افتتح الأسبوع الماضي جامع السلطان قابوس الأكبر في عُمان ويتميز بمساحة تتسع لعشرين ألف مصل الى الجوانب الفنية التي أبدى الحضور الإسلامي الكبير الإعجاب بها دقة وتصميماً وهندسة. وحضر حفلة الافتتاح الكثير من المفكرين والمسؤولين من مختلف الدول الإسلامية الى شيوخ الازهر والحرم المكي والمسجد الأقصى. وأكد السلطان قابوس على دور المسجد في نشر الثقافة الإسلامية إضافة الى دورها في العبادة. يقع الجامع على الشارع العام وعلى بعد ربع ساعة من مطار السب الدولي. والزائر لا بد ان يرى الجامع في طريقه الذي يمتد على مساحة 416 ألف متر مربع وتتجلى فيه روعة العمارة الى صفوف من النخيل تحيط بالمجمع الإسلامي الذي يحتوي على قاعات للصلاة والندوات ومركزاً للثقافة الإسلامية الذي افتتح العام الماضي. أمر السلطان قابوس ببناء هذا الجامع عام 1993 ووضعت التصاميم التي خرجت بين العمارة الإسلامية ومقاييسها وبين الحداثة ومتطلبات البناء العصرية. وبدأ العمل في الجامع عام 1995 واستمر ست سنوات ليكتمل في عام 2001 بتكلفة وصلت إلى 120 مليون دولار. يقع المدخل الرئيسي للجامع عبر الممر الجنوبي الخاص بالموقع فتبرز الواجهة الجنوبية من دون أن يكشف عن الداخل وتقاسيم الأمكنة. ويؤدي الى ثلاثة معابر من منطقة الوصول الى أرضية المجمع يلي كل منها صحنه الخاص المرتبط بدوره بسلسلة عقود. ويقع المدخل المركزي وصحنه على الممر الأفقي للمخطط منتهياً بالمئذنة التي تقف وسط الرواق الشمالي على ارتفاع يبلغ اكثر من 91 متراً وجميعها تؤدي الى الصحن الخارجي للمجمع والمحيط بمباني الصلاة. ويشكل بلاط الصحن بداية حرم الجامع المفتوح ويقع المصلى الرئيسي في شرق الصحن الغربي وهو مبنى مربع طول كل ضلع 74,5 متر بقبته المركزية التي ترتفع 50 متراً وتشكل مع المئذنة الرئيسية التصميم المميز للجامع من الخارج. وعلى مقربة منه مصلى النساء وتحيط بالصحن الداخلي مجموعة من الأروقة المعقودة وست قباب تبرز على مداخل الواجهات. ويتسع المصلى الرئيسي ل6500 بينما تبلغ سعة مصلى النساء 750 مصلية. استخدم في البناء الحجر الرملي الأبيض المائل الى الصفرة لكساء مباني حرم الصلاة لتميزها عن الحجر الأرجواني الذي يلبس جدران الأروقة ويعطي هذا التدرج الهادئ العين جمالية متميزة، ووصل عدد قطع الفسيفساء المستخدمة في البناء الى ثمانية ملايين قطعة. وتم استخراج الحجر من من مقالعه الطبيعية في الهند وتم قطعه وصقله ونقشه في مسقط . تسقف فضاءات الاروقة سلسلة من القباب الهندسية المستلهمة من احد المساجد القديمة عُمان، وتنتهي قمة كل قبة بفتحة مسطحة ومربعة لادخال الضوء. بينها يشكل جدران الرواق الجنوبي ساتراً مرئياً مزدوجاً يضم مجموعة من المرافق الوظيفية منها مكتبة تتسع لعشرين ألف مجلد وقاعة للاجتماعات تتسع ل300 شخص. وتنتهي الاروقة بالمآذن الاربع التي ترسم حدود الموقع بارتفاع يبلغ 45 متراً لترمز المآذن الخمس مجتمعة الى اركان الاسلام. وللقبة غشاء مخرم متشابك منمقة خطوطه بشعرية ذهب ويتزين هيكل القبة الخارجية بقشرة من احجار الفسيفساء الذهب مستوحى من القلاع العمانية القديمة. فالجامع يمزج مختلف الحضارات الاسلامية في دمشق والاندلس والعراق وتونس واستخدمت الزخارف الاسلامية في النقوش المحفورة في ابواب المصلى الخشب التي تعلو كل منها آيات قرآنية بخط الثلث وتزداد كثافة الزخارف مع الانتقال من عمارة الخارج الى داخل المجمع وحرمه. وتعتلي جدران المصلى شبابيك الزجاج الملون بتقاسيم هندسية. رصفت أرضية المجمع ببلاط الرخام بترتيب هندسي ابتداء من ممرات العبور الجنوبية والاروقة حتى مدرجات الحدائق. وصمم بلاط الصحن الخارجي بمقياس وحدة سجادة الصلاة. ومن مقومات الجمال في هذا الجامع السجادة العجمية التي تفرش بلاط المصلى بقطعة واحدة تبلغ أبعادها 60 في 70 متراً وتغطي مساحة 4263 متراً مربعاً، وتتألف السجادة من 1700 مليون عقدة وتزن 12 طناً واستغرق انتاجها اربع سنوات وحياكتها 27 شهراً متواصلاً وتمت عملية تجميع وضبط التوصيل لاطراف السجادة وحواشيها في داخل قاعة المصلى. وحيكت السجادة في محافظة مشهد الايرانية على يد 600 أمرأة. وفي المصلى الرئيسي 35 ثرية مصنوعة من الكريستال والمعادن المطلية بالذهب وتتدلى الثريا الرئيسية من قمة طاسة القبة بقوام يبلغ طوله 14 متراً وقطره ثمانية امتار وتشتمل على 1122 مصباحاً وتزن ثمانية اطنان. وتضم الاروقة مجموعة من القاعات تبلغ 12 وصممت كل قاعة بكوات تحمل طرازاً معمارياً يعود الى حقبة معينة تمثل الفنون المحلية الاسلامية ومن حضارات ما قبل الاسلام ونماذج لاشكال الزخارف المعمارية من الاندلس الى الصين. ويضم الرواق الشمالي قاعة لفنون عُمان والجزيرة العربية يتبعها قاعة الفن العماني ثم فن عمارة المماليك في سورية ومصر يليها قاعة فن الزليج المغربي ثم فنون بلاد ما بين النهرين ومصر القديمة ومن ثم الفن البيزنطي الذي ذاع في عصور الاسلام الاولى. وتبدأ قاعات الرواق الجنوبي بفن بلاد الحجاز ثم الفن الاسلامي الهندي تتبعه قاعة الفن التيموري في آسيا الوسطى ثم الفن الصفوي والفن الاسلامي المعاصر وأخيراً نماذج من الاعمال الاسلامية الفنية الحديثة.