنوع الأحيائي    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    المنتخب يخسر الفرج    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    أجواء شتوية    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    الذاكرة.. وحاسة الشم    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    تكريم الفائزين بجائزة الأمير سلطان العالمية للمياه في فيينا    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكد ضرورة وجود نظام عالمي متعدد الأقطاب ومتوازن . تركي الفيصل : نتعاطف مع القضية الشيشانية ولا مصلحةلمسلمي روسيا بالانفصال
نشر في الحياة يوم 26 - 10 - 2002

في ما يأتي نص محاضرة حول العلاقات السعودية - الروسية كان مقرراً ان يلقيها الأمير تركي الفيصل رئيس مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في معهد العلاقات الدولية في موسكو أمس، لمناسبة مرور 70 سنة على زيارة الملك فيصل بن عبدالعزيز الى روسيا سنة 1932. وارجئت المحاضرة بسبب عملية احتجاز اكثر من 700 رهينة في أحد مسارح موسكو على أيدي مقاتلين شيشانيين
يسعدني كثيراً ان اكون بينكم في هذه المؤسسة العريقة، لأتحدث معكم حول بعض المواضيع التي تهم بلدينا وشعبينا، وتوضيح بعض القضايا. واستهل حديثي بأن أشير الى ان مناسبة وجودي بينكم عزيزة على نفسي، وهي مناسبة مرور 70 سنة على زيارة والدي جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز - يرحمه الله - الى روسيا سنة 1932. تلك الزيارة التي جاءت تتويجاً للعلاقات التي كانت قائمة بين بلدينا. وإذا ما عدت الى تاريخ تلك الزيارة وتاريخ العلاقات السعودية - السوفياتية قبلها، ولاحظتُ مدى التعاون والوفاق الذي ساد بين بلدينا خلال تلك المرحلة، اجد ان هناك إرثاً لهذه العلاقات يمكّننا معاً البناء عليه نحو مستقبل افضل لعلاقات التعاون. فكان الاتحاد السوفياتي اول دولة تنشئ سفارة في المملكة. وهذه الحقيقة لا تنفي حقيقة وجود فترة انقطاع طويلة في علاقاتنا استمرت 53 سنة لأسباب ذاتية وسياسية وإيديولوجية. وارتبط هذا الافتراق بظروف دولية حتمت على الطرفين الافتراق.
وإذ انتهت تلك المرحلة، سارعت المملكة الى استئناف علاقاتها مع اتحاد الجمهوريات السوفياتية. وفي البيان المشترك الذي أُعلن فيه استئناف العلاقات في 18 ايلول سبتمبر 1990، اكد الطرفان ان علاقاتهما ستبقى وفق ميثاق هيئة الأمم المتحدة، على اساس مبادئ التعايش السلمي، والمساواة والاحترام، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضهما البعض، وأنهما سيبذلان جهوداً نشطة لتسوية النزاعات الإقليمية، وتنمية التعاون الدولي، وترسيخ السلام والأمن الدوليين. وبناء على ذلك افتُتحت السفارة السوفياتية في الرياض خريف 1991، وفي 6 كانون الأول ديسمبر من العام نفسه افتُتحت اول سفارة سعودية بموسكو. وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي، وقيام روسيا الاتحادية وريثة له، بقيت العلاقات قائمة على الأسس والمبادئ نفسها التي جاءت في البيان المشترك لاستئناف العلاقات بين المملكة العربية السعودية والاتحاد السوفياتي.
قد لا تكون علاقاتنا بعد 12 عاماً من استئنافها بالمستوى المأمول، وقد يتقاسم الطرفان المسؤولية عن ذلك على رغم وجود عدد من الاتفاقات الموقعة بينهما، تغطي كافة مجالات التعاون، وقد تقع المسؤولية ايضاً على الظروف السياسية والاقتصادية. فروسيا مرت بفترة انتقالية صعبة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، ما قيد امكانات تطوير العلاقات. كما ان اولويات سياستها الخارجية كانت متجهة نحو اوروبا والولايات المتحدة.
والآن، نلمس ان روسيا بدأت تتجاوز تلك المرحلة الصعبة وتأخذ وضعها الطبيعي، وهذا ما سيسهل على الطرفين تطوير علاقاتهما. وإذ ان العلاقات بين الدول تقوم على المصالح المتبادلة، فإنني ارى ان هناك مصالح مشتركة ونقاط التقاء كثيرة بين المملكة وروسيا، وأن بعضاً من هذه المصالح لا تخصهما وحدهما بل تهم العالم اجمع. ان بلدينا يلتقيان في رغبتهما في ترسيخ السلام والأمن الدوليين وفق ميثاق الأمم المتحدة، والالتزام بالمواثيق الدولية التي تسعى لتحقيق هذين الهدفين اللذين بدونهما لا يمكن تحقيق التعاون الدولي المنشود في القضايا التي تهم الإنسانية. وفي هذا الإطار يمكن الإشارة الى توافق الطرفين عند حدوث ازمة الكويت سنة 1990، كما نرى التوافق اليوم في شأن قضية تنفيذ قرارات الأمم المتحدة في العراق. كما ان بلدينا، وفي ضوء تداعيات انهيار الاتحاد السوفياتي، واختفاء نظام القطبية الثنائية، ومحاولات الانفراد بالنظام الدولي، يدعوان دائماً الى إعادة التوازن للنظام الدولي، حفاظاً على مصالح الدول والشعوب في العالم.
إن وجود نظام عالمي متعدد الأقطاب ومتوازن هو بلا شك في مصلحة بلدينا. كما تكمن مصالح بلدينا في سيادة مفهوم الحوار بين الحضارات، بدلاً من تصادمها الذي تعمل قوى كثيرة فكرية وسياسية ودينية على ذلك. فروسيا ليس لها مصلحة بأن يكون هناك صراع بين الحضارات لا سيما والطرح القائم يرى في الإسلام وحضارته عدواً للحضارات الأخرى. فالإسلام مكوِّن رئيسي للحضارة والثقافة الروسية، وفي روسيا عدد كبير من المسلمين، وحدوث صراع بين الحضارات يهدد الوحدة والأمن الروسيين. وكذلك الأمر بالنسبة الى المملكة التي تقوم على العقيدة والثقافة الإسلامية، وفيها الأماكن المقدسة.
ولبلدينا ايضاً مصلحة مشتركة في مكافحة ظاهرة الإرهاب، فكلاهما عانتا من هذه الظاهرة وتعرّض امنهما للتهديد من القوى المتطرفة. وادركت الدولتان مبكراً خطورة هذه الظاهرة، ودعتا في مناسبات كثيرة الى عدِّها ظاهرة عالمية على المجتمع الدولي مواجهتها. وثبت للجميع الآن وفي ضوء احداث 11 أيلول 2001 بأن رأيهما كان صائباً لذلك يمكن البناء على الفهم المشترك لهذه الظاهرة والتعامل معها من خلال القوانين والمنظمات الدولية، ومن خلال التعاون الثنائي.
ولبلدينا ايضاً مصلحة مشتركة في تحقيق السلام والأمن في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، فالشرق الأوسط ومنطقة الخليج هي الخاصرة الجنوبية لروسيا واستمرار النزاع العربي - الإسرائيلي والتوتر في الخليج يهدد مصالح روسيا الاستراتيجية في المنطقة، وكذلك الأمر بالنسبة الى المملكة التي هي في قلب هاتين المنطقتين ومعنية مباشرة بهما. وهنا لا بد من الإشارة الى ان تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط لا يحقق الأهداف الاستراتيجية لكلا البلدين فحسب، بل يحقق العدالة للشعب الفلسطيني الذي عانى كثيراً ولم تحقق اهدافه المشروعة بعد في الحرية والاستقلال.
كما ان من مصلحة بلدينا بوصفهما منتجين رئيسيين للنفط والغاز ان يكون هناك تنسيق وتعاون بينهما في هذا المجال، لأن خلاف ذلك يضعهما موضع المنافسة التي تضر بهما، والتنسيق والتعاون له آثاره الإيجابية على الاقتصاد العالمي واستقراره.
وأخيراً فإن للبلدين مصلحة ذاتية خاصة بهما، وهي التعاون في المجالات التجارية والاقتصادية والعلمية والتقنية. فروسيا سوق واسع ويتطلع للاندماج في الاقتصاد العالمي وجذب الاستثمارات ورؤوس الأموال، وكذلك الأمر بالنسبة الى المملكة العربية السعودية ذات السوق الواسع والمفتوح للشركات والمؤسسات من مختلف دول العالم، والتعاون بينهما في هذه المجالات يفيد كلا الطرفين.
والآن وقد عرضت لما يجمع بين بلدينا من مصالح ونقاط التقاء كثيرة ارى من المناسب ان اطرح رؤيتي الشخصية حول بعض التحديات التي تواجه علاقات بلدينا مما يعيق التفكير عند الطرفين في مستقبل علاقاتهما، وبسبب سوء فهم يؤثر على تلك المصالح.
وقبل طرح هذه التحديات، فإن من المناسب التذكير بأن سياسة المملكة الخارجية قامت منذ تأسيسها على مبادئ إسلامية واقعية، تأخذ في الاعتبار مصالح الآخرين عندما لا تتعارض مع مصالحها الدينية والقومية والوطنية، وتقوم على تحقيق العدالة بين الشعوب، وعدم التدخل في شؤون الآخرين. ومن تلك التحديات التي ارى انها تترك اثراً سلبياً على تطوير علاقات بلدينا، ما يدور في الأوساط الإعلامية في روسيا من اتهامات باطلة للإسلام والمسلمين وبالذات المملكة العربية السعودية، واتهامها بدعم الإرهاب والمنظمات الإرهابية التي تعمل ضد روسيا الاتحادية، إن هذه الاتهامات لا تستند الى حقائق او اثباتات حول اي دور للمملكة، كما اننا لا ننفي ان هناك منظمات تدّعي الإسلام تقوم بأعمال عنف وبممارسات متطرفة وأن هناك مواطنين سعوديين ضمن هذه التنظيمات، ولكننا لا نقبل بأي صورة ربط ذلك بالإسلام، ولا نقبل ايضاً ربط تلك المنظمات بالدولة السعودية، لأن لا علاقة لها بذلك على الإطلاق، لذلك ارى ان علينا ألا ننساق وراء الاعتقاد بأن التطرف هو سمة المسلم وجوهره، فالتطرف ليس حكراً على الإسلام، بل ينسحب على جميع الديانات الأخرى، والغالبية العظمى من المسلمين يتسمون بالاعتدال ودينهم دين الاعتدال والنبي صلى الله عليه وسلم كان يمقت التطرف دائماً وينهى عنه بقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله اتقاكم"، فلا يمكن ان يجد نفسه مسلماً من يرضى لغيره ما لا يرضاه لنفسه، فالدين المعاملة - كما قال صلى الله عليه وسلم.
والمطلع على تاريخ الإسلام يجد ان جميع الحركات المتطرفة التي كانت تظهر بين زمن وآخر تنتهي الى الفشل، ويبقى المنتمون إليها أقلية بفكرهم وممارستهم. وإذ ان حضارتينا العربية الإسلامية والروسية الأرثوذكسية بحسب ما تؤكده المعطيات الجغرافية والتاريخية والثقافية والدينية هما الأقرب الى بعضهما، وبينهما من التفاعل والترابط الكثير على مدى قرون طويلة، فإننا نؤمن بأهمية استمرار هذا التفاعل والترابط. فالإسلام ليس غريباً على روسيا اذ دخلها قبل ألف سنة ويعيش فيها الملايين من المسلمين وهم جزء لا يتجزأ من النسيج الثقافي والاجتماعي والديني لروسيا.
ونحن نرى ان هؤلاء رصيد متبادل بين روسيا والعالم الإسلامي، لذلك نشجعهم، ونأمل منهم ان يكونوا عنصراً فاعلاً ومنتجاً ومبدعاً للرقي بمكانتهم ضمن الاتحاد الروسي، وللرقي بمكانة روسيا في العالم الإسلامي. وهنا أرى ان من المناسب ان اوضح ان موقف المملكة العربية السعودية تجاه بعض القضايا التي واجهت روسيا، ولها ارتباط بالموضوع الإسلامي، كان ينطلق دائماً من هذا الفهم، فليس للمسلمين الموجودين ضمن الاتحاد الروسي مصلحة في الانفصال، بل إن المصلحة الإسلامية تتطلب وجودهم فاعلين ضمن هذا الاتحاد. وإذا ما اخذنا على سبيل المثال ما تتناقله وسائل الإعلام في روسيا حول ما يجري في الشيشان، ومحاولة ربطه بالمملكة العربية السعودية وبما يسمى بالوهابية في روسيا، يتبين لنا مدى سوء الفهم وعدم الاطلاع على حقيقة موقف المملكة العربية السعودية الرسمي، وحقيقة الدعوة الدينية القائمة فيها. إن سوء الفهم هذا والجهل بالحقائق اديا الى رسم صورة غير حقيقية ومشوهة عن المملكة العربية السعودية في روسيا، لأن الدعوة السلفية الإصلاحية التي قامت على يدي الشيخ محمد بن عبدالوهاب في وسط الجزيرة العربية منذ اكثر من 250 عاماً هي التي تقوم عليها المملكة العربية السعودية وما طرحته سابقاً عن توجه المملكة نحو روسيا هو ما تمليه علينا مبادئ الإسلام.
ان الجميع يعلم ان المملكة العربية السعودية القائمة على الدين الإسلامي الذي تعتز به وتعتبره عماد وجودها، لا تتوانى ان تقف موقفاً داعماً ومؤيداً ومتعاطفاً مع القضايا العادلة للمسلمين وغير المسلمين، ولكنها في ذلك تأخذ جميع الاعتبارات في حسبانها وعلى رأسها عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، لأنها لا ترضى ابداً ان يتدخل احد في شؤونها. ولهذا فإن المملكة العربية السعودية وشعبها قد تعاطفوا مع القضية الشيشانية، وما زالوا يمدون يد العون لإخوانهم بعدما شاهدوا معاناتهم الإنسانية في مخيمات اللاجئين، واكتشافهم مدى حاجتهم الى العون والمساعدة. وبالفعل فقد قُدّمت الكثير من المساعدات الإنسانية، ولكنها ابداً لم تتم بعيداً من المؤسسات الحكومية الروسية وبالتنسيق معها.
قد يحصل احياناً ان يقوم بعض الأثرياء أو الأفراد من المملكة بتقديم تبرعات ومساعدات خاصة بعيداً من المؤسسات الرسمية السعودية او الروسية، وهذا النوع من المساعدات لم تشجعه المملكة على الإطلاق، لأنه قد يُستخدم بما يسيء الى المملكة وعلاقاتها الدولية وهذا ما لا ترغب بحدوثه، وتعمل على إيقافه إن وجد. وحول هذه النقطة اؤكد ان المملكة لا ترغب ابداً في ان ترى استمرار الوضع في الشيشان على ما هو عليه، وتتمنى وترجو التوصل الى حل سلمي لهذه القضية، بما يحافظ على الوحدة الروسية وينهي معاناة الشعب الشيشاني، وإعادة بناء ما دمرته الحروب المستمرة خلال السنوات العشر الماضية. فالنزاع في الشيشان له اسبابه القومية والاجتماعية اكثر منها اسباباً دينية.
اما في ما يتعلق بدعوى "وهابية" التنظيمات والمنظمات الإسلامية التي تقاتل في الشيشان، او في مناطق اخرى من القوقاز، وربطها بالدعوة السلفية الإصلاحية التي جاء بها الشيخ محمد بن عبدالوهاب فإنني اكرر ما قلت سابقاً اننا، لا نرى انها تمثل او حتى تكون امتداداً لهذه الدعوة الإصلاحية في تلك الممارسات المتطرفة. فالدعوة الإصلاحية التي نادى بها الشيخ محمد عبدالوهاب كانت اول حركة اصلاحية في تاريخ الإسلام الحديث تتصدى لمعالجة الاختلالات في المجتمع الإسلامي، وتتركز مفاهيمها في الدعوة الى تطهير عقائد الإسلام من البدع والخرافات التي انسابت إليها خلال قرون كثيرة، ومحاربة العادات والأفكار الوثنية بجميع اشكالها وصورها، وفتح باب الاجتهاد لإنهاء الجمود المسيطر على مفاهيم الدين والدنيا عند المسلمين ونشر العلم والمعرفة في المجتمع وبذلك كانت هذه الحركة - وما زالت - تهدف من طريق احياء اخلاقيات وعقائد المجتمع الإسلامي الأول الذي اسسه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته وخلفاؤه الراشدون، على اسس قرآنية اتسمت بالتوازن بين حاجات الإنسان المادية والدنيوية من ناحية، وتطلعاته الروحية من ناحية اخرى، وعليه فإن الدولة السعودية منذ قيامها وهي تعتمد القرآن الكريم والسنة النبوية دستوراً ومنهجاً. ولهذا اتسمت سياستها، وعبر مراحلها التاريخية، بتحقيق المبادئ والمثل الإسلامية التي تدعو الى التسامح والتعاون مع الأمم الأخرى.
إن الإسلام والإرهاب ليسا مرتبطين على الإطلاق فالإرهاب ليس حكراً على دين او عرق او مجتمع بل هو سرطان يصيب جميع الأمم وهو ظاهرة تعود الى أزمان بعيدة، وإذا كانت هناك قلة تسعى وراء افكار متزمتة وتحاول فرضها بالقوة والعنف، فهذه القلة لا تمثل الإسلام. لقد كانت قوة الإسلام عبر العصور - ولا تزال - في سماحته وعمقه. وتنطلق المملكة العربية السعودية من هذا الفهم في محاربتها للإرهاب مهما كان مصدره ومهما كان هدفه، وقد كنت شخصياً بصفتي الوظيفية السابقة في الاستخبارات العامة منذ سنة 1973 وحتى 31 آب اغسطس 2001 معايشاً بصورة مباشرة لجميع جهود المملكة في مكافحة الإرهاب، وعملنا بالتنسيق مع اصدقاء كثر في هذا العالم في مكافحة المنظمات الإرهابية بكل توجهاتها وفي كل مكان.
ولعل الجميع يعرف موقف المملكة ودورها في الحملة على الإرهاب بعد احداث 11 أيلول، التي تعتبر من دون ادنى شك واحدة من ابشع الجرائم غدراً وبشاعة في التاريخ، لقد جاءت إدانة القيادة السعودية لما حدث شاملة وفورية. فالسعودية وبصفتها دولة عانت من الإرهاب، تفهمت الحزن والألم اللذين شعر بهما الأميركيون في ذلك اليوم وكان ذلك الحدث بالنسبة لي مفجعاً، إذ انني خصصت حياتي العملية كلها لمكافحة مثل هذه الجرائم. وفي هذا السياق يجدر الذكر ان المملكة نفسها تواجه الخطر الذي واجهته وتواجهه دول العالم، فتنظيم "القاعدة" استهدف السعودية قبل استهدافه الولايات المتحدة، وعناصر "القاعدة" ينتمون على ما يزيد على 60 دولة، ومنهم من يحمل الجنسية السعودية، ومنهم من يحمل الجنسية الروسية ومنهم من يحمل الجنسية الأميركية. ولهذا لا يمكن ان تربط افعال الإرهابيين بالدول التي جاؤوا منها وإلا اصبحت جميع هذه الدول مصدرة للإرهاب ومؤيدة له.
ان التركيز على الإسلام وعلى المملكة العربية السعودية وربطهما بهذه الظاهرة في الإعلام الروسي، يسيء الى علاقات بلدينا لا سيما انهما يواجهان الخطر نفسه. وعلينا ان نكون واعين لما تطرحه قوى ليس لها مصلحة في التقارب والوفاق بين روسيا والعالم الإسلامي، وروسيا والمملكة العربية السعودية.
يتضح مما سبق طرحه ان ما يجمع بلدينا من مصالح يفوق بكثير ما يعيق تطوير هذه العلاقات لما فيه مصلحة البلدين والشعبين وما فيه خدمة السلام والأمن الدوليين. انني واثق من ان بلدينا إذا ما وضعا هذه المصالح في مقدمة اهتماماتهما فإن علاقات ودية ووثيقة ستترسخ بينهما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.