يشيّع اليوم في بيروت المفكر القومي العربي قسطنطين زريق من مواليد دمشق 1909 الذي توفي أول من أمس، وكان آخر ظهور له في الأماكن العامة في حفلة تكريم أقامتها الجامعة الأميركية في بيروت في 28 حزيران يونيو الماضي حيث جلس بين أساتذة كبار منحوا جوائز "بنروز" تقديراً لعطاءاتهم. رجل النهضة العربية وفكرها القومي، لم يحترف العمل السياسي لكن تأثيره كان عميقاً ومستمراً عبر مشاركته في تأسيس هيئات ومؤسسات ك"العروة الوثقى" و"النادي الثقافي العربي" و"مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، وعبر طلاب علمهم في الجامعة الأميركية في بيروت ولعبوا ادواراً في مجتمعاتهم، نذكر منهم جورج حبش وبرهان دجاني فلسطين، جورج طعمة وهاني الهندي سورية، أحمد الخطيب الكويت، حمد الفرحان الأردن، نديم دمشقية ورامز شحادة وهشام نشابة لبنان. تلقى تعليمه الأولي في دمشق وتابعه في الجامعة الأميركية في بيروت ثم في الولاياتالمتحدة الأميركية، وعلّم في الجامعة الأميركية منذ الثلاثينات، كما تولى مناصب عليا فيها، وقد عمل بين 1945- 1947 في السلك الديبلوماسي السوري في واشنطن، وترأس جامعة دمشق بين عامي 1949 و1952. ومن أدبيات الحركة القومية العربية ان قسطنطين زريق أنشأ في منتصف الثلاثينات تنظيماً سرياً سماه "القوميون العرب" وعرف أيضاً باسم "تنظيم الكتاب الأحمر" لأن غلاف برنامج التنظيم كان أحمر اللون. في أعماله الصورة الأنقى للفكر القومي العربي في تجلياته وأزماته، إذ عاش قسطنطين زريق نموّ هذا الفكر ومبرراته ومسؤولياته ومواجهاته وكتب عن ذلك في المراحل كافة، منذ الثلاثينات وحتى التسعينات. وساعده في التأثير كونه مؤرخاً واستاذاً جامعياً يهجس بالدقة والمنهجية والمسؤولية، فإذا كتب عن مسألة محددة، كنكبة فلسطين عام 1948، يعيش تطوراتها ويجد لزاماً عليه ان يتابع الموضوع نفسه في كتاب آخر العام 1967، عام النكبة الثانية. وعلى رغم صعود الأفكار وهبوطها في مسيرة العرب القلقة في القرن العشرين، كان يشدد على مشروعية الفكر القومي كسبيل لا بد منه، مثلما لا بد من نقده وتصويبه باستمرار، لذلك لم تجذبه الماركسية التي اندمجت في غير بلد عربي في صلب الاتجاه القومي وأثرت أحياناً في أولوياته. وقد رافق المفكر الراحل "الحياة" منذ العام 1990 متابعاً على صفحاتها شؤون الفكر والسياسة عربياً ودولياً، وكانت عناوين مقالاته الأخيرة في صيف 1998 ولعلها آخر ما كتب: غاندي أم التسلح النووي؟، "حول انشاء متحف للحياة والذاكرة الفلسطينية"، "شهوة المال والأزمة الآسيوية"، "التحول من الفردية الى الجمالية أهم تحديات العصر"، "شهوة الحق والذكرى ال50 لنكبتنا بفلسطين"... تظهر تمسكه بالأمل على رغم المرارة التي كان يعبر عنها من انزلاق الوضع العربي الى الانحطاط. * نعت الراحل عائلته ومؤسسات عدة، منها: مجلس امناء الجامعة الأميركية في بيروت والمدرسة الأهلية ومؤسسة الدراسات الفلسطينية ومركز دراسات الوحدة العربية. ويوارى اليوم في مدافن كنيسة النياح الأرثوذكسية في رأس بيروت، على ان تقبل التعازي غداً وبعد غد في نادي خريجي الجامعة الأميركية في بيروت من العاشرة صباحاً الى الواحدة ظهراً ومن الثالثة بعد الظهر الى السابعة مساءً أو بالبريد الالكتروني. [email protected]. وقد ترك الراحل أعمالاً كتابية عدة بينها مئات المقالات في دوريات عربية وأجنبية، وشارك في ترجمة كتابين لتيودور نولدكه وابن سكويه، وفي تحرير كتابين بالانكليزية، وانجز تحقيق "اليزيدية قديماً وحديثاً" لاسماعيل بك جول و"تاريخ ابن الفرات" و"تهذيب الأخلاق" لابن مسكويه. ومن أبرز مؤلفاته المطبوعة: "الوعي القومي" 1939، "معنى النكبة" 1948، "أي غد؟" 1957، "نحن والتاريخ" 1959، "هذا العصر المتفجر" 1963، "في معركة الحضارة" 1964، "معنى النكبة مجدداً" 1967، "نحن والمستقبل" 1977، "مطالب المستقبل العربي" 1983، "من بعيد ومن قريب" 1994، "ما العمل؟" 1998. وقد جمعت أعماله الفكرية العامة في أربعة مجلدات أصدرها مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت بالتعاون مع مؤسسة عبدالحميد شومان.