ظاهرة العنف كما تبدو لنا اليوم في مطلع هذا القرن، تطرح على العقل سؤالاً محرجاً: هل خرج الانسان حقاً من الدائرة الحيوانية كما ندعي؟ أليست المدنية بظواهرها المختلفة - التعاون، حقوق الانسان، الديموقراطية، الحب والمحبة - قشرة رقيقة سرعان ما يتجاوزها الحيوان الكامن في كل منا...؟ ثمة ثلاث ظواهر ماثلة امام اعيننا تشهد على ذلك! الاولى، المجتمعات الشمولية التي تمتد، في شكل او آخر الى اكثر من نصف العالم، حيث الرأي الآخر مرفوض وقد يعتبر احياناً جناية يعاقب عليها القانون. الثانية، البلاد المتخلفة التي هي ثلثا العالم، حيث تشريد البشر وتجويعهم وأمراضهم المستعصية... امور عادية قياساً الى محاولة قبيلة افناء القبيلة المعادية لها، جسدياً. الثالثة، التدمير الهمجي لمركز التجارة العالمية في نيويورك، ولوزارة الدفاع في واشنطن، وكذلك مؤسسات اخرى. قلت اهو الحيوان يأخذ ثأره من الانسان؟ يحق لك ان تبحث عن السبب، ولكن لا يوجد سبب يبرر النتيجة من حيث المبدأ. هاك بعضاً من الاسباب التي تخطر ببال احدنا: 1- كون الارض تضيق اليوم بأهلها، فالصراع على البقاء الذي هو واحد من سنن الوجود يأخذ شكله الاشرس، والوسائل الاعنف تصير في متناول الانسان، ترى لا تفكر كل دولة اليوم بصنع قنبلتها الذرية؟ 2- كون الاعلام المعمم في شكل معلوماتية يضعك في كل دقيقة امام مشهد العنف الانساني في صورة جماهير قد تستخدم الفن كما تستخدم الصاروخ المدمر لاثبات حقها بالاولوية في الوجود. 3- تسارع الحركة، فالانسان فرداً وجماعة يلهث وراء اهداف قد تكون في الختام سراباً، وهو في كل الاحوال خائف، مذعور من جاره، وربما من زميله في العمل او من صديقه واحياناً من اولاده. فالخوف معمم كالعنف. قلت ايضاً: هي الطبيعة بدورها تثأر لذاتها من الانسان الذي امتهنها ليسخرها لوجوده فنفثت في وجهه من الجراثيم المتكاثرة ما يعجز قدرة الانسان على اختراع الدواء. أما النتيجة، فان تعميم الحضارة مؤجل اليوم حتى اشعار آخر... مفكر سوري.