شكك اقتصاديون أميركيون للمرة الأولى في إمكانية حدوث الانتعاش الاقتصادي المأمول قريباً، مؤكدين أن الاقتصاد الأميركي مقبل على مرحلة طويلة من الأداء الهزيل حيث سيكون النمو في الناتج المحلي السنة المقبلة أكثر ضعفاً منه السنة الجارية وسيرتفع معدل البطالة بشكل ملموس فيما ستنكمش أرباح الشركات ويتراجع نمو الانفاق الاستهلاكي الذي يشكل ثلثي الناتج المحلي. وقال غيل فوسلر كبير الاقتصاديين في مؤسسة الدراسات الأميركية "كنفرس بورد" في عرضه لتقرير جديد أول من أمس أن الفصل الرابع من السنة الجارية سيشهد إنخفاضاً في اجمالي الناتج المحلي، معرضاً الإقتصاد الأميركي لخطر الإنزلاق في الركود الحادي عشر له منذ الحرب العالمية الثانية. وأشار فوسلر إلى أن الناتج المحلي الأميركي سينمو السنة الجارية بمعدل سنوي لايزيد على 1.1 في المئة لكن هذه النسبة المتدنية ستنخفض من جديد إلى 0.9 في المئة فقط السنة المقبلة، ماسيعني أن الإقتصاد الأميركي سيواجه درجة أقل حدة من التباطؤ لكن الإنتعاش سيكون أيضاً أشد ضعفاً مما كان متوقعاً وأطول مدى. وإعترف الإقتصادي أن توقعات مؤسسته تتناقض مع مايشبه الإجماع لدى الإقتصاديين والمؤسسات، ومن ضمنها صندوق النقد الدولي، التي توقعت أن يشهد الإقتصاد الأميركي تباطؤاً حاداً السنة الجارية يتبعه إنتعاش قوي بداية السنة المقبلة بمساهمة من الخفوضات المتعددة التي أحدثها مجلس الإحتياط الفيديرالي المصرف المركزي الاميركي على سعر الفائدة الأساسي منذ بداية السنة الجارية وخفض الضرائب. إلا أن المؤسسة، على النقيض من غالبية المؤسسات الأخرى والإقتصاديين، بنت جزءاً مهماً من توقعاتها على الآثار الناجمة عن هجمات 11 من أيلول سبتمبر الماضي على نيويورك وواشنطن، سيما ما يتعلق بنشاط الشركات الأميركية وقطاع الأعمال ككل، علاوة على رصد حركة جملة من المؤشرات الرئيسية التي تتخصص في تحليلها ضمن تقاريرها الدورية عن آفاق الإقتصاد الأميركي. وقال فوسلر: "على رغم تعافي الإقتصاد الأميركي من الصدمة السيكولوجية التي أحدثتها الهجمات الإرهابية إلا أن قطاع الأعمال لازال يواجه أزمة حقيقية تتمثل في الصراع بين حاجته للحصول على قروض ضخمة وبين الأوضاع غير العادية المستجدة في أسواق المال وأوساط المقرضين"، موضحاً أن الهجمات وجهت ضربة مباشرة لأرباح الشركات لتضع ضغوطاً إضافية على رؤوس أموالها العاملة وتزيد مخاطر الإقراض وكلفة القروض وتخفض مستويات السيولة لدى المقرضين التقليديين مثل شركات التأمين. وحسب تقرير المؤسسة سينخفض الإنفاق الرأسمالي لقطاع الأعمال بنسبة 3.7 في المئة السنة الجارية وبنسبة 5.5 في المئة السنة المقبلة وستراوح أرباح الشركات بين التسطح والإنخفاض الشديد بينما ستفقد الحوافز الإقتصادية المتمثلة في خفض الضرائب وأسعار الفائدة وزيادة الإنفاق الحكومي جزءاً من فوائدها بسبب إرتفاع نفقات قطاع الأعمال كنتيجة لإزدياد تكاليف النقل والتأمين والإجراءات الأمنية وأمور أخرى. وأفاد التقرير أن نسبة النمو المتوقعة في إنفاق المستهلكين ستبلغ 2.8 في المئة السنة الجارية و1.3 في المئة فقط المقبلة حين سيرتفع معدل البطالة إلى ستة في المئة مقارنة بنحو 4.5 في المئة في الوقت الراهن. لكن فوسلر أكد أن التحدي الذي يواجه الإقتصاد لايكمن في المستهلك بل في مشكلة السيولة التي يعانيها قطاع الأعمال وأخذت أبعاداً تاريخية. ولفت إلى أن مشكلة السيولة بدأت قبل الهجمات لكنها تفاقمت لاحقاً بسبب إزدياد المخاطر المالية، مشيراً بشكل خاص إلى أن الإنخفاض الخطير الذي سجلته أسعار الأسهم في أسواق المال الأميركية وبلغت خسائره حتى الآن زهاء خمسة تريليونات دولار أضعف قاعدة الأصول التي تدعم الحاجات الإقتراضية للشركات. وكانت المؤسسة أعلنت أن مؤشرها المجمع الذي يتألف من عشرة مؤشرات إقتصادية رئيسية إنخفض بحدة في شهر أيلول الماضي وللشهر الثاني على التوالي، كاشفاً أن قطاعي الصناعات التحويلية والخدمات يعانيان التباطؤ بدرجة كبيرة. كما إعتبرت الإنخفاضين المتتاليين مؤشراً على أن الأداء الضعيف للإقتصاد الأميركي سيستمر السنة المقبلة.