فشلت رزم الحطب المجمعة خلف جورج بوش وتوني بلير خلال مؤتمرهما الصحافي، في اضفاء اي حرارة على العلاقات المستجدة بينهما، وبقي في الأذهان مشهد رئيس الوزراء البريطاني، وهو يضع يديه متردداً في جيبي سرواله ليخفي مظاهر عدم الارتياح في ختام المؤتمر الصحافي في منتجع كامب ديفيد. ووجد الزعيمان الغربيان نفسيهما في مواجهة "عبء" العلاقات المميزة التي كان الرئيس السابق بيل كلينتون ارساها مع بلير، والتي حضرت كضيف ثقيل غير مرغوب فيه على اللقاء الثنائي. ولم يجد بلير وبوش ما يجمع بينهما سوى "معجون الأسنان وحسن زوجتيهما". اما القضايا الفكرية السياسية التي رسخت العلاقة بين رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الأميركي السابق فاختفت تماماً. ولم نسمع خلال المؤتمر المذكور اي اشارة الى "الطريق الثالث" المفترض ان يضيق الهوة بين ليبرالية بلير ومحافظة بوش والذي أمضى بلير وكلينتون ساعات طويلة في البحث فيه. فكلينتون، لسوء حظ بوش، دخل في صلب السياسات البريطانية الداخلية عبر وساطته في ايرلندا، مرسياً لمرحلة ذهبية في العلاقات الانغلوساكسونية. اما بوش فاكتفى بأن ينتظر مكالمة هاتفية من بلير ليتدخل، الأمر الذي أحرج رئيس الوزراء البريطاني وبدا في رده متهكماً وكأنه يقصد ان الرئيس الأميركي الجديد لم يحدد له تماماً نوع المشكلات التي قد تستدعي الاتصال به. وإضافة الى حضور كلينتون الطاغي انتهى اللقاء الثنائي أسير مواقف سياسية لم يستطع بلير ابتلاعها، فالرئيس الأميركي كان تعهد خلال حملته الانتخابية بالحفاظ على المصالح الأميركية باعتماد سياسة خارجية اكثر تواضعاً تعتمد الحوار مع الأصدقاء قبل الشروع في تنفيذ أي قرار استراتيجي، لكن أيامه الأولى في الحكم حملت معها جملة مؤشرات على فردية مبالغ فيها. صحيح ان بوش أيد قوة التدخل الأوروبية السريعة الا انه لم يحظ بتأييد مماثل من بلير في شأن مشروع الدفاع الصاروخي، ما يؤشر الى تحول بريطاني في السياسة تجاه الولاياتالمتحدة. ويبدو ان العراق بقي وحده موضوعاً متفقاً عليه من الجانبين، الى حين اعتماد بوش سياسة واضحة حيال بغداد غير الضربة العسكرية الاخيرة التي ذكرت تقارير اخبارية ان لها ما يبررها عسكرياً، في ضوء حديث عن حصول العراق على تقنيات صاروخية روسية مضادة للطائرات. وينطبق الوصف الذي اطلقه بوش على سياسة العقوبات ضد العراق بأنها كقالب جبن سويسري مليء بالثقوب، على ما قد تؤول اليه العلاقة مع لندن، خصوصاً ان الرئيس الأميركي كما بدا من تصريحات المقربين مندفع الى سياسة اكثر انعزالاً، بينما يعتبر بلير ان وجود واشنطن الفاعل على الساحة الدولية يتطابق مع النظرية الأمنية البريطانية بخصوص ازمات البلقان والشرق الأوسط، وكذلك روسيا التي يطالب مقربون من بوش بوقف المساعدات عنها ومطالبتها باستحقاقات مالية سابقة. وقبل التسليم بفشل اللقاء بين بلير وبوش على الصعيد الشخصي، تبقى الاشارة الى ان ما يجمع بين لندنوواشنطن من مصالح مشتركة أبقى ما ان يعكره مزاج رئيس لم يغادر بلده الا ثلاث مرات من بينها زيارتان الى المكسيك المجاورة.