} تمضي الحكومة الاسرائيلية برئاسة ارييل شارون، باعلانها السلطة الفلسطينية "كياناً يدعم الارهاب" ووصفها تنظيم حركة "فتح" وقوات أمن الرئاسة بأنهما تنظيمان ارهابيان، في مخطط شارون الذي يرمي الى تدمير كل ما انجز من تطبيق لاتفاقات اوسلو وما تلاها وتحقيق الهدف الذي تعذر عليه في بيروت عام 1982 وهو تحطيم منظمة التحرير الفلسطينية وإلحاق هزيمة نهائية بالرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بصفته رمزاً لحركة التحرر الوطني الفلسطيني واعادة التاريخ الى الوراء لنزع الشرعية عن النضال الفلسطيني واظهارها امام العالم كحركة "ارهابية" تستحق اعلان الحرب عليها. وواصلت القوات الاسرائيلية امس اعتداءاتها على مدن واهدف فلسطينية متنوعة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتعتبر قرارات الحكومة الاسرائيلية التي اتخذت بعد ست ساعات من النقاش والجدل الداخلي الساخن وخروج وزراء حزب العمل، الذي وقع زعيمه السابق اسحق رابين على اتفاقات اوسلو مع الرئيس الفلسطيني من جلسة الحكومة قبل التصويت عليها "انتصاراً" لرؤية اليمين الاسرائيلي للصراع مع الفلسطينيين، وان اختلفت الظروف الآن عن تلك التي كانت سائدة قبل 19 عاماً. ومع ان موقف "العمل" يلجم شارون عن تصفية عرفات جسدياً، فإن شارون يرى الفرصة مواتية لتحقيق مراده من خلال تجريد عرفات من دعائم القوة وتحطيم الشعب الفلسطيني بالقصف والحصار والقتل والتركيع غير المشروط. دبت المقاتلات الحربية الاسرائيلية من نوع "اف 16" الرعب والهلع في صفوف مئات الاطفال والتلاميذ الفلسطينيين وسط مدينة غزة الذين فروا على غير هدى يحمل بعضهم بقايا جسد رفيق مقاعدهم الدراسية محمد ابو مرثة 15 عاماً الذي اصابت جسده الغض شظايا الصواريخ التي انهالت على المباني والمنازل على بعد عشرات الامتار فقط من مدرسة معروف الرصافي في اليوم الثاني من الحرب التي اعلنتها الحكومة الاسرائيلية "على الارهاب" والتي شملت قصفا مكثفا في غير مكان في المدن والقرى الفلسطينية ركزت في مراحلها الاولية على رموز السلطة الفلسطينية بما في ذلك مقار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في الضفة والقطاع. وجاءت الغارات الجوية الاسرائيلية على الاهداف الفلسطينية في الوقت الذي اعلن فيه الجيش الاسرائيلي ان حربه من "الجو" ستعقبها "حرب برية ستتسع رقعتها تدريجا في الايام المقبلة"، في محاولة واضحة من شارون للتشبه بالرئيس الاميركي جورج بوش قولاً وفعلاً في ما يتعلق بالحرب التي أعلنها الأخير على افغانستان. وعزلت قوات الاحتلال الاسرائيلي تمهيداً لحربها "البرية" شمال قطاع غزة عزلاً تاماً عن جنوبه وحولت كل قرية ومدينة فلسطينية الى سجن كبير محاط بقوات كبيرة ودبابات مجنزرة ومنعت دخول المواطنين وخروجهم من والى أماكن سكناهم، ودفعت بمزيد من التعزيزات، خصوصاً في محيط جنين وطولكرم ورام الله. واستهدفت المروحيات الاسرائيلية في طولكرم مبنى للقوة 17 ومقر الشرطة الخاصة واطلقت عليها 15 صاروخاً. ووصلت الدبابات الاسرائيلية في رام الله فجر امس الى مسافة خمسمئة متر فقط من مقر عرفات في رام الله. وقصفت الطائرات الحربية الاسرائيلية مقراً لقوات الامن الفلسطينية المحاذي لمجمع عدد من المدارس الابتدائية في مدينة غزة في الوقت الذي شرع فيه مئات الطلبة بالخروج من مدارسهم ما أدى الى اصابة نحو 60 تلميذاً من بين 150 جريحاً اصيبوا جراء القصف الاسرائيلي لستة مقار امنية فلسطينية في غزة وبيت لاهيا وخان يونس لا يبعد احدها عن مقر الرئيس الفلسطيني والمسجد الذي يؤدي الصلاة فيه سوى عشرين مترا، وفي الضفة الغربية اصابت صواريخ مروحيات "اباتشي" الحربية مكتبا للشرطة الفلسطينية داخل مجمع بناية وزارة الداخلية في رام الله لا يفصله عن المكتب الذي كان يعمل فيه عرفات سوى حائط. وافادت مصادر طبية فلسطينية ان اصابات عشرين من الجرحى ومن بينهم امرأة في الشهر السابع من الحمل خطيرة جداً. واعلنت اسرائيل ان عرفات شخصياً لم يكن مستهدفاً "ولكن لأنه مسؤول عن الارهاب، فمن الطبيعي ان تضرب مناطق قريبة منه شخصياً". واعتبر عرفات نفسه القصف الجوي الاسرائيلي المتواصل واعادة احتلال مناطق واسعة من الاراضي الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية دليلا على ان شارون "لا يريد لي ان أنجح في مكافحة الاعمال الارهابية... لانه شارون لا يريد البدء في العملية السلمية". وعاد عرفات وجدد تعهده ببذل مئة في المئة من الجهد لوقف العنف وذلك في مقابلة مع شبكة "سي ان ان" الاميركية. وكانت الدبابات والجرافات الاسرائيلية دمرت تدميراً كاملا مدرج مطار غزة الدولي المدني في ساعات الفجر الاولى أمس في الوقت الذي تحركت فيه آليات الجيش الاسرائيلي الثقيلة لاعادة احتلال مداخل مدن رام الله والبيرة ونابلس وطولكرم وقصفت مروحياته مواقع امنية فيها اضافة الى مدينة سلفيت، من دون ان تواجه بأي مقاومة مسلحة فلسطينية. ووصل هدير المقاتلات والمروحيات الحربية الاسرائيلية ليل الفلسطينيين بنهارهم في ما وصف بأشد ثماني وأربعين ساعة إثارة للخوف والهلع. وحذرت السلطة الفلسطينية على لسان نبيل ابو ردينة مستشار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من "سياسة شارون العمياء" وطالب الولاياتالمتحدة ب"موقف حازم وجدي للجم الحكومة المعتدية". وقال ابو ردينة ل"الحياة" ان الرئيس الفلسطيني يجري اتصالات مكثفة في محاولة لعقد جلسة طارئة لمجلس الامن الدولي ولمؤتمر القمة الاسلامي في أقرب وقت ممكن لوضع حد للعدوان الاسرائيلي. الى ذلك، افادت مصادر امنية فلسطينية ان ناشطي "حركة المقاومة الاسلامية" حماس الذين اوقفتهم الشرطة الفلسطينية، نقلوا من سجنهم في نابلس الى مكان آمن تخوفاً من هجوم اسرائيلي.