أمس كان يوماً عادياً في العواصم المغاربية. وباستثناء تبادل برقيات التهاني بين القادة لمناسبة حلول الذكرى الثانية عشرة لتأسيس الاتحاد المغاربي، لم يكن هناك ما يفيد بأن هذا الاتحاد حافظ على وهجه ومركزية استقطابه للانشغالات الاستراتيجية لدول المنطقة. فقد بدأت محاولات خجولة لمعاودة تفعيله، ولا تزال الارادة السياسية القوية غائبة عنها. ومن المفارقات ان دولاً مغاربية، باستثناء الجزائر، انضمت الى تجمع بلدان الساحل والصحراء بحثاً عن تكتل اقتصادي جديد، فيما الأقرب موضوعياً اليها ان يتوازى الاندماج في تجمع الساحل مع مثيله المغاربي الذي يملك كل مواصفات البناء الوحدوي تاريخاً وجغرافية ومصيراً مشتركاً. لكن المفارقات تزيد، اذ نذكر ان مصر التي كانت سعت الى الانضمام الى الاتحاد المغاربي في بداية التسعينات هي نفسها التي انضمت الى تجمع الساحل والصحراء مع مطلع الألفية الثالثة. ولا يعني ذلك سوى ان جاذبية التكتل المغاربي تراجعت، بمقدار ما راكم من خلافات سياسية. بل ان الغيرة التي تملكت المغاربيين حيال مسار مجلس التعاون الخليجي الذي كانوا يعولون عليه قطباً اقتصادياً وبشرياً لدعم الحوار والاتحاد المغاربي خفت بدورها أمام انشغالات محلية لمعاودة ترتيب أوضاع كل بلد مغاربي على حدة. ولا يبدو ان ضعف الموقف التفاوضي للمغاربيين امام بلدان الاتحاد الأوروبي ساعد في اضفاء الحيوية والفاعلية على اتحادهم المتعثر منذ اكثر من خمس سنوات، علماً بأنهم يرددون ان التجربة الأوروبية في الاتحاد أقرب الى التمثل المغاربي. لكن الغائب في المقاربة ان فرنسا والمانيا، بعد نهاية الحرب، شكلتا مركز الاستقطاب في البناء الأوروبي، في حين ان حال العلاقة بين المغرب والجزائر لم ترتق الى هذا النموذج الأوروبي. وليس متوقعاً حصول تطور ايجابي ما لم تنعكس الارادة السياسية في بلورة مصالح الخيار الاستراتيجي. إن اذابة المشاكل في النطاق المغاربي أفضل من ابقائها عائقاً امام الاتحاد، فالموقف حيال التطرف يمكنه ان يتوحد عبر دعم خيار التنمية المتكافئة التي تضع حداً للتهميش وتساعد في عدم انتشار اليأس، وتضافر الجهود المغاربية في اقامة المشروعات ذات المردود الحيوي أحسن من نهج سياسات أحادية. وقضية الصحراء باعتبارها نزاعاً اقليمياً يمكن استيعابها في نطاق تفاهم حول مساندة جهود الأممالمتحدة. في حين ان استمرار اغلاق الحدود واقامة الحواجز أمام تنقل الاشخاص والممتلكات يناقض مسار الانفتاح ورهان التكتل. وليس هناك موضوعياً ما يحول دون تسوية أي خلافات اخرى تحت المظلة المغاربية. وفي حال ثبوت ان الاتحاد المغاربي عاجز عن معالجة هذه الاشكاليات، فلا أقل من الاعلان عن وفاته الطبيعية. والمشكل ان لا بديل امام العواصم المعنية غير الخيار المغاربي، كونه الاطار السياسي والقانوني الذي يمكنه ان يكفل اندماجها في التحولات الدولية، عدا انه يقوي مواقفها التفاوضية مع باقي الشركاء. هذه بديهيات يفترض ان أهل القرار لا يجهلونها. ومع ذلك فإن راهن الأشياء هو ان الاتحاد المغاربي لا يتحرك، فقد يعوزه التفاهم حول قضايا اقليمية، لكن غيابه عن تسجيل مواقف عربية واسلامية ليس مفهوماً، وعند الإقرار بأن هذه المواقف تصاغ في نطاق جامعة الدول العربية أو منظمة المؤتمر الاسلامي يكون لافتاً ان الشرخ يأتي احياناً من عاصمة مغاربية كما في الإبقاء على تطبيع العلاقات الموريتانية - الاسرائيلية. وقد كان في وسع بعض العواصم المغاربية، الأقرب الى بلدان الاتحاد الأوروبي، ان تساعد في تحريك المبادرات الأوروبية ازاء الشرق الأوسط. وهي فعلت ذلك في سنوات الانفراج المغاربي يوم كانت المبادرات تأتي عربياً وفلسطينياً من المغرب أو تونس أو الجزائر. لا تقتصر أضرار تعثر الاتحاد المغاربي على النطاق الاقليمي، بل تنسحب عربياً واسلامياً وافريقياً. لكن مبادرة احياء الاتحاد ستظل مغاربية ويكفي الاشقاء في الشرق أنهم جربوا مرات عدة اعادة الروح الى صفاء العلاقات المغاربية. ومن التشاؤم القول ان ذلك كان بلا جدوى.