دخلت الشابة النيبالية ديفاني رانا التاريخ كونها السبب في تصفية العائلة المالكة في مملكة النيبال على يد ولي العهد الذي قتل والديه واشقاءه وانتحر نتيجة حبه لها ورفضهم زواجه منها. وبعد الحادث، نجحت الفتاة في السفر الى نيودلهي، معززة بذلك اشاعات عن مؤامرة على البلاط الملكي ربما تكون ابعادها اكبر من حدود تلك المملكة. سلطت الاضواء في الدول المجاورة للنيبال على ابعاد الجريمة التي هزت تلك المملكة الهندوسية الفقيرة المتربعة على جبال الهيملايا والمعزولة عن العالم كونها لا تملك منفذاً على البحر، ما جعلها تعتمد على الهند بشكل شبه كامل. ولعل كثيرين ينتظرون ان تكشف الشابة ديفاني رانا عن تفاصيل ما جرى ليل الجمعة المشؤومة ، حين راح ضحية حبها وولي العهد ديبندرا زميل دراستها، كل افراد العائلة المالكة بمن فيهم الملك بيراندرا والملكة أشواريا وتسعة من أفراد العائلة، اضافة إلى محاولة فارس الأحلام الانتحار إلاّ أنه توفي سريرياً وتولى عمه جيانيندرا وصاية العرش ، ما يذكر بما حصل لعائلة رومانوف الروسية حين استولى البلاشفة على السلطة في بلادهم، فصفوهم جميعاً. وهروباً من الواقع المر الذي يلف النيبال بسبب علاقة الشابة بوليّ العهد، واتهام كثيرين من مواطني المملكة لها بأنها السبب في كل ما جرى، فرّت ديفاني إلى نيودلهي أول من أمس، في طائرة هندية، ومعها شقيقتها الكبرى وشخص آخر غير معروف. وعزز ذلك نظرية المؤامرة في ما حصل في كاتمندو تلك الليلة، إذ كان مفترضاً أن تستجوب لمعرفة تفاصيل وملابسات ما جرى، ولكن يبدو أن ثمة جهات تسعى إلى إخفاء الحقيقة، وتكمن مصلحتها في تهريب الشابة إلى الخارج قبل أن تنكشف فصول اخرى للمأساة. وافادت وسائل الاعلام ان ديفاني رانا تحضر الدكتوراه في مصادر المياه في جامعة تريبيوجان في كاتمندو ، وهي من أسرة حكمت النيبال حتى عام 1951 وابنة وزير الخارجية النيبالي السابق. وهي حسناء تعرف عليها ولي العهد في لندن وتوطدت عرى الزمالة والصداقة بينهما في الجامعة ذاتها التي التحق بها الامير ديبندرا ليحضر للدكتوراه في قسم التنمية البشرية. وعرف عن ولي العهد ميله لكتابة الشعر اخيراً، اذ كتب قصائد حب بعد وقوعه في حب تلك الحسناء على رغم نصائح أمه الملكة بالاقتران بفتاة أخرى تدعى سبيريا شاه ابنة براديت ميكراشاه وهي سليلة عائلة مالكة أيضاً. ورأى بعض المحللين أن الفراغ الذي تركته العائلة المالكة وهي رمز استقرار وسيادة هذه المملكة، سيشعل فتيل الصراع الاقليمي المحتدم خفية بين ثلاث قوى طامحة للسيطرة على النيبال وهي الهندوباكستان والصين. ولعل أكثر المتضررين من غياب العائلة المالكة النيبالية هي الهند التي لم يخف إعلامها انزعاجه من تنصيب الشقيق الأصغر للملك النيبالي الراحل كوصي للعرش، واصفاً الاخير بانه "معروف بعدائه للديموقراطية وللهند". أما الحركة الماوية الشعبية في النيبال التي تعتنق مبادئ ماو تسي تونغ فهي معادية للهند، وتسعى إلى القضاء على النظام الطبقي الذي تؤمن به العقيدة الهندوسية. وتستند الحركة الماوية النيبالية إلى نظرية ماوتسي تونغ القائلة ان الفلاحين هم الذين ينبغي أن يحكموا ويطوقوا نخبة المدنيين في المدن. وكانت هذه الحركة الماوية تأسست في منتصف شباط فبراير 1996، وخاضت معارك عنيفة مع قوات الحكومة، اسفرت عن سقوط 1500 قتيل. و يصل تعداد أفراد الحركة إلى 25 ألف شخص. وتستغل هذه المعارضة حال الفقر والتخلف المنتشرة في المملكة من أجل نشر أفكارها ومبادئها. ورأى البعض أن تنامي قوة هذه الحركة سيعزز الحضور الصيني المعادي للهند ، أما باكستان فحسب الرواية الهندية، فتستغل النيبال كقاعدة متقدمة في حربها مع الهند كما حصل في خطف الطائرة الهندية من كاتمندو وتسريب الباكستانيين اسلحة إلى الطائرة. وفي نيودلهي اف ب كشفت صحيفة "انديان اكسبرس" عن الروابط بين رانا واحدى العائلات السياسية الاكثر نفوذاً في الهند. واضافت ان عمها مدهاف راو سنديا هو احد قادة حزب المؤتمر معارضة بينما تشغل عمتها فازوندرا سينديا منصب وزير دولة في حكومة نيودلهي. واوضحت ان والدتها، اوشا راجي سينديا، تتحدر من عائلة من النبلاء من ولاية ماديا برادش، وسط الهند. ونشرت "تايمز اوف انديا" ان ولي العهد ودفياني لم يخفيا العلاقة بينهما، وغالباً ما شوهدا في شوارع كاتماندو وهما يتناولان الطعام في احد المطاعم قرب القصر الملكي. الا ان "انديان اكسبرس" اوضحت ان "الشعور المعادي للهند يؤدي الى تأجيج الاحوال في المملكة. ورأت العائلة المالكة ان زواج الملك المقبل من فتاة تسري في عروقها دماء هندية ليس بالأمر الحسن". وفي كاتمندو رويترز، وصف الامير جيانيندرا الوصي على عرش نيبال مقتل الملك بيرندرا واعضاء العائلة المالكة بانه وقع بطريق الخطأ. وقال الامير جيانيندرا الذي عين وصياً على العرش بعد دخول ولي العهد في غيبوبة نتيجة اطلاق النار على نفسه ايضاً، قال في اول تعليق رسمي على الحادث انه نجم عن اطلاق النار بطريق الخطأ. وأضاف في بيان: "طبقاً للمعلومات التي تلقيناها، اصيبوا بجروح خطيرة في اطلاق نار بطريق الخطأ من سلاح آلي". وذكر البيان الذي لم يوضح من كان يمسك المسدس وقت الحادث، ان القتلى نقلوا بسرعة الى المستشفى ولكن لم يتسن انقاذهم. وحض رئيس الوزراء النيبالي جيريجا براساد كويرالا على التزام الهدوء، مضيفاً ان "حكومة جلالته تتعامل مع الحادث بجد وحساسية وواثقة من ان حقيقة الحادث غير المتوقع والمأسوي الذي تعرض له ملكنا الحبيب وملكتنا وعديد من افراد العائلة المالكة ستعلن على الشعب". وكان وزير الداخلية رام تشاندرا بوديل اعلن اول من امس ان ولي العهد البالغ من العمر 29 عاماً قتل بالرصاص الملك بيرندرا والملكة اشواريا وشقيقته الاميرة شروتي 24 عاماً وشقيقه الامير نيراجان 22 عاماً واعضاء آخرين في العائلة المالكة بعد خلاف عائلي في ساعة متأخرة من ليل الجمعة الماضي ثم اطلق النار على نفسه. وقال بوديل في وقت لاحق ان السلطات لا تعرف على وجه الدقة كيف مات افراد العائلة المالكة. وذكرت تقارير وسائل الاعلام ان الملكة عارضت اختيار ولي العهد لعروسه وأن الأخير اطلق النار على عائلته بعد خلاف خلال تناولهم العشاء. وقال مسؤولون ان ولي العهد ما زال في غيبوبة بالمستشفى. وافادت تقارير انه مات سريرياً. ومذبحة العائلة المالكة في نيبال هي أحدث ضربة توجه للدولة الفقيرة التي يقطنها 22 مليون نسمة والتي شهدت اضطرابات سياسية وتمرداً متزايداً من جانب الماويين. ويقول محللون ان الحادث قد يكون له اثر كبير على الاستقرار في نيبال حيث تعرض رئيس الوزراء الى ضغط بالغ للاستقالة بعد مزاعم فساد كما انه واجه احتجاجات عنيفة في الشوارع على حكمه. وألقى محتجون حجارة على مركز للشرطة اول من امس متهمين الحكومة بانها وراء القتل. واثناء مراسم الجنازة سمعت هتافات مطالبة باستقالة جيريجا. وتماشياً مع الدستور اعلن ولي العهد ملكاً إلا ان عمه الامير جيانيندرا عيّن وصياً على العرش من جراء سوء حالته الصحية.