في كل المجتمعات العربية تنتشر ظاهرة ما يسمى بالعنف الأسري، ومنها مجتمعنا الذي تناهت فيه هذه الظاهرة وبشكل مخيف بفعل الوصاية الذكورية وغياب قانون حماية الأسرة من الإيذاء، وغياب قانون الأحوال الشخصية الذي طالبتُ به هنا قبل سنوات ، ولا أدري لماذا يردد الإعلام، كلمة «العنف الأسري» والواقع يختلف تماما بين الوحشية والتعذيب، والتعنيف، فالعنف يطلق عادة على الكلام الخشن والسلوك الخشن، ولا يؤدي إلى القتل، أما الضرب، والتعذيب، والقتل، هذا ليس من أوجه العنف بقدر ما هو جريمة مكتملة الجوانب، والعوامل بدءا من الضرب، إلى الحبس، إلى التجويع، وصولا إلى الكي بالنار، أو السجائر، والتقييد بالسلاسل والحبال، إلى أن يصل الضحية إلى القتل بفعل هذه الأدوات الوحشية. يجب أن نفرق بين العنف والجريمة وأن توضع قوانين تبين ماهية العنف وعقوبته، وتبين ماهية الجرم وعقوبته،إذ ليس من مصلحة المجتمع تمييع القضايا الأسرية الخطيرة لدرجة القتل بهذا المسمى والتلاعب بمصائر أفرادها من خلال هذا التشخيص اللفظي العقيم، إن مجرد حبس الإنسان في مكان مهمل، وتقييده بالحبال أو السلاسل يعتبر تعديا على حريته، ووجوده، وحياته، فكيف لو وصل الأمر إلى الضرب، والقتل، ألا يعد هذا جريمة كم تساقط ضحاياها من الأطفال بدءا من الطفلة غصون وليس نهاية بالطفل أحمد الغامدي؟ الذي غادرنا قتيلاً على يد زوجة والده قبل أسبوعين. كتبت هنا كثيراً عن هؤلاء الضحايا، واليوم أنا بصدد الحديث عن قضية أخرى في هذا النطاق: وهي تعذيب النساء من قبل الأوصياء عليهن من المحارم لأسباب كثيرة منها الطمع في أموالهن أو الانتقام منهن بسلب أولادهن من قبل الأزواج في حالة الطلاق، أو منعهن عن زيارة أهلهن وأقاربهن، أو حبسهن وتجويعهن، بالإضافة إلى أصناف أخرى من التعذيب أو الكيد لهن بما يسمى عدم تكافؤ النسب والتفريق بينهن وبين الأزواج والأبناء، أو عضلهن وقهرنهن بعدم تزويجهن طمعاً في أموالهن، كل هذه القضايا ربما أصبحت من القضايا التي كثيراً ما نسمع ونقرأ عنها، لكن القضية الجديدة التي كانت حديث المنتديات الإنترنتية بعد أن أوردتها إحدى صحفنا المحلية ربما تكون جديدة في مسلسل الإرهاب الأسري هذا. والخبر يقول: إن سيدة استنجدت بمركز شرطة جدة الشمالية هاتفياً لتحريرها من قيود «والد زوجها» رجل الأعمال وبعد أن سارعت الشرطة في إنقاذها أوضحت للشرطة أن والد زوجها وضعها في الإقامة الجبرية وتقييد باب السكن بالسلاسل والأقفال ووضع حارسا على باب غرفتها التي سجنها فيها وأردفت أن شقيق زوجها اعتدى عليها بالضرب ، وقد تم تحويلها من قبل الشرطة إلى المستشفى الذي أعد تقرير بتعرضها لكدمات تستغرق خمسة أيام لشفائها، وذكرت السيدة أن السبب وراء ذالك أن والد زوجها أراد أخذ الذهب والماس الذي يعود لها لتسديد ديون زوجها، ومازال التحقيق في القضية جارياً. إذا كان الشرع لا يجيز للزوج أن يأخذ مال زوجته إلا عن تراض ولا يجيز له ضربها، فكيف يتجرأ والد الزوج على حبس الزوجة وفرض الإقامة الجبرية عليها مع حارس غريب ربما تسول له نفسه اغتصابها أو الاعتداء عليها بأي شكل من الأشكال؟ وبأي حق يقوم شقيق الزوج بضربها وهو لا يعد حتى من محارمها؟ ولماذا لم يقم الوالد بتسديد دَين ولده وهو رجل الأعمال؟ أليست هذه جريمة في حق هذه السيدة ؟ ومهما كانت المبررات فأي قانون أو دِين، يسمح بإهانة هذه المرأة والاعتداء علي كرامتها بهذه الهمجية؟ [email protected]