لمسة وفاء.. الدكتور محمد بن عبدالله آل دخيش القحطاني    الهدنة ومصير الحرب على طاولة نتنياهو وترمب الثلاثاء    تقييم صادم للنجم المصري عمر مرموش ومدرب «مان سيتي» يبرر !    أمير الجوف يستقبل قائديّ حرس الحدود بالمنطقة السابق والمُعيَّن حديثًا    "كشتة البديع" تجتذب المزيد من العائلات والأفراد ب 19 فعالية متنوعة    الدولار الكندي لأدنى مستوياته في 22 عاماً    الرئيس السوري يغادر الرياض وفي مقدمة مودعيه أمير المنطقة    الجامعة الإسلامية تُطلق فعاليات "أسبوع البحث العلمي السادس"    أمطار رعدية ورياح نشطة على عدة مناطق    الموارد البشرية: تعديل المدة المسموحة لرفع ملفات حماية الأجور في منصة "مدد" إلى 30 يومًا ابتداءً من 1 مارس 2025    أبو الغيط يأمين الجامعة العربية دعو العلماء العرب لوضع وثيقة لتنظيم الذكاء الاصطناعي بما يتماشى مع المصالح العربية    اليابان تطلق صاروخًا يحمل قمرًا صناعيًا لتحديد المواقع الجغرافية    5 مخاطر صحية تهدد العاملين بنظام المناوبات    90 طالباً يستعرضون بحوثهم الدفاعية في ملتقى جسر    عبدالله آل عصمان مُديراً لتعليم سراة عبيدة    أمير المدينة يرعى حفل تدشين قاعة المؤتمرات الكبرى بغرفة المنطقة    "سلمان للإغاثة" يوزع 500 سلة غذائية في عدة مناطق بجمهورية بنغلاديش    سورية المستقرة    المبعوث الأميركي: نؤيد انتخابات أوكرانية بعد "وقف النار"    توقيع مذكرة تفاهم «الجسر السعودي-الألماني للهيدروجين الأخضر» بين «أكواباور» و«سيفي»    التحليق في عالم متجدد    النصر يتحدّى الوصل والأهلي في مهمة عبور «السد»    في الجولة ال 20 من دوري" يلو".. الصفا يستقبل العدالة.. والبكيرية يواجه الجبلين    الأهلي يعير «ماكسيمان» لنابولي الإيطالي    «باخشب» يتوج بسباق «أساطير رالي حائل الدولي»    وعد من أوناي هرنانديز لجماهير الإتحاد    الذكاء الإصطناعي وإدارة العمليات الطريق إلى كفاءة مؤسسية ناجحة    14 مليار ريال ضمانات تمويل للمنشآت الصغيرة والمتوسطة    العلاقات بين الذل والكرامة    القيادة تعزي أمير الكويت والرئيس الألماني    أمانة جدة تشرع في إشعار أصحاب المباني الآيلة للسقوط بحيي الفيصلية والربوة    6 مذكرات تعاون لتطوير الخدمات الصحية بالمدينة المنورة    محافظ جدة يطلع على خطط المرور والدفاع المدني    مواقف تاريخية للسعودية لإعادة سورية لمحيطها العربي    رصاص الاحتلال يقتل المسنين وعشرات يقتحمون الأقصى    كلنا نعيش بستر الله    التعاقدات.. تعرف إيه عن المنطق؟    من أسرار الجريش    إن اردت السلام فتجنب هؤلاء    أوكرانيا وروسيا تتبادلان الاتهامات بشأن قصف مدنيين    «عاصفة الفئران» تجتاح 11 مدينة حول العالم    ..وتجمع جازان الصحي يتميز في مبادرة المواساة    طريقة عمل ارز بالكاري الاصفر والخضروات وقطع الدجاج    شرطة الرياض تقبض على مقيم لمخالفته نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص    محمد عبده.. تغريدة الفن....!    سمو محافظ حفر الباطن يدشن مؤتمر حفر الباطن الدولي الصحة الريفية في نسخته الثانية    3 أهداف تتنافس على الأجمل في الجولة ال18 من مسابقة دوري روشن للمحترفين    كاد «ترمب» أن يكون..!    على هوامش القول.. ومهرجان الدرعية للرواية    هيئة الترفيه.. فن صناعة الجمال    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية السودان لدى المملكة    القيادة تُعزي رئيس ألمانيا في وفاة الرئيس السابق هورست كولر    أمير تبوك يواسي أسرتي الطويان والصالح    مختص : متلازمة الرجل اللطيف عندما تصبح اللطافة عبئًا    الأسرة في القرآن    ذكور وإناث مكة الأكثر طلبا لزيارة الأبناء    خيط تنظيف الأسنان يحمي القلب    تفسير الأحلام والمبشرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"حركة القوميين العرب بين 1951 و1961": شرارة المواجهة ."العروة الوثقى" في الجامعة الاميركية وعنف ضد مؤسسات يهودية بعد نكبة فلسطين
نشر في الحياة يوم 09 - 04 - 2001

} نبدأ في ما يلي نشر فصول من كتاب جديد عنوانه "حركة القوميين العرب نشأتها وتطورها عبر وثائقها، الجزء الأول 1951 - 1961" يصدر قريباً عن مؤسسة الأبحاث العربية.
وللكتاب ميزات خاصة يجب ان تذكر. فمؤلفاه: هاني الهندي وعبدالإله نصراوي، مؤهلان تماماً لهذه المهمة، فالأول واحد من مؤسسي الحركة الأوائل، والثاني واحد من مؤسسيها الأساسيين في العراق، وقد مارسا أدواراً حزبية ونضالية وتنظيمية وسياسية، تؤهلهما لانجاز هذا العمل. ويستند الكتاب الى قاعدتي التأريخ ونشر الوثائق الأساسية للحركة بالنص، ويتيح سير هاتين القاعدتين معاً، للمحلل والدارس، والمؤرخ، فرصة نادرة لتكوين رأي علمي بالكتاب وبالحركة نفسها، يكون بعيداً عن الذاتية.
وأبرز ما في الكتاب انه يستعرض ولو بسرعة، تاريخ الوعي القومي العربي منذ مطلع القرن حتى تأسيس الحركة في مطلع الخمسينات. ويتضح من خلال ذلك ان الحركة نبت بري بقدر ما كانت الوليد الطبيعي لذلك الوعي التاريخي، وذلك خلافاً لآراء كثيرة كانت ترى في نشوء حركة القوميين العرب مجرد رد فعل على سقوط فلسطين عام 1948 وقيام دولة اسرائيل. وحين يؤرخ المؤلفان لنشاط مارسه استاذ ومفكر جليل مثل قسطنطين زريق، من حيث التأسيس لنوع خاص من التنظيم، ونمط خاص من الفكر القومي المنفتح، مع تدعيم هذا التأريخ بالأسماء والوقائع المبثوثة في أكثر من بلد عربي، فإنهما يقدمان تأريخاً لواقعة استمرت سنوات، وهي تكاد تكون مجهولة في كتب التاريخ الحديث.
اعتمد المؤلفان أسلوب سرد الوقائع، فأديا بذلك خدمة يحتاجها التأليف والتحليل والنقد في هذا الموضوع بالذات، بعد ان مال بعض الباحثين الجدد الى التوجه مباشرة نحو التحليل والنقد، من دون معرفة دقيقة بالوقائع التاريخية، وجاء الكتاب ليسد هذه الثغرة.
تنشر الفصول في ست حلقات أيام الاثنين والخميس والسبت، وهنا الحلقة الأولى:
كان قرار التقسيم شرارة اندلاع المواجهة العنيفة بين عرب فلسطين والغزاة الصهاينة في البداية. ولكن الشهور القليلة التالية حملت تطورات جذرية لتلك المواجهة التاريخية فتحولت الى حرب بين الأنظمة العربية وإسرائيل التي أعلن الصهاينة قيامها كدولة في 15/5/1948 مع نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين. وفي ذلك اليوم دخلت القوات العسكرية النظامية العربية ارض فلسطين لتحررها من دون ان تتفق القيادات السياسية العربية على الهدف، ومن دون تنسيق حقيقي للعمل العسكري المطلوب. وانتهت تلك السنة 1948 بهزيمة الجيوش العربية امام القوات الصهيونية التي دعمتها الكتلتان الدوليتان بقوة، من خلال المساعدات المختلفة، وفي مقدمها الأسلحة والخبراء والأموال.
كان ذلك العام بحق عام النكبة. فيه هزمنا كشعب لم يتح له زعماؤه الفرصة لأن يقاتل، بل تقاتل القادة فيما جاؤوا بينهم. وهزمنا كأنظمة وكمجتمع، حيث نجح غزاة جاؤوا من مختلف بقاع العالم في إقامة دولة لهم على أرضنا، وطردوا مئات الآلاف من أبناء شعبنا من بيوتهم ومدنهم وقراهم أمام أنظار العالم كله، وهزموا جيوشنا، وأذلوا كبرياء الأمة، وداسوا كرامة أبنائها، وأصبحت إسرائيل بعد شهور قليلة دولة حقيقية قوية قادرة ومتميزة تتحكم بالمشرق العربي كله. وبالتالي "ليست هزيمة العرب في فلسطين، بالنكسة البسيطة، أو بالشر الهيّن العابر" - كما يقول قسطنطين زريق - "وإنما هي نكبة بكل ما في هذه الكلمة من معنى، ومحنة من أشد ما ابتلي به العرب في تاريخهم الطويل، على ما فيه من محن ومآسٍ" قسطنطين زريق - "معنى النكبة".
كانت ردود الفعل في الأوساط العربية المختلفة حادة جداً، وإذا كان الاتهام والتشكيك والنقد العنيف يوجه للحكام من "جيلنا الصاعد" فإن المثقفين والسياسيين والأدباء من مختلف الاتجاهات تحدثوا بما هو اكثر من ذلك. فقد طفحت مقالات ودراسات وأبحاث تلك المرحلة بالطعن والاتهام بالعمالة والخيانة تحمل اسماء العشرات من كبار رجالات الفكر والأدب والسياسة العرب.
في تلك السنوات لعب الطلاب دوراً نشيطاً ومهماً في الحياة السياسية العربية وامتلكوا هامشاً كبيراً من حرية القول والتحرك والتنظيم. ومن هنا كان الطلاب يملأون شوارع المدن العربية في المشرق بتظاهراتهم ويعلنون معارضتهم للمسيرة العامة التي انتهجتها الحكومات العربية يومئذ. وكان الطلاب ينادون بنصرة شعب فلسطين ودعمه في كفاحه، ويطالبون بفتح المعسكرات لتدريب المتطوعين الراغبين في القتال في الديار المقدسة وتعبئة طاقات البلاد، وصارخين في وجوه الحكام ان يحترموا أقوالهم ويلتزموا تنفيذ وعودهم للشعب من "أن فلسطين ستبقى عربية ولو أطبقت عليها شعوب الأرض" - كما قال أحد القادة الكبار.
مارس طلاب الجامعة الأميركية في بيروت نشاطاً سياسياً مباشراً. وكانت الحيوية عادت للأوساط الطلابية بعد قيام مجلس نيابي في كل من سورية ولبنان في صيف 1943 وإثر إلغاء أحكام الطوارئ. وكانت جمعية "العروة الوثقى" في مقدم المجموعات الطلابية الفاعلة، واستأنف زريق محاضراته الخاصة لأعضاء حلقات التنظيم مع بدء السنة الدراسية في خريف 1947 إثر تركه العمل الديبلوماسي في الخارجية السورية وعودته الى الجامعة. وقد انتعشت عناصر هذا التنظيم واتخذت "العروة الوثقى" واجهة علنية للعمل القومي العربي. وعرفت تلك المرحلة طلاباً نشيطين في العروة بخاصة مثل: محمد يوسف نجم ومعتوق الأسمر وجورج حبش وتوفيق شخشير وأحمد اليشرطي وعصمت الصفدي فلسطين وعلي منكو الأردن وياسين مغير ونجم الدين الرفاعي وإدمون إلباوي وناجي ضللي وهاني الهندي سورية وعاصم الشيخ وسامي جبر لبنان وعبدالجبار هداوي وطارق الخضيري وأحمد الملاح وهادي الصراف العراق وأحمد الخطيب الكويت وعمر السقاف وزياد الشواف السعودية وغيرهم.
كانت نكبة فلسطين قاسية ومؤلمة، وهي فتحت جراحاً لم يمض زمن على حدوثها. ففي كل عقد من الزمن منذ أوائل هذا القرن يتلقى شعبنا الصفعة تلو الصفعة. فمن محاولات التتريك، إلى التآمر الدولي على تجزئة المشرق، فإلى المشروع الصهيوني الذي حصل على "وضع دولي" بوعد بلفور، الى العشرينات ومآسيها من سحق ثوراتنا في المشرق والمغرب وضياع الأحواز عربستان من دون مواجهة أو مقاومة. وفي الثلاثينات إلحاق الهزائم بثوراتنا في ليبيا وفلسطين ثم سلخ لواء الاسكندرونة. وجاءت الأربعينات لتوقع بنا النكبة، وكانت الضربة الأكبر والأقسى والأشد مرارة وإذلالاً.
وإذا كانت فلسطين تسقط بهذه السهولة فمن يقف دون اندفاع الوحش الصهيوني لعمان ودمشق وبيروت؟ ترى هل كتب علينا ما سبق لسكان القفقاس ان تعرضوا له في النصف الثاني من القرن الماضي حين أباد القياصرة الروس مئات الآلاف من الشيشانيين والداغستان والشراكسة وهجّروا من بقي منهم وطردوهم من ديارهم؟ ام سيكون مصيرنا كالأرمن حيث ذبح الأتراك منهم اكثر من مليون إنسان عام 1915 وطردوا مئات الآلاف منهم الى البلاد العربية؟
كان القلق عميقاً ورهيباً وملأ الخوف نفوسنا من مخاطر المستقبل، وخصوصاً ان الصهاينة اثبتوا جدارة وكفاية متميزتين حين حصلوا على مساندة القوتين العظميين لخدمة مشروعهم الاستيطاني، على ما بين الجبارين من تناقضات. ومن هنا فقد تغير كل شيء فينا فأصبح وجود الصهيونية هو الهاجس الكبير، والنضال لاقتلاع الصهاينة هو محور تفكيرنا ليل نهار. وكنا - كشباب - قانعين ومؤمنين حتى أعمق اعماق عقولنا ونفوسنا بأن هذه الأمة التي واجهت الغزاة منذ أقدم العصور لن تهزم في مثل هذه المرحلة من تقدم الوعي الإنساني والاجتماعي والقومي - على صعيد العالم - بمثل هذه السهولة. فلقد خسرنا معركة وهي معركة مهمة جداً، إذ رسخ العدو رأس جسر في الوطن، ولكن الحرب طويلة وطويلة، ذلك أن هذه الأرض العربية منذ عشرات القرون لم تقبل المشاركة. فهي إما لنا - نحن العرب - أو لأعدائنا. وقد حافظ عليها الآباء والأجداد طوال هذه الأزمان. فماذا سنفعل نحن، أبناء جيل النكبة؟
في الجامعة كان بعضنا من اعضاء حلقات الأستاذ قسطنطين زريق، وقد أفادنا كثيراً بتلك المحاضرات ووسع آفاقنا الفكرية وتحدث معنا كثيراً عن خطورة النكبة. وكان يطرح آراءه ورؤاه من منظور تاريخي، شارحاً لنا أسباب النكبة وسوء أوضاعنا. وردد كثيراً أننا لا نقتل اليهود واليهودية العربية أو الشرقية التي نعرف، بل "كنا نواجه زبدة الحضارة الغربية والنخبة المتميزة في تلك البلاد الأوروبية والأميركية المتفوقة علينا... وبالتالي فليس لنا غير العمل المنظم الصبور المتواصل".
وكان واضحاً في حلقاته الثقافية أنه معني بدوره الفكري والثقافي ويتجنب أي بحث في الشؤون والمسائل السياسية اليومية، وتميز بتواضعه الشديد واحترامه لكل ما يقال ويطرح في تلك الحلقات، كما عرف عنه التزامه الأخلاقي الرفيع وتمسكه بمبادئه وأفكاره.
ولم يكن زريق وحده من تحدثنا معه بهمومنا وقلقنا وتساؤلاتنا، فقد ناقشنا وحاورنا الكثيرين من رجال الفكر والسياسة. ولكن التساؤل العميق والدائم والمقلق يهزنا: "ما هو واجبنا؟ وماذا علينا ان نفعل؟ وهل نقبل بواقعنا وبما هو أمامنا كأمر "مكتوب ومقدّر" أم نتحرك لنقوم بما نستطيع؟
وكان السبيل امامنا ان نلجأ الى العنف بعد أن وجدنا أنفسنا - كجزء من شعب مقهور - اننا الفريق الأضعف في غابة السياسة الدولية، وقد تجرأت كل القوى علينا، حتى اليهود. وتطلعنا من حولنا فوجدنا ان العنف كان عاماً في بلادنا وفي الكثير من بقاع العالم ....
كانت الأجواء السياسية تزداد التهاباً، وتزايدت اعداد الشباب الرافضين لاستمرار تلك الأوضاع في الشرق العربي. وتشكلت "كتائب الفداء العربي" في ربيع عام 1949 من التقاء ثلاث مجموعات شبابية.
تكونت المجموعة الأولى في دمشق من عدد من طلاب الجامعة والثانويات في العاصمة، وتوصلوا الى اقتناع بأن ما جرى في فلسطين يتطلب ما هو أكثر من التظاهرات والهتافات الحماسية والصدام مع الشرطة والدرك. وراح هذا الفريق يتساءل عن جدوى كل هذه النشاطات السياسية فيما العدو يعمل ويبني دولة على أرضنا ويتوسع؟ وما هي النتيجة الفعلية المتوقعة لو استمرت هذه التظاهرات شهوراً أخرى، ذلك ان الحكام العرب لاهون في التفتيش عن مصالحهم ومنافعهم، بل إن بعضهم يعبث بمصير شعبنا ومستقبله ويتآمر مع العدو.
في دمشق كان جهاد ضاحي قطب هذه المجموعة الرافضة. وعرف وإخوانه بتوجههم القومي العربي وحماستهم لتحقيق الوحدة العربية. وكانت قراءاتهم تدور على المسألة القومية والعنف، وقد التقوا عند رفضهم الانتساب الى حزب البعث العربي، الذي كان يركز نشاطه المعارض ضد حكم القوتلي وأعوانه من رجالات الحزب الوطني في شكل اساس.
وكانت المجموعة الثانية تتكون من لاجئين سياسيين شباب تلاحقهم السلطات المصرية لقيامهم بأعمال عنف ضد الضباط والجنود البريطانيين، وكانت هناك أكثر من مجموعة مصرية تعيش في سورية، وكان البارز في هذه المجموعة التي تعاونت "حسين توفيق" الذي اتهم باغتيال امين عثمان باشا من وزراء الوفد البارزين والمعروفين بتعاونهم مع الإنكليز.
وكانت الثالثة مجموعة من طلاب عرب في بيروت، وكانوا من نشطاء "جمعية العروة الوثقى" في الجامعة الأميركية. وكان هاني الهندي على معرفة بالمجموعتين السابقتين، فتم لقاء بعد اتصالات عدة في بيروت في آذار مارس 1949 وكان الحاضرون يومها حسين توفيق وعبدالقادر عامر من مصر وجهاد ضاحي من دمشق وجورج حبش وهاني الهندي. وتكررت اللقاءات في دمشق وبيروت، وكان واضحاً أن التفاهم بين مجموعة جهاد ضاحي وطلاب بيروت سهل وميسور لتماثل المنطلقات الفكرية والسياسية، فيما كان المصريان من العناصر الوطنية الراديكالية التي اعتبرت العنف بنداً سياسياً قائماً في حد ذاته. ولم يكن سهلاً وضع هذا التوجه ضمن تصور سياسي هادف ويستخدم لتحقيق أغراض معينة وفي ظروف ومناسبات محددة. وكان هؤلاء في الواقع، وللإنصاف، أقرب الى أفكار الفوضويين الأوروبيين في أواخر القرن التاسع عشر ...
كانت هناك مسائل فكرية وسياسية وتنظيمية كثيرة استغرق بحثها وإقرارها وقتاً طويلاً في اجتماعات ومناقشات، وخلال تلك الساعات أظهر حسين وعبدالقادر كفاية في الأمور العملية بحكم تجربتهما السابقة، كما أبدى الرجلان، خصوصاً حسين، رغبة جادة في تحسين مستواهما الثقافي ودراسة المسألة القومية وفهمها واستيعابها. ولكن كان للمسائل العملية والتنظيمية طابعها الملحّ.
واجه الشباب مسائل عضوية التنظيم وكيفية انتقاء الأفراد والمواصفات الذاتية المطلوب توافرها، وواجهوا كذلك مسألة التدريب ومكانه، والسلاح، سواء بكيفية الحصول عليه أو تخزينه. إلا أن المشكلة المالية كانت هي الأصعب. وقد اتفق على وجوب ان يدفع العضو اشتراكاً شهرياً يحدد بحسب الدخل الفردي. وأقر مبدأ جمع تبرعات من أشخاص أو أصدقاء قادرين وموثوقين. ورتب حبش، مع زملائه من طلاب كلية الطب "عملية بيع دم" لمجموعة من الأعضاء والأصدقاء في مقابل مبالغ كانت جيدة يومذاك. هذا كما بحث اقتراح بمهاجمة مصارف أو مؤسسات مالية اجنبية معادية، وكانت هناك فروع لمصرف "بنك زلخة" الصهيوني في مدن سورية ولبنان، إضافة الى مركزه الرئيس في بغداد وفروعه في المدن العراقية. وكانت إقامة القياديين في بيروت ودمشق من المشكلات الصعبة التي واجهها العمل.
قررت الجمعية ان مسألة ايجاد حلول للمشكلات التنظيمية والمالية وغيرها امر سيطول كثيراً، وليس هناك شك في ان المشكلات ستبقى تواجه الجمعية طالما انه كان هناك تنظيم يعمل. ولهذا فقد تقرر بعد ان تدربت عناصر في دمشق وبيروت ان "نجرب أنفسنا".
وفي تموز يوليو 1949 وجدت الجمعية ان تسدد ضربة لهدف صهيوني في دمشق، إذ وصلت معلومات عن وجود اسلحة مخزونة في كنيس يهودي في أحد أحياء دمشق القديمة، وأن دوائر الأمن السياسي تعرف بوجود المخزن، ولكنها "لسبب ما" لا تريد مصادرته في تلك الفترة، كما أن أخباراً عن اتصالات بين حسني الزعيم والصهاينة تسربت، وكانت فحواها ان هناك مخططات لإسكان الفلسطينيين الموجودين في سورية مقابل "تعويضات" تقدمها الولايات المتحدة، إضافة الى توقيع اتفاق الهدنة السورية - الإسرائيلية، وإخلاء الجيش السوري في عهد حسني الزعيم لمستعمرة مشمار هايردن حارسة الأردن. ورتبت العملية بعد استطلاع المنطقة، واشتركت عناصر من دمشق وبيروت. فقام ثلاثة بإلقاء قنابل يدوية على الكنيس يوم 5/8/1949 فسقط عدد من القتلى والجرحى. وجن جنون حسني الزعيم، فقامت اجهزة أمنه العسكرية بحملة اعتقالات لعناصر محسوبة على "الهيئة العربية العليا" - جماعة الحاج أمين الحسيني - لكن التركيز انصب على المجموعة الطلابية التي سبق ان قامت بعمليات عنف في دمشق: الميداني ورحمون والرفاعي وغيرهم.
وكانت هناك عمليات اخرى في دمشق وبيروت ومدن أخرى أوردها "قرار الاتهام" الذي أصدره الرئيس النقيب مظهر وصفي "قاضي التحقيق العسكري" في دمشق عند انكشاف امر الجمعية في تشرين الأول اكتوبر 1950.
من الأمور المهمة في سيرة هذه الجمعية افتقاد عناصرها القيادية الوعي المطلوب لقراءة ما كان يجري في الشرق العربي، وخصوصاً في سورية في تلك الفترة العاصفة. ففي هذا القطر كانت هناك ثلاثة انقلابات عسكرية خلال أقل من تسعة أشهر انقلاب حسني الزعيم في 30/3/1949، وانقلاب سامي الحنّاوي في 14/8/1949، ثم انقلاب أديب الشيشكلي الأول في 19/12/1949. وكانت لهذه الأحداث دلالاتها السياسية. ولم تكن سورية وحدها ساحة الصراع الدولي وميدان التنافس والتزاحم، بل كانت بلدان المنطقة عرضة لهذه التيارات العنيفة. ومن ظواهر ذلك العنف المضاد - الذي تولته انظمة الحكم المهزومة - انه تم "اغتيال" ثلاثة من قادة الأحزاب السياسية العربية المعارضة، بل "أعدم" مؤسسوها خلال فترة خمسة أشهر. ففي 12/2/1949 أقدمت عناصر من "البوليس السياسي" التابع للسلطة المصرية على اغتيال حسن البنا - مؤسس حركة الإخوان المسلمين - في أحد شوارع القاهرة. وكان واضحاً أن النظام أعد وخطط لعملية ثأرية بعد ان اغتال أحد أعضاء "الجهاز السري" التابع للإخوان المسلمين، محمود فهمي النقراشي - رئيس الحكومة - لاتخاذه قراراً بحل تنظيم الإخوان ومطاردة قياداته وأجهزته. وفي 14/2/1949 أعدم النظام الملكي في بغداد مؤسس الحزب الشيوعي العراقي "فهد ورفيقيه زكي بسيم ومحمد حسين الشبيبي" بعد محاكمة عسكرية سريعة، بتهمة ان المذكورين كانوا يقودون الحزب ويوجهونه من سجنهم! وفي لبنان أعدمت السلطة انطون سعادة - مؤسس الحزب السوري القومي - في 8/7/1949 بعد محاكمة سريعة لم تستغرق وقائعها إلا ساعات قليلة.
هذه الأحداث السياسية العنيفة لم يتم فهمها واستيعابها من جانب قياديي التنظيم، وخصوصاً من حسين توفيق الذي تولى المسؤولية المالية وكانت له اتصالاته وعلاقاته بعدد من الساسة الوطنيين الدائرين في فلك النظام السوري، ولم يستطع حسين توفيق وزملاؤه أن يدركوا حقيقة هذه الأحداث ودلالتها، فغاب عن أذهانهم ان هذا الغليان السياسي والعنف الرسمي المضاد والهزات الكبيرة كانت مؤشرات على أن بلادنا تعيش مرحلة نتائج النكبة وبداية ظهور تأثيراتها ونتائجها المتوقعة، فاندفعت القوى الدولية والعربية والمحلية تحاول الكسب والسيطرة او تحسين مواقعها فازدادت الأوضاع تأزماً باشتداد الصراع والتنافس على التحكم ببلدان المشرق، وخصوصاً سورية لتأثيرات موقعها وطاقات شعبها وإمكاناتها على التوازن الإقليمي، فكانت سورية هي "الساحة الساخنة" لتلك الصراعات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.