مثل الجنرال المتقاعد بول اوساريس، وهو اول عسكري فرنسي يقر بممارسته التعذيب باعتباره تقليداً شائعاً خلال حرب الجزائر، امس امام محكمة باريس الجزائية التي تتولى محاسبته على مدى ثلاثة ايام على اقواله وليس على افعاله. ويواجه اوساريس 83 عاماً تهمة الادعاء بارتكاب جرائم حرب، في الكتاب الذي اصدره في ايار مايو الماضي بعنوان "الاجهزة الخاصة - الجزائر: 1955-1957"، ويدافع فيه عن التعذيب والاعدامات السريعة التي اقدمت عليها القوات الفرنسية خلال الحرب الجزائرية. ولا يخشى اوساريس تعرضه لأي ملاحقة قضائية نتيجة اقراره بقيامه شخصياً بتعذيب عدد من المعتقلين في منطقة فيليب - فيل ثم في منطقة الجزائر خلال الحرب، نظراً الى ان قانون العفو الصادر عام 1968 يشمل كل الانتهاكات المتعلقة بالاحداث الجزائرية. وتركز كلام اوساريس امام المحكمة على الدوافع التي دفعته الى تناول ممارسات القوات الفرنسية في الجزائر منذ بداية حرب الاستقلال حتى توقيع معاهدة "افيان" عام 1972. وأوضح اوساريس للمحكمة ان هناك ما يسمى "بواجب التحفظ، الذي يمكن ان يستخدم احياناً لاخفاء عمل جبان"، وهناك "واجب الشهادة" وان هذا الواجب هو الذي حمله على كسر الصمت الذي كان يلف فترة الحرب الجزائرية واعداد كتاب في شأنها. وكان سبق بدء محاكمة اوساريس صدور الجزء الثاني من كتابه حول حرب الجزائر، الذي يسرد على غرار الجزء الاول الوقائع اليومية الدامية للحرب الجزائرية، ببرودة فائقة وبعيداً من اي شعور بالندم. ويواجه اوساريس في حال ادانته من قبل المحكمة عقوبة السجن لمدة قصوى تبلغ 5 سنوات وغرامة مالية بقيمة 300 ألف فرنك. وكانت الاعترافات التي ادلى بها عبر كتابه وقبله عبر مقابلة اجرتها معه صحيفة "لوموند" أثارت جدلاً واسعاً في فرنسا، حول ضرورة القاء الضوء على تفاصيل الحرب الجزائرية التي مضى عليها حوالى 40 عاماً. لكن السلطات الفرنسية فضلت عدم مواجهة الارباك الذي قد يترتب على ذلك، واعتبرت ان المسؤولية عن ذلك لا تقع على عاتق سجين وانما على عاتق المؤرخين. وكاد هذا الجدل يتسبب بتوتر في العلاقات الفرنسية - الجزائرية، بعد ارتفاع اصوات فرنسية بالكشف عن الانتهاكات التي ارتكبت خلال حرب الجزائر من قبل الجانبين. في غضون ذلك، اقتصرت الاجراءات المتخذة بحق اوساريس، على تجريده من وسام جوقة الشرف وتجميد التعويضات التي يحظى بها بصفته ضابطاً متقاعداً. وعلى رغم قانون العفو الذي يتعلق بجرائم حرب الجزائر، توجد امام القضاء الفرنسي حالياً شكاوى عدة ضد اوساريس بتهمة "ارتكاب جرائم ضد الانسانية". ويدرك اصحاب هذه الشكاوى وهم من ذوي ضحايا الاعدامات السريعة والتعذيب، ان الأمل معدوم بامكان محاسبة اوساريس وسواه من المسؤولين عن هذه الممارسات، لكنهم يرون فيها وسيلة للتعبير عن مشاعر الأسى والغضب التي تتملكهم.