بارقة أمل تلوح في أفق التشكيل العربي، تمثلت في اعادة الاعتبار الى أهمية الدور التثقيفي للمنشورات الفنية المتخصصة، التي تفتقر اليها المكتبة العربية في تواصلها مع الجيل الشاب من الفنانين والقراء العرب. فقد باشرت دائرة الثقافة والإعلام - ادارة الفنون الشارقة - الإمارات العربية المتحدة في اصدار مجلة "الصورة" وهي حولية فكرية تعنى بالفن التشكيلي العربي، حاضره وماضيه وقضاياه، من خلال مساهمة مجموعة من الفنانين والنقاد والباحثين العرب في ابحاث ودراسات مقطوفة من مختلف حقول التشكيل في بلدان العالم العربي. وذلك ضمن مواصفات راقية على مستوى الطباعة والتصميم والاخراج الفني. مجلة "الصورة" في امكانها ان تسد الثغرة الكبيرة التي تركتها مجلة "فنون عربية" بعد توقفها القسري عن الصدور، وباستطاعتها ان تكمل المسار الذي بدأه الشاعر والناقد العراقي الراحل بلند الحيدري، إذا توافرت لها شروط الاستمرار، الا انها باتت واقعاً، بعدما كانت مجرد مشروع حالم اندرج أكثر من مرة، في توصيات الندوات الفكرية التي ترافقت مع البينالات الدولية للفنون التي انعقدت في الشارقة خلال دورات 1993 - 1999. لذلك أخذت "الصورة" منذ اطلالتها الأولى على عالم التشكيل العربي والعالمي، مقوماتها وعناصرها كمولود شرعي لتلك البينالات، حين راحت تلامس الأسئلة المطروحة في دوراتها الخمس، عن تماهي الفن العربي مع الجديد الآتي من الغرب وعلاقته بالتراث والمحلية. ونترصد التحولات الكبرى في نظريات الفن والجمال والشعرية البصرية وفنون الاتصالات والمعلوماتية التي أدت الى تداخل الفنون واختفاء الحواجز التي تفصل بينها. هكذا نجد بأن بعض الدراسات المنشورة تغطي أبرز العناوين والمواضيع التي استقطبت اهتمام الباحثين العرب في مداخلاتهم ونقاشاتهم. كأن ثمة رؤية تترابط حلقاتها بتؤدة ونضج، في مسار حقق خطواته الكبرى عبر اقامة البينالي الدولي وندواته الفكرية، ثم بانشاء متحف الشارقة للفنون التشكيلية، متزامناً مع تأسيس معهد أكاديمي للفنون الجميلة، واصدار كتب فنية وتصوير أفلام وثائقية تتناول أبرز تجارب الفنانين العرب، وأخيراً اصدار مجلة "الصورة" في محاولة لتثقيف العين والفكر معاً، مما يكرس الشارقة مركزاً اختبارياً للفنون الحديثة يتطلع نحو العالمية، فضلاً عن كونها عاصمة للفن التشكيلي في الخليج العربي. هذا الدور الذي تلعبه الشارقة مستمد من تشجيع أميرها الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، وخلف الكواليس فريق عمل متجانس في دائرة الثقافة والإعلام يُحرك تلك النشاطات ويدفعها للتحقيق وفي طليعته طلال معلا وهشام مظلوم ويوسف عيدابي وعبداللطيف الصمودي وسواهم. التوقف عند تسمية المجلة بالصورة، يدفع بادئ الأمر الى التفكير في التعريف الذي ينطبق فقط على اللوحة كعملٍ صرف من أعمال الرسم والتصوير، الاصطلاح المتداول يجعل اللوحة مرادفة للصورة الفنية، مما يعني العكوف تلك المطبوعة عن تغطية جوانب أخرى من التشكيل كالنحت والتنصيب وسواهما! في حين تنفتح آفاق المجلة لتستوعب بين دفتيها، وسائل الإبداع التشكيلي، وتتطرق الى علاقة التشكيل بالعمارة وفضاءات الصورة الفوتوغرافية، والتحولات الجوهرية التي طرأت على نظريات الجمال. فيتضح للقارئ بأن الغاية الحقيقية للمجلة هي دراسة أحوال الصورة الفنية وأحوال التلقي للتشكيل عربياً في زمن العولمة ووسائط الاتصال الحديثة والمعلوماتية، وما لها من انعكاسات على جمالية الصورة في مرحلة ما بعد الحداثة. ولكن هل يكون العنوان هو الاستشراف الأساسي للمرحلة؟ في عددها الأول الذي يوزع خلال ايام أفردت "الصورة" صدر صفحاتها، لعرض أعمال متميزة لبعض الفنانين العرب المخضرمين والشبان، ولدى تأمل التجارب المتعددة الاتجاهات والأساليب يكتشف القارئ أنه أمام معرض صور، لينتقل من ثم الى الدراسة التي تناول فيها أحمد فؤاد سليم موضوع الدلالة أو العلامة وأسس التنظير في الفن التشكيلي، معتبراً اللوحة مجموعة قيم ذات دلالات سيميائية تعددية مستعيناً بأمثلة من التاريخ الكلاسيكي والفن المعاصر. وضمن باب "الرؤى" تندرج أيضاً دراسات حول هوية التشكيل العربي بين العالمية المحلية صلاح صالح واشكالية التواصل مع النص البصري محمد العامري والفنانات العربيات وخصوصية الابداع مي مظفر. ويُجري طلال معلا حواراً شيقاً مع الفنان الياباني "ايماي". وفي حقل التجارب الجماعية، يتعمق عبدالرحمن السليمان في عرض انجازات الجماعة التي أنشأها فنانون من دول مجلس التعاون الخليجي، بعنوان "أصدقاء الفن التشكيلي"، مسلطاً الأضواء على أبرز المعارض واللقاءات العربية، فضلاً عن دراسات أخرى تستعرض الحركة التشكيلية في دولة الإمارات العربية عبدالكريم السيد وواقع الحياة التشكيلية في لبنان زينات بيطار وحاضر التجربة التشكيلية في المملكة العربية السعودية عبدالرحمن السليمان والتشكيل في سورية طلال معلا والفن في مصر ناصر عراق والمسار التشكيلي وفلسفة الاختزال في اليمن عمر عبدالعزيز وجذور الفن في السودان أحمد الطيب زين العابدين والتجارب الجديدة في الفن العراقي ضياء العزاوي. وتفسح "الصورة" مجالاً لإظهار موقع متحف الشارقة كحاضرة ثقافية متميزة في الخليج العربي، عبر انجازاته ومقتنياته من الفن العربي والعالمي. وتتطرق الى مجريات التصوير الفوتوغرافي المعاصر في المشرق العربي شامل كبه، أما في مجال العمارة فيتحدث ياسين النصير عن روحانية فنون الشرق من خلال انجازات الفنان "كاودي" المعمارية في اشبيلية.