} الجوائز تُبدل: نايبول بعد نوبل يختلف عن نايبول قبلها. الجوائز تتبدل أيضاً: بوكر هذه الأيام ليست بوكر ذاتها قبل سنوات، خصوصاً ان هذه الجائزة البريطانية المرموقة تعاني أزمة تمويل. هنا جولة ثقافية حول العالم تعرض لهاتين المسألتين، ولرواية أيان ماكيوان الجديدة، اضافة الى سيرة عن فيفيان اليوت زوجة الشاعر ت.س.اليوت صاحب "الأرض اليباب". بعد أيام من فوزه بجائزة نوبل بدأ فيديادار سوراجبراساو نايبول كتاب خطبة تسلم الجائزة. يبدأ بالكتابة التي تبقى لغزاً والحدس الذي يصمد حتى النهاية، وخلفيته البسيطة والمعقدة في آن. أتى من أسرة هندية ترينيدادية، وكانت "المعجزة الكبيرة" انه استطاع أن يبدأ الكتابة أصلاً. "ما زال القلق حاضراً من أن أفشل قبل أن أبدأ". يقتبس من مارسيل بروست مؤلف "البحث عن الزمن الضائع" ويخالف الناقد الشهير سانت - بوف: "آمن انك اذا فهمت حياة الكاتب الخارجية تفهم الكاتب نفسه. بروست يقول ان هذا هراء. نحن لا نكتب بالجانب الاجتماعي من حياتنا. حتى عندما نكون بصحبة أحد هناك ذات أخرى داخلنا. ما نقدمه في الكتب هو افرازات روحنا الشديدة العمق". فوزه بأكبر الجوائز حلّ عقدته فاكتشف انه يستطيع أن يك كريماً ويتظاهر بما لم يكن. كان يمزح عندما قال ان اصدار الخميني فتوى باهدار دم سلمان رشدي شكل متطرف من النقد الأدبي. "عفريت صغير نهض داخلي وقلت ذلك. لم أعن ما قلت بطريقة قاسية بل أردت المزاح". العفريت الصغير ما غيره كان مسؤولاً أيضاً عن قوله ان النقطة الحمراء في جبين الهنديات تعني "رأسي فارغ". أما اتهام الكثر، ومن بينهم الشاعر الكاريبي ديريك وولكوت، له بالعنصرية فغير صحيح لأنها "حماقة كبيرة" لا يرتكبها الكاتب الجاد. "كتبت بتعاطف كبير عن افريقيا. كانت طريقتي قاسية لكنها حافلة بالشفقة ورؤية المصاعب". لم يرد فوراً على رئيس الأكاديمية السويدية عندما اتصل صباحاً ليعلمه بفوزه لأنه ظن أحداً يمازحه. نادته زوجته نادرة ألفي مراراً قبل أن يقتنع بحقيقة هوية المتصل ويرد عليه. دمعت عيناه وخف شعوره بالسأم. كان أمضى ليلة قلقة ايقظه شجن هائل في نهايتها. أحس بتعب فكري بعد استعادة اعماله: "كأنني شعرت بمشاق كتابة كل تلك الكتب. بدت رحلة طويلة الى درجة سخيفة وشعرت بتعب كبير، كبير، وتساءلت كيف سأتمكن من الاستمرار". كان ذلك بعد شهر كامل من الهجمات على مركز التجارة العالمي في نيويورك. "كيف تستطيع أن تحارب الارهاب اذا عملت مع حلفاء ارهابيين؟ اذا كنت ضيفاً في بلاد ما كيف تستطيع أن تفعل ذلك بمضيفك؟". لا حل إلا بإعادة الاسلام "دين ضمير" وإحكام اليد على الأموال. "اذا اخذ المال يختفي الارهاب". * أهم الجوائز الأدبية البريطانية مقبلة على تغيرات بعدما انتقلت ملكيتها الى سلسلة سوبرماركت "آيسلاند" التي اكتفت بإقامة حفل واحد لتشكو من نفقاتها. هل تشعر هذه انها تورطت حقاً أو انها تحضّر الاعلام والوسط الأدبي لتغييرات مقبلة عندما تقول انها تبحث عن ممول آخر؟ يستهلك حفل العشاء السنوي معظم الكلفة البالغة ثلاثمئة ألف جنيه استرليني وتنحصر قيمة الجائزة بواحد وعشرين ألفاً فقط. يعني؟ العلاقات العامة تأتي قبل الكتاب، وليس هناك مثالي واحد يتهم ويسخر لأنه قد يخسر الدعوة الى العشاء. هموم بوكر لا تنحصر بالبحث عن ممول آخر فحسب بل بالدفاع عن شرفها. الكاتبة آل كينيدي التي كانت حكماً في لجنة الجائزة في 1996 قالت انها ليست أكثر من "هراء أعوج". فالفائز يتحدد "بمن يعرف من، من ينام مع من، من يشتري المخدرات لمن، من متزوج ممن، ودور ايهم؟" اثارت نقاشاً محدوداً دافع فيه منظم الجائزة مارتن غوف واتهم. جائزة غونكور الفرنسية، قال، منحت منذ تأسيسها في 1903 لثلاثة ناشرين خص كل منهم بعضوين في اللجنة. لا دلائل على نفع شخصي أو دعوات لأعضاء لجنة بوكر لكنها لا تخلو بالطبع من الاعتبارات الشخصية، وبعض هؤلاء حريص على سمعته الشخصية ويرفض ادراج بعض الكتب في اللائحة النهائية لئلا يتهم بهبوط المستوى. ويشير غوف الى صعوبة الاختيار الذي يحدث في خلوة خلال حفل العشاء. في 1983 انقسم الأعضاء الأربعة بين "حياة وأزمان مايكل ك" للكاتب الجنوب افريقي ج. م. كوتزي و"عار" للروائي البريطاني سلمان رشدي. كان على رئيسة اللجنة الكاتبة فاي ولدون ان تقرر بعدما نفد صبر الحضور. "رشدي" قالت "لا، كوتزي. لا..." لكن غوف كان اكتفى من التردد وأعلن كوتزي فائزاً. يتأثر الكتاب والصحافيون، اعضاء اللجنة، بعلاقاتهم وأهوائهم ويغلق الكُتاب الباب بأنفسهم لسبب أو آخر. رشدي هاجم في نيويورك "الاغتياب وحب المحارم" في الوسط الادبي الانكليزي، ومارتن آميس فضّل الأدب الاميركي "الواسع، الحر" على أدب بلاده. النتيجة؟ لم يعد رشدي يرشح بعد فوزه بها عن "أطفال منتصف الليل" ولم ينلها آميس مرة واحدة. لا عدالة في كل ما يتعلق بالذوق اساساً، وتبقى الجوائز حوافز متواضعة للكتاب الذي يطمحون الى الاكتفاء المادي خارج أسر الوظيفة. الاسترالي بيتر كيري الذي فاز ببوكر أخيراً اعتقد انه لن يتأثر في حال فوزه لكنه اعترف ان هورمون الادرينالين غمره عند اعلان فوزه. ارتفعت مكافآته المالية الى ثمانين ألف جنيه بعد نيله جوائز اخرى عن الرواية نفسها، "التاريخ الحقيقي لعصابة كيلي"، وسيحول المخرج الارلندي نيل جوردان الرواية الى الفيلم. ايان ماكيوان الذي نافس كيري على بوكر يعزي نفسه بمبيع روايته "تكفير" الذي يفوق مبيع رواية كيري. * يتحدث ايان ماكيوان عن "لغة الأم" في "عن الرواية في بريطانيا" الذي سيصدر السنة المقبلة. والدته التي "يفرّغ الخرف رأسها" اليوم اعتمدت دائماً لغة شعبية حافلة بالأخطاء وأورثته اياها. لم تمتلك لغتها، يقول، وعاملتها بحذر كأنها ستنفجر في وجهها. خاف كلاهما من الأب السكير واقترب من عالمها في طفولته، وأصغى الى حديثها مع زائراتها عن العمليات الجراحية والسلوك السيئ. ابتعد قدر استطاعته عن البيت منذ بلغ منتصف المراهقة، وصوّر نظرته القاتمة الى الآباء في أدبه ولا سيما منه "حديقة الاسمنت". "أمضيت معظم حياتي أعكس عملية التعليم". في المدرسة طلب من صديقه المفضل ان يصحح اخطاءه عندما يتحدث في الصف فكاد يتسبب بطرد معلم له لظنه ان الصديق الذي ينتمي الى طبقة أعلى يتصرف على نحو فوقي. في الرابعة عشرة قرأ روايات ايريس مردوك وغراهام غرين بتمعن وجاهد ليتخلص من الصيغ واللفظ الخطأ واستخدام نفيين معاً. مرّ في مرحلة نزوح ثقافي مؤلمة واكبت انتقال اسرته الى طبقة أعلى مع ترقي والده من رتبة عريف الى رتبة ضابط، والانتباه المحرج الى اللغة التي يختلف لفظها بين الطبقة الشعبية وطبقة الضباط العليا. واكب كتابته حذر تجاوز الحيرة التي خبرها الكتاب الآخرون الى الشك في سلامتها. تخلص من "لغة الأم" لكنه لم يتخلص من يقظته ازاءها، وعندما امتدح النقاد "صلابة" نثره عزا الفضل الى حذره الذي كان اجتماعياً في أحد وجوهه. قال المدرسون في تقاريرهم انه كان خجولاً الى درجة ميؤوس منها ولم يتكلم الا اذا وجد مع شخص واحد. في كتابته حاول الاقتراب من قارئه "كأنني اردت أن أضع شفتي على اذن القارئ الداخلية". كأنه كان يحاكي حميمية المدرسة الماضية ويخلق دفء امه في الحديث ونغمة الصوت. عزم دائماً كلما زار والدته الا يكون فظاً، صامتاً ونائياً لكن لغة روز اشعرته باختناق دماغه وأجبرته على قطع الزيارة. مع ذلك كرر محاولاته الاقتراب منها، ويرى الآن ان كلامها الخالي من المعنى الحافل بالاخطاء هدف الى القول انها سعيدة بوجودها معه ومشاركتها اياه المرئيات نفسها. المفارقة ان مرضها سيحرمها اللغة أولاً، الأسماء ثم الأفعال، وسيحرمه "لغة الأم" التي جاهد ليتخلص منها. * الكتب عن زوجات العظماء تنتهي بالقاء ضوء أكبر على هؤلاء، و"الظل المدهون: سيرة فيفيان اليوت" لا يشذ. كارول سيمور - جونز ترى زوجة ت. س. اليوت الأولى ضحية نسوية وتعيد الاعتبار الى المرأة الضئيلة الجسم التي هربت من أمها الى اليوت كما هرب هو من والدته اليها. التقيا في حفل راقص في 1915 وتزوجا بعد ثلاثة أشهر في ما يشبه رواية لدوستويفسكي، قال اليوت. لم تكن البداية مُرضية في سرير غطته فيفيان بحرير أسود لتمويه البقع. كانت ذات شهية صحية ولجأت الى الفيلسوف برتراند راسل الذي علّم زوجها في هارفرد، لكن هذا ما لبث أن تركها، فغسل الشاعر يديه من ذنبها قائلاً ان راسل تسبب بجنونها. دامت تعاسة اليوت وفيفيان ثلاثين عاماً، وكان المستفيد الأول شعره الذي كان ذاتياً على رغم كرهه للشخصانية في الأدب. كره ملاحقتها له وانتظارها اياه امام مكتب دار النشر فابر، لكن حياته لم تنته أو تسقط كحياتها. لم تكن شيئاً من دون الشاعر الاميركي الشهير الذي اختار الجنسية الانكليزية بدلاً من العودة الى اميركا ليعلم الفلسفة في هارفرد. أما هو، تقول سيمور - جونز، فوجد سلواه في الجنس المثلي وصحبة الشعراء المثليين الشباب الذين نشر اعمالهم في فابر وسماهم Les boys. فيفيان آمنت بأنه تزوجها ليغطي مثليته وأخذت توقع اسمها كونستانس وايلد، زوجة أوسكار وايلد الذي كان مثلياً أيضاً. تتساءل سيمور - جونز ما اذا كان اليوت دمر عمداً عمل زوجته الأدبي عندما شجعها على السخرية من أدباء جماعة بلومزبري، وكانت فرجينيا وولف منهم، في مقال نشره لها وتسبب بنبذ هؤلاء لها. قضت السنوات التسع الأخيرة في مصح بعد اتفاق بين زوجها وشقيقها، وتزوج سكرتيرته بعد موتها فانتهى شعره مع نيله راحة البال.