وزراء الخارجية المغاربيون ذهبوا الى لشبونة في البرتغال وقبل ذلك الى ياوندي في الكاميرون، لكنهم لم يذهبوا الى الجزائر. في لشبونة كان الحوار أورو-متوسطياً ضمن مجموعة 5"5، وفي ياوندي كان اللقاء افريقياً - فرنسياً في سياق نادي القمة الفرنسية - الافريقية، لكن موعدهم المغاربي في الجزائر المفترض ان ترأس الاتحاد المغاربي، مؤجل الى آذار مارس، في حال لم يحدث ما يعيق الاجتماع. دلالات الأمكنة في هذه التحركات تعكس ميولاً نحو مجاراة الضرورات السياسية. ففي ياوندي سيطر الهاجس الفرنسي في مواقع النفوذ التقليدي لباريس، وفي لشبونة كانت الرغبة في الاندماج في الفضاء الاورو - متوسطي. ولكن في الجزائر كما في اي عاصمة مغاربية اخرى ما زالت الصورة غير مكتملة، وان كانت المعطيات الاقليمية تفيد ان الخيار المغاربي له أسبقية استراتيجية والظاهر حتى الآن ان الحوافز التي تحرك العواصم المغاربية لا تنطلق من ضرورات سياسية واقتصادية اقليمية بمقدار انسياقها وراء التخطيط الاوروبي او الاميركي. فهناك مخاوف دفينة من ان الحوار مع اوروبا يراد لفائدة دولة مغاربية على حساب اخرى، او تضبطه آفاق المنافسة الاوروبية - الاميركية في المنطقة، لكن الغائب في الموقف المغاربي ان ليست هناك تصورات مشتركة حيال نوع تلك العلاقة وآفاقها. حتى حين تعلن العواصم الاوروبية انها تفضل حواراً مؤسساتياً مع بلدان شمال افريقيا في نطاق الاتحاد المغاربي، فان كل عاصمة مغاربية تؤول الكلام بحسب مفهومها لتلك العلاقة. فالمغرب وتونس يسعيان الى تعزيز اتفاقات الشراكة المبرمة منذ سنوات، والجزائر مهتمة بهاجس التلويح الاوروبي بالتدخل منذ اعلان تشكيل قوة اوروبية لهذا الغرض، في حين تراهن ليبيا على حلحلة ازمة لوكربي، بينما يهم موريتانيا اللحاق بالمنظومة المتوسطية. الاصل في غياب الاندفاع اكثر نحو الفضاء المغاربي، ان بناءه على اسس متينة يفرض التزام المصارحة وكشف مناطق الظل التي تحول دون المضي قدماً في دعم الخيار المغاربي. وهذا يتطلب انهاء ملفات عالقة، في مقدمها نزاع الصحراء وتباين النظرة الى تنامي التيارات الاسلامية والانكفاء على ترتيب الاوضاع الداخلية في كل بلد. وفي غياب القدرة على تجاوز هذه الاشكالات يصبح الاجتماع مغاربيا في نطاق اوروبي او افريقي اسهل من اللقاء حول طاولة مغاربية، بجدول اعمال مغاربي محدد الاهداف. وربما جاز اعتبار ان بلدان شمال افريقيا ما زالت اسيرة علاقات تاريخية غير متكافئة في اقرار المصالح المشتركة مع اوروبا، كون نخبها السياسية ونسيج اقتصاداتها متأثرة بما يحدث هناك او على الاصح بما يخطط له الاوروبيون. وعلى رغم تزايد التصريحات حيال اعتبار الاتحاد المغاربي خياراً استراتيجياً، يفترض ان يتبلور في مفهومي الشراكة السياسية والتكتل الاقتصادي، فإن ارضية هذا الخيار لا تعدو كونها نيات حسنة، وما زال على اي من رعايا بلدان الاتحاد ان يحصل على تأشيرة للتنقل بين عاصمة واخرى، وما زالت قوانين التجارة والجمارك وأنظمة التعليم متباينة، بل ان الحذر والتشكيك يغلبان على الاندفاع في طرح المبادرات وإعداد أجواء الوفاق. لا بديل امام بلدان شمال افريقيا من الاتحاد المغاربي، ولامناص من ان يكون الاطار الملائم للحوار مع الاتحاد الاوروبي شمالاً ومع البلدان الافريقية جنوباً ومع مجلس التعاون الخليجي افقياً... ولكن ما بين الرغبة في بلورة المعالم الرئيسية لهذا الخيار، في صورة انفراج سياسي وتعاون اقتصادي ،وبين القدرة على تجاوز المعوقات، يصبح اللقاء خارج المنطقة المغاربية اسهل من التنقل بين تضاريسها.