} نهار الخميس 11 تشرين الأول اكتوبر الجاري أعلنت الأكاديمية السويدية فوز في. أس. نايبول 69 عاماً بجائزة نوبل الآداب 2001 . صباح الجمعة 12 تشرين الأول الجاري صدرت الصحف في العالم حاملة الخبر على صفحاتها الأولى. بعض الصحف لم يحمل الخبر لا على الصفحة الأولى ولا في الصفحات الداخلية. غاب الخبر عن صحف يابانية مذعورة بسبب اكتشاف حالات جنون بقر في طوكيو. وغاب أيضاً عن صحف مصرية "الأهرام" مثلاً. أما الصحف التي لم يغب عنها الخبر فانقسمت أربع فئات. صحف نشرت الخبر مجرداً من أي تعليق. وصحف احتفت بفوز نايبول. وصحف جمعت الترحيب بفوز نايبول مع الاشارة القلقة الى الطابع السياسي لمنحه الجائزة في هذه اللحظة بالذات. وصحف شنت هجوماً شرساً على اختيار الأكاديمية السويدية. انقسم العالم كالعادة أمام نوبل. لكن في هذه المرة كانت معارضة بعض الصحف العربية هي الأقسى، وكان السبب الأول للاعتراض سياسياً. المفارقة في هجوم الصحافة العربية على قرار الأكاديمية منح نايبول جائزة نوبل تكمن في غياب كتب نايبول عن المكتبة العربية. كاتب من جزيرة ترينيداد في البحر الكاريبي ولد عام 1932، وترك الجزيرة الى بريطانيا عام 1950، وبدأ ينشر قصصه ورواياته بالانكليزية منذ عام 1957، وجاءت اليه الشهرة في وقت مبكر مع رواية "منزل للسيد بيسواس" 1961، ثم نال جائزة بوكر عام 1971 عن كتاب ضم رواية قصيرة وأربع قصص عنوانه "في دولة حرة"، واستطاع خلال السبعينات والثمانينات ان يوطد انجازه الأدبي بمزيد من الروايات، ومن أدب الرحلات، هذا الكاتب شبه مجهول بين قراء العربية، ان لم يكن مجهولاً تماماً. عام 1998 تسلل اسمه الى الصحافة في بلادنا بعد أن نشر كتاب رحلات الى دول اسلامية غير عربية. أثار الكتاب الموسوم "ما وراء الايمان" ردود فعل غاضبة بين مفكرين عرب يعيشون في الغرب، بعضهم مترجم ومعروف وصاحب سلطة في أوساط القراء العرب ادوارد سعيد مثلاً. كان نايبول يكرر في هذا الكتاب تجربة قديمة لقيت نقداً مماثلاً تعود الى عام 1981، حين نشر كتابه "بين المؤمنين"، وموضوعه رحلات الى البلدان نفسها: ايران، أندونيسيا، باكستان، وماليزيا. ذلك الكتاب القديم هاجمه ادوارد سعيد آنئذٍ، وهاجمه فؤاد عجمي أيضاً في مجلات أميركية بينها "نيويورك ريفيو أوف بوكس". هذان الكتابان، والآراء "شبه العنصرية" التي يدلي بها نايبول، هما المحرك الرئيس للهجوم على اختيار نوبل. لكن نايبول هو نايبول. والنقد الذي يوجه الى موقفه السياسي يمكن أن يوجه أيضاً الى أدبه المشبع بالمواقف السياسية. أراد ألفريد نوبل في وصيته أن تكون الجائزة عاملاً للتقريب بين الثقافات، ولبناء الجسور. هل يخدم نايبول هذا الطموح؟ الكويت "الرأي العام" الكويتية حملت الخبر على الصفحة ما قبل الأخيرة تحت عنوان: "السير نايبول جعل بريطانيا ثالثة الأكثر فوزاً بنوبل للأدب"، ولم تصطدم الصحيفة بكتبه عن الاسلام بل أشارت اليها في شكل عابر. "السياسة" حملت الخبر على الصفحة الأخيرة بعنوان خبري محايد: "نايبول يفوز بجائزة نوبل للآداب" والخبر منقول عن الوكالة الفرنسية. أما "الأنباء" فلم تحمل الخبر. وكذلك "الرياض" السعودية. لبنان معظم الصحف اللبنانية نقلت الخبر على الصفحات الأولى. "المستقبل" اضافة الى الخبر على الصفحة الأولى خصت نايبول أيضاً بصفحتها الثقافية كاملة: مقال هو مدخل الى أدب الكاتب، وترجمة لرسائل من كتابه الأخير. عنوان الصفحة جاء احتفالياً: "المتوغل في الذات وفي الأمكنة بحثاً عن الجذور والتواريخ والمصائر الكبرى المنسية". وعلى رغم الاشارة الى مقال ادوارد سعيد الهجومي على نايبول المنشور عام 1998، فإن الطابع العام للصفحة جاء مرحباً بحصول نايبول على الجائزة، وهو الذي جرى وصفه على الصفحة الأولى من الصحيفة ذاتها ب"البريطاني". "النهار" نقلت الخبر عن الوكالات، و"الأنوار" فعلت أمراً مشابهاً، وكذلك "الكفاح العربي"، مع مقال احتفالي عن نايبول في هذه الأخيرة غطى ثلثي الصفحة الثقافية. "السفير" قدمت موقفين: الأول حيادي ينقل الخبر، والآخر هجومي. الصفحة الأولى حملت الموقفين معاً. الموقف الأول منقول عن الوكالات. والثاني الهجومي عبارة عن افتتاحية عنوانها: "نايبول، فوكوياما: استفزاز مضاعف". والافتتاحية بدأت هكذا: "منح جائزة نوبل للآداب الى في. أس. نايبول استفزاز. ليس أقل من ذلك. انه، ببساطة محاولة لاثبات ان اسامة بن لادن على حق، ولو بالمقلوب". أما نهاية الافتتاحية فهكذا: "ملاحظة: منح نايبول جائزة في اسرائيل. وصل لاستلامها. أهين في المطار بسبب لونه. غادر محتجاً. زاد شتائمه للعرب والمسلمين". صحف لندن العربية "الشرق الأوسط" التي تصدر في لندن، حملت على الصفحة الأولى عنواناً حازماً: "جائزة نوبل للآداب لكاتب من ترينيداد معاد للاسلام". وفي الخبر: "قبل عشرة أيام فقط اتهم نايبول... الاسلام بأنه أسوأ من الاستعمار لأنه يلغي ذات الفرد... وتوقع كثيرون في الغرب أن تحجب عنه جائزة نوبل المرشح لها منذ سنوات والتي من شروطها أن يتحلى النتاج الأدبي بقيمة انسانية متميزة. لكن الأكاديمية السويدية فعلتها مرة أخرى، وفي توقيت ربما يكون الأسوأ في تاريخها". النبرة ذاتها حملها عنوان الخبر على الصفحة الأولى من "الحياة": "نايبول الفائز بنوبل الأدب اشتهر بعدائه للعرب والاسلام". وفي الصفحة الثقافية مقالان: الأول عن "جائزة نوبل... منحازة"، والثاني استعادة لمقال ادوارد سعيد المكتوب عام 1998 عن كتاب نايبول: "ما وراء الايمان". "القدس" الصادرة في لندن أيضاً جعلت عنوان المقال في الصفحة الثقافية: "كاتب يحول الغضب سرداً ويعبر عن السخرية الكامنة في الأحداث" وهذه عبارات منقولة من بيان الاكاديمية السويدية. وجاء في المقال: "خبر فوز نايبول بنوبل جاء مزدوجاً، فمع الاعجاب الذي أحمله لأعماله خاصة تلك اللغة الساحرة... الا انني لا أعجب بنبرته المتعالية". فرنسا صحيفة "لو موند" وضعت العنوان الآتي: "في. أس. نايبول، لغز الوصول". والعبارة الأخيرة "لغز الوصول" عنوان رواية لنايبول صدرت عام 1987 واعتبرها بيان لجنة الأكاديمية السويدية تحفة نايبول الأدبية، إذ يقدم فيها على "زيارة حقيقة انكلترا كمثل أنتروبولوجي يدرس قبيلة بدائية غير مكتشفة في أعماق الغابات". المقال في "لو موند" استعاد ايام نايبول الأولى في انكلترا، عام 1950، حين غادر بيت أهله وجزيرة ترينيداد عابراً الأطلسي للدراسة في جامعة أوكسفورد. أحسّ نايبول وهو يراقب سرب بطّ يقطع الطريق في ولتشاير انه يعيش في احدى روايات توماس هاردي. لكن كاتب المقال لم يخفِ استغرابه منح نايبول الجائزة في هذه الظروف بالذات، وفي مرحلة توتر يحضر فيها الحديث عن صراع الحضارات والأديان، وهو صراع لا يلعب نايبول فيه أي دور مهدئ أبداً. "لو فيغارو" تحدثت عن شفافية نايبول، واستعادت المقارنة بين أدبه وأدب جوزيف كونراد وهذه مقارنة تتكرر منذ سنوات، وبيان الأكاديمية يستعين بها في شرح أسباب منح الجائرة لنايبول. "ليبراسيون" وضعت عنواناً: "نايبول، نوبل من عالم متداعٍ"، وكتبت ان منحه نوبل ليس، مفاجأة، فاسمه يتردد في كل سنة كأحد الكتّاب الأقوى حظاً في الحصول عليها، حتى ان ناشره الفرنسي ما عاد يصدق امكان فوزه! ويتحدث كاتب المقال عن آراء نايبول المستقلة وفلسفته المتشائمة، ويذكر رحلاته في البلاد الاسلامية والخلاصات التي يصل اليها. الصحف الانكليزية "الدايلي تلغراف" كتبت تحت عنوان "في. أس. نايبول يفوز بجائزة نوبل للآداب" الآتي: "سير فيديا نايبول، الذي فشل في بلوغ اللائحة النهائية لجائزة بوكر التي تعلن نتيجتها الاسبوع المقبل، فاز بجائزة أكبر بكثير في الأمس: جائزة نوبل الآداب، وقيمتها 650 ألف جنيه استرليني. هكذا ينضم الى أمثال سارتر، بيكيت، كيبلنغ، شتاينبك، سولجنستين، وآخر انكليزي فاز بنوبل: ويليام غولدنغ عام 1983...". كاتب المقال وصف نايبول بالشخص المعروف بالبرود تجاه الغرباء، والمعروف، بنقده القاسي للطموحات السياسية للاسلام. وأشار الى قول السيد اندغال من الأكاديمية السويدية ان تكريم سير فيديا في ظل هذه الظروف قد يكون "حساساً" سياسياً. "الغارديان" غطت الحدث سريعاً. 3 مقالات إضافة الى نشر مقتطفات من أعمال الفائز. مقال المحررين في "الغارديان" ركز على رواية "بيت للسيد بيسواس" 1961، وذكر "لغز الوصول" بصفتها الرواية التي خصّها بيان الاكاديمية بكلمة "تحفة" Masterpiece. وفي المقال كلمات من الكاتب الانكليزي مارتن ايمس في مديح نايبول وخيار لجنة نوبل. وأوردت "الغارديان" ان اللائحة النهائية للمرشحين وهذه افتراضات وليست حقائق ضمت خمسة أسماء هي، إضافة الى نايبول: الاسرائيلي عموس أوز، والافريقي الجنوبي كو وتزي، والكندية مارغريت اتوود، والأميركي فيليب روث. واستعادت "الغارديان" الضجة التي سببها كلام نايبول مطلع الشهر حول تأثير الاسلام في العالم ومقارنته الاسلام بالكولونيالية. مقال آخر في "الغارديان" حمل عنوان: "حلم نوبل يتحقق بالنسبة الى نايبول"، وركز على حملات نايبول على الاسلام، وعلى فورستر، كاتب انكليزي صاحب "الممر الى الهند" وعلى توني بلير رئيس الحكومة، إضافة الى خلافه مع "تلميذه" الكاتب الاميركي بول ثيرو... وثيرو ألَّف كتاباً عن الصداقة الطويلة التي جمعته بنايبول بعنوان "في ظل سير فيديا" 1998، وهي صداقة انتهت الى قطيعة. وفي "الغارديان" أيضاً مقال عنوانه: "رؤيا هبوط الليل تزداد ظلمة" يقدم نقداً لاختيار الأكاديمية، مستعيداً وصية ألفرد نوبل بتكريم صوت "مثالي الميول"، ومتسائلاً الى أي حد يجوز مطابقة نايبول على هذا المعيار! كاتب المقال يُسمى ديريك والكوت، وادوارد سعيد، وشينوا أتشيبي، بين نقاد نايبول المعترضين على مواقفه السياسية المتطرفة، ويقرر أن أفضل ما أبدعه نايبول يعود الى المرحلة الأولى من حياته، مرحلة الستينات، بما في ذلك تحفته "بيت للسيد بيسواس". أميركا وراء الأطلسي، الى الشمال من الكاريبي حيث الجزيرة التي كانت وطن طفولة نايبول، ركزت الصحف الاميركية على "النظرة العالمية" في أعمال الكاتب المولود في ترينيداد، البريطاني الجنسية. "يو. أس. اي. توداي" بدأت مقالتها بالحديث عن أسفار نايبول في "الهند وافريقيا وايران وأماكن أخرى". "واشنطن بوست" جعلت عنوانها: "فوز نظرة عالمية: عابر الكوكب نايبول يحصد جائزة نوبل للآداب". "لوس انجليس تايمز" كتبت في السطور الأولى من مقالها: "نايبول، 69 عاماً، ولد على جزيرة ترينيداد من أهل بأصول هندية وانتقل الى بريطانيا قبل أكثر من خمسين عاماً. وهو يكتب بالانكليزية عما يسميه مجتمعات "نصف متكونة" في الكاريبي والهند وافريقيا وآسيا". "واشنطن بوست"، و"لوس انجليس تايمز"، و"يو. اس. اي. توداي"، ركزت على موقف نايبول من الأصولية الاسلامية، خصوصاً في كتبه عن رحلاته الى ايرانوباكستان واندونيسيا وماليزيا. واستعادت الصحيفة الأخيرة الجدل السياسي الذي دار حول فوز الصيني غاو كسينغيان، والايطالي داريو فو، والألماني غونتر غراس، بالجائزة ذاتها في السنوات الماضية. خلاصة في كل هذا الجدل العابر قارات العالم طغى العنصر السياسي على النقاش. السؤال الذي طرحه الجدل أعلاه كان: هل من المناسب "سياسياً" منح نايبول جائزة نوبل، خصوصاً في هذه الفترة الحرجة؟ هناك سؤال آخر، والمفارقة أنه يغيب تماماً، وهو: هل من المناسب "أدبياً" منح نايبول جائزة نوبل؟ هذا هو السؤال الأهم، إلا إذا نزعنا عن نوبل قيمتها الأدبية: هل يستحق نايبول، بانجازه الأدبي كما نعرفه، جائزة نوبل؟ رواية مثل "بيت للسيد بيسواس" 1961 هل تعتبر "احدى تلك الروايات" غير العادية التي تبدو وكأنها تحوي "عالمها الخاص الكامل"، كما رأى أعضاء الأكاديمية السويدية؟ 18 عضواً يجتمعون كل يوم خميس للنقاش. النقاش يحتاج الى أن يبدأ من هذا السؤال: بعد قراءة أدب نايبول، هل ينتابنا احساس اننا أمام أعمال يجب أن تُقرأ مراراً وتكراراً؟ توصل الأقدمون الى هذا التعريف للأدب الحقيقي، الأدب الذي يبقى، الأدب الكلاسيكي: الأدب الكلاسيكي أدب يُقرأ أكثر من مرة واحدة، ويُقرأ في كل مرة جديدة بمتعة جديدة. الى أي حد ينطبق هذا على أعمال نايبول؟ استطاعت نوبل حتى اليوم - وفي معظم السنوات - ان تلبي هذا الطموح. أثار اختيارها الصيني غاو كسينغيان في العام الماضي لغطاً. لكن "جبل الروح" 1990 رواية تقرأ مرات. وفي هذا ما يثبت صواب اختيار الأكاديمية. لكن ماذا عن أدب نايبول؟ هل أصابت نوبل الهدف هذه المرة؟