مال الشارع الاسرائيلي باتجاه مواقف اشد تطرفا ازاء الفلسطينيين، وفيما عكست استطلاعات الرأي معارضة غالبية الاسرائيليين وقف النار، اعلن الجيش انه سينشر وحدات "كوماندوس" جديدة في الضفة لمواجهة الهجمات الفلسطينية، كذلك كثر الحديث عن عمليات انتقامية ينوي المستوطنون تنفيذها. ورد رئيس الوزراء ارييل شارون على ذلك بالقول ان "دمه يغلي" وانه ينتظر الوقت المناسب للرد، اذ من المقرر ان يبدأ جولة اوروبية الاثنين تشمل برلينوبروكسيلوباريس لتسويق سياساته. واستبقت باريس الزيارة معلنة انها ستبحث مع شارون في تطبيق توصيات لجنة "ميتشل". اكدت نتائج استطلاع للرأي في أوساط الاسرائيليين نشرت امس تبني غالبيتهم مواقف متطرفة. وبدا واضحاً ان رئيس الوزراء ارييل شارون نجح في خطابه السياسي الذي اعتمد تأجيج مخاوف الاسرائيليين من جيرانهم الفلسطينيين وقبولهم مقولة ان "اسرائيل" تفتقد الى شريك يصافح يدها الممدودة للسلام. وفي موازاة ذلك، دلت النتائج الى تعاظم التأييد للمستوطنين. وانشغلت وسائل الاعلام الاسرائيلية في الساعات الماضية في الحديث عن الضائقة التي يعيشونها من جراء اطلاق النار عليهم، وتحدثت عن تفهم شارون ووزرائه للدعوة التي أطلقها قادتهم بإعلان الحرب على الفلسطينيين، وقال لهم ان "دمه يغلي"، وانه سيرد في الوقت الذي يراه مناسباً. وذكرت الاذاعة الاسرائيلية ان "قادة الجيش تلقوا معلومات أكيدة ان مستوطنين متطرفين ينوون تنفيذ عمليات انتقامية ضد فلسطينيين "على غرار الاعمال الارهابية التي نفذتها العصابات السرية مطلع الثمانينات أو المجزرة التي ارتكبها المستوطن باروخ غولدشتاين ضد المصلين في الحرم الابراهيمي. وزادت ان الجيش عزز نشاطاته الاستخبارية للحيلولة دون تنفيذ مثل هذه العمليات. وأفاد الاستطلاع ان 60 في المئة من الاسرائيليين يعارضون مواصلة سياسة وقف النار التي أعلنها شارون وأنهم عملياً يؤيدون الثأر لدماء الذين قتلوا في الأسابيع الأخيرة. وان نسبة الذين يؤيدون وقف الاستيطان مقابل وقف العنف والارهاب انخفض من 57 الى 51 في المئة. ويبدو ان شارون نجح الى حد كبير في اقناع الشارع الاسرائيلي بسياسته، وساهم في ذلك تقبل الاعلام الاسرائيلي بغالبية وسائله ومن دون تحليل جدي للموقف القائل ان الفلسطينيين هم الذين يرفضون السلام برفضهم التجاوب مع "حسن النية" الذي يبديه شارون الذي نجح ايضاً في ترويض الاعلام الذي أضحى مروجاً لبضاعته. وباستثناء بعض الحركات اليسارية والسلامية التي ما زالت ترى في الاحتلال الاسرائيلي علة العلل وفي ظل سبات حزب "العمل" المتفكك فإن التوجه اليميني والعنصري المعادي للفلسطينيين في الضفة الغربية والقطاع وفي الداخل على حد سواء يسيطر على الشارع الاسرائيلي. ولم يعد شتم العرب حصراً على العنصريين من أنصار اليمين فحسب، بل أضحى ظاهرة سواء في الميادين السياسية أو الرياضية وفي الشارع عموماً. وبز هؤلاء عضو الكنيست السابق شارلي بيطون الذي انفلت في أقذع الشتائم في وجه صحافي عربي كان يجلس في مقصف الكنيست. يذكر ان بيطون هذا وصل الى الكنيست في أربع دورات بأصوات المواطنين العرب الذين انتخبوا "الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة" التي تصر دوماً على ترشيح يهودي في قائمتها من منطلق "الشراكة العربية - اليهودية" على رغم ان عدد أنصارها من اليهود محدود جداً. الى ذلك، أفادت صحيفة "هآرتس" امس ان الجيش سينشر وحدات "كوماندوس" جديدة في الضفة الغربية "لمواجهة الهجمات الفلسطينية التي تستهدف المستوطنين على الطرق". وسيعمل بعض هذه الوحدات سراً لنصب مكامن وتنفيذ عمليات، فيما ستتحرك وحدات أخرى علناً لتعزيز الدوريات القائمة. ولم توضح الصحيفة اي وحدات ستنتشر لأن هذه المعلومات تبقى خاضعة للرقابة العسكرية. لكنها ذكرت بأسماء وحدات "الكوماندوس" الأشهر في اسرائيل: كوماندوس قيادة الاركان والكوماندوس 13 من القوات البرمائية وكوماندوس سلاح الجو من دون الاشارة الى وحدة المستعربين الخاصة التي تعمل متنكرة بزي فلسطيني. وعلى رغم هذه الاستعدادات، يسعى شارون خلال جولته الأوروبية الثانية منذ تسلمه السلطة، الى اقناع مضيفيه بأن اسرائيل تبذل كل ما في وسعها لوقف دوامة العنف. ومن المقرر ان يبدأ شارون جولته بزيارة لبرلين الاثنين والثلثاء. وسيتوقف الأربعاء قصيراً في بروكسيل حيث يلتقي رئيس الوزراء السويدي غوران بيرسون الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، قبل ان يواصل طريقه الى باريس. وقالت الناطقة المساعدة باسم وزارة الخارجية الفرنسية لورانس اويد ان شارون سيجري الاربعاء محادثات مع الرئيس جاك شيراك يتبعها عشاء يقيمه على شرفه، كما يلتقي في اليوم التالي رئيس الحكومة ليونيل جوسبان ثم رئيس مجلس الشيوخ كريستيان بوتسليه. وأشارت الى ان هذه اللقاءات تشكل مناسبة للبحث في سبل وضع حد للمواجهات المأسوية التي تهز المنطقة، وذلك عبر السعي الى وضع التوصيات الواردة في تقرير لجنة ميتشل موضع التنفيذ. واضافت ان فرنسا ستطرح هذا الموضوع على الجانب الاسرائيلي.