"توصل العالم أخيراً إلى التكلم مع الشباب بدلاً من التكلم عنهم"، "نحن هنا لكي نسمع أيضاً"، "من دون رأينا، البرنامج لن ينجح". شعارات رفعها 132 شاباً، تفاوتت أعمارهم بين العشرين والثلاثين، من 111 بلداً من مختلف أرجاء العالم، اجتمعوا وأصدروا توصيات لتكون "من الشباب الى الشباب" في "منتدى الشباب" الذي عقد في لاهاي هولندا تحت عنوان "المؤتمر الدولي للسكان والتنمية - خمس سنوات على القاهرة" ICPD+5 بين 8 و13 شباط فبراير الماضي، ونظّمه المجلس الدولي للسكان WPF، بمشاركة منظمات الأممالمتحدة للسكان UNFPA وبالتعاون مع الحكومة الهولندية. واستفادوا بذلك من تبادل الخبرات في ما بينهم، منطلقين من روحية مؤتمر القاهرة للسكان الذي عقد عام 1994. الجوهر الأساسي لإقامة هذا المنتدى مراجعة التقدم والصعوبات الحاصلة خلال السنوات الخمس الأولى على تطبيق برنامج عمل القاهرة عام 1994، والذي يغطي 20 سنة واعتمدته 179 دولة، ويُعتبر نواة مشروع التكامل والدمج بين مفهومي السكان والتنمية للوصول الى مفهوم جديد للحقوق التي تهدف اساساً الى تلبية حاجات النساء والرجال، بغية الوصول الى اهداف ديموغرافية جديدة. وحثّ إعلان القاهرة هذا، دولاً كثيرة على التغيير في سياستها التشريعية والدستورية في مجال الصحة الإنجابية. وتعزى فكرة تنظيم منتدى للشباب الى ان أغلب الشباب يعانون مشكلات عدة تبقى من المحرّمات، خصوصاً اذا كانت مدرجة تحت عنوان "الصحة الإنجابية والجنسية". وهو فرصة لهم للتعبير عن آرائهم ومخاوفهم. وللمرة الأولى يشاركون في لقاءات الأممالمتحدة لإيصال صوتهم ورفع توصياتهم الى الحكومات وبرامج الأممالمتحدة والمنظمات الحكومية وغير الحكومية الأخرى، لتقديم نتائج هذا اللقاء الى المؤتمر الدولي الذي سيعقد في نيويورك بين 22 و30 آذار مارس الجاري ويشارك فيه ممثلو حكومات العالم، فضلاً عن إيصال هذا الصوت الى الشباب عبر تبادل التجارب والأفكار في ما بينهم. مسودّة عمل "منتدى الشباب" كانت انطلاقاً من العناوين العريضة الآتية: التثقيف، والتنمية الفردية، والصحة الإنجابية والجنسية، والعنف. وتندرج تحت هذه العناوين الأربعة الكبيرة اربعة عناوين فرعية هي: حقوق الإنسان، والجندر النوع وهو يعني ان كل عمل يقوم به كل من المرأة او الرجل يقدر ان يقوم به الجنس الآخر، والحكومات الديموقراطية، ومشاركة الشباب. والسؤال المطروح ما الخطوة المقبلة؟ وما دور الشباب في ذلك؟ تقول راشيل راسل من "الجمعة الأميركية لتنظيم الأسرة"، وهي شابة شاركت في تنظيم المنتدى، "ان هدف توعية الشباب على الصحة الإنجابية والجنسية مهم جداً، لأن من حق كل شاب ان يعرف ويعي لتحديد خياراته وللتخطيط لأسرة سليمة وللشعور بالحماية وإمكان التعبير عن نفسه بحريّة اكبر". فيما ركّزت سونيا سولومون من "الجمعية المسيحية للشابات" YWCA على العنف، معتبرة ان للعنف الجسدي والنفسي تأثيراً مختلفاً في الشباب منه في البالغين. ورأى قاسم نصار عضو الإتحاد العالمي المهتم بالتثقيف، ان على الحكومات والمنظمات غير الحكومية وضع برامج تثقيفية متنوعة باتباع اسلوب "من الشباب الى الشباب"، بينما لاحظت أنوكا فان ايروديجك، من الحكومة الهولندية، ان اهمية المواضيع الثلاثة التي تناولها راسل وسولومون وقاسم هي في تركيزها على "المجموعة"، لكن التنمية الفردية تعتمد على الفرد نفسه، "فكيف يمكننا ان نكون مسؤولين من دون معرفتنا حقوقنا؟". ويأمل هؤلاء الأربعة المشاركون في تنظيم المنتدى، ورفاقهم، بأن ينتقل احساسهم هذا بأهمية المواضيع المطروحة للنقاش الى المشاركين ومن خلالهم الى العالم. ويتفق الشباب المنتدبون لتنظيم "منتدى الشباب" على ان من واجب الشباب انفسهم ان يتحملوا مسؤولية نشر المعلومات التي خلصوا اليها لنشرها في مجتمعاتهم. وفي كلمة الى الشباب عبّرت الدكتورة نفيس صادق المديرة التنفيذية للأمم المتحدة لتنظيم الأسرة، عن مدى سرورها بمشاركة الشباب في أمور السكان والتنمية. وثمّن محمد الآتي من الأردن "تمكن الشباب من اقرار توصيات يعزز من خلالها مفهوم الصحة الإنجابية والجنسية وإقرار توصيات تحترم حقوق المرأة خصوصاً ان حقوقها مهدورة في اغلب ارجاء الوطن العربي". ولأن الكلام على الجنس والصحة الجنسية والعنف لا يزال من الأمور المحرّمة في الكثير من المجتمعات، جاءت مشاركة غالبية الشباب لكسرها، فهاري الوافد من اندونيسيا شارك في المنتدى للحصول على المعرفة والخبرة من المشاركين في شأن تجاربهم وطريقة تعاطيهم مع هذه المواضيع لتطبيقها في اندونيسيا. وشجعت جويل من بوركينا فاسو فكرة قيام منتدى يجمع الشباب من مختلف ارجاء العالم لتبادل الخبرات مع اعتقادها ان هذا المنتدى لم يركز على قضية الجندر النوع والتمييز بين المرأة والرجل. وتوصل الشباب في ختام المنتدى الى اصدار 36 توصية تتعلق بالتثقيف والصحة الإنجابية والجنسية والتنمية الفردية والعنف، متناولينها من الجوانب الاربعة التالية: حقوق الإنسان والجندر والحكومات الديموقراطية ومشاركة الشباب، وهنا ابرزها: 1- الصحة الإنجابية والجنسية: ضرورة تأمين الخدمات الصحية والجنسية للشباب بطريقة صحيحة ومقبولة مع ضرورة المحافظة على الخصوصية وعدم الحكم عليهم من دون تفهمهم، وحث الأهل والمعلمين وقادة الرأي من رجال دين وساسة على التنسيق في ما بينهم للعمل مع الشباب بالتعاون مع وسائل الإعلام، ووجوب مشاركة الشباب في مختلف النشاطات والمؤتمرات المتعلقة بأمور الصحة الجنسية والإنجابية. 2- العنف: انطلاقاً من الإهمال الحاصل لمرضى "الإيدز" وللأطفال الذين يتعرّضون للتحرّش الجنسي، دعا الشباب في توصياتهم الى ضرورة تعزيز برامج تشجع وتثقف الأطفال والشباب والبالغين لحثّهم على التسامح والتضامن ومعرفة الثقافات الأخرى. ودعوا وسائل الإعلام الى اداء دور "ايجابي" في سبيل نشر التوعية عبر اصدار ملصقات توعية وبرامج تثقيفية. 3- التنمية الفردية: طالب الشباب بأن يعاملوا على كل المستويات كشريك اساسي للقادة السياسية والدينية في معالجة الأمور المتعلقة بهم. وطالبوا المنظمات الحكومية وغير الحكومية العاملة في اطار الشباب في الإفساح في المجال امامهم للمشاركة في العمل، ودعوا الحكومات الى الكف عن التمويل المسلح والتوجه الى تمويل برامج التوعية الشبابية. 4- التثقيف: استكمالاً للتوصيات الأخرى دعا الشباب الحكومات الى تضمين المناهج التربوية في المرحل الإبتدائية: التربية على الديموقراطية وحقوق الإنسان في مختلف المجالات خصوصاً في اطار الصحة الإنجابية والجنسية والجندر. وطالبوا بضرورة جعل التعليم مجاناً وإلزامياً لجميع الأطفال حتى سنة الثامنة عشرة. الشباب العرب في أول تحدّ لهم أحد عشر شاباً من عشر دول عربية هي: لبنان وسورية وفلسطين والأردن والبحرين ومصر واليمن وتونس والمغرب والجزائر يمثلون منظمات وهيئات مختلفة تعنى بشؤون السكان والتنمية التقوا في لاهاي وتعاونوا موحدين مواقفهم حيال ما واجهوه من عقبات في المنتدى باعتراضهم عند بدء التصديق على التوصيات الصادرة عن فرق عمل الشباب عن مواضيع التثقيف والصحة الإنجابية والجنسية والتنمية الفردية والعنف، على بعض ما جاء في التوصية الأولى لحقوق الصحة الإنجابية والجنسية الداعية الى وجوب إدخال التربية الجنسية الى المناهج المدرسية كافة، شاملة اللذة الجنسية والخصوصية وحرية التعبير والتوجه الجنسي بما معناه الشذوذ الجنسي. واعترضوا ايضاً على ما جاء في التوصية الصادرة تحت عنوان ديموقراطية الصحة الإنجابية والجنسية ودور الحكومات التي دعا الشباب المنتدون من خلالها الحكومات والمنظمات الأهلية الى تأمين الخدمات للشباب على صعيد الصحة الإنجابية والجنسية بتقديم الإستشارات وخدمات تنظيم الأسرة ووسائل منع الحمل وتأمين الرعاية لمرضى "الأيدز" والأمراض المنتقلة عبر الجنس والسماح لهم بالإجهاض واستخدام وسائل منع الحمل الطارئة اي الإجهاض على ان تقدم هذه الخدمات من الشباب الى الشباب لتزويدهم المعرفة الكاملة ومنحهم فرصة الإختيار. وكان موقفهم المعارض هذا مفاجئاً لمسؤولي المنتدى الذين اعتقدوا ان قلّة عدد الشباب العرب المشارك وعامل اللغة سيقفان عقبة في وجه هؤلاء الشباب، مما دفعهم الى محاولة خرق وحدتهم عن طريق استمالة بعض الشباب اليهم، الأمر الذي دفع بالشباب المعارضين الى اصدار بيان استنكروا فيه بعض ما ورد في هاتين التوصيتين وسلّموه الى ممثلي دولهم في منتدى الجمعيات لإثارته ضمن مناقشاتهم، ولم يتوقفوا عند ذلك، بل أصرّوا على إعادة التصويت على هاتين الفقرتين وعلى حذف عبارة "حرية التعبير والتوجه الجنسي" من التوصية الأولى وعبارة "السماح بالإجهاض واستعمال وسائل منع الحمل الطارئة" من التوصية الثانية. وجاءت نتيجة التصويت لمصلحة بقاء هاتين العبارتين، ولكن اتفق على ذكر ان هناك دولاً مشاركة، تسمى بأسمائها في آخر التوصيات، تحفظت عما جاء في بعض التوصيات. صحيح ان النتيجة جاءت عكس ما يشتهيه شباب الوفد العربي، لكنهم بموقفهم الموحد هذا، اثبتوا انهم على قدر من المسؤولية لتمثيلهم دولهم في منتدى عالمي. فأثبتوا سعة ثقافتهم ولم يدعوا عامل اللغة يقف حاجزاً لتفاعلهم وللتعبير عن آرائهم على رغم من استثناء الترجمة من اللغة العربية وإليها، في المنتدى، بحجة عدم توافر الإمكانات المادية اللازمة، وتوفيرها باللغات الإنكليزية والفرنسية والإسبانية. أرقام وتوقعات لأن مسؤولية تحديد وجه السياسة السكانية للألفية الثالثة تقع على عاتق الشباب، وزّعت منظمة الأممالمتحدة لتنظيم الأسرة UNFPA في "منتدى الشباب" بعض المعلومات والإحصاءات عن امور السكان من حمل وإجهاض وولادة لتكون مرجعاً لهم يستندون إليه في تخطيطهم حياتهم الأسرية المستقبلية. من المتوقع ان يصل عدد السكان في العالم عام 2050 بين 7،7 و1،11 بليون نسمة، وكان بلغ في اواسط العام 1997 85،5 بليون نسمة. ويبلغ معدل التزايد السنوي للسكان 8،1 في المئة في الدول النامية حيث يعيش 80 في المئة من السكان في العالم و4،0 في المئة في الدول المتقدمة. 35،1 بليون نسمة عدد النساء بين 15 و45 سنة في العام 2000 بينهن 950 مليوناً سيتزوجن مما سيؤدي إلى ارتفاع نسبة الحمل غير المرغوب فيه وعمليات الإجهاض، إذ ستبلغ هذه النسبة بين 50 و90 مليون عملية. بين 610 و640 مليوناً من المتزوجين سيصلون الى الاستعمال الصحيح والسليم لوسائل منع الحمل في حال توافر الإرشادات اللازمة وخدمات الصحة الإنجابية والجنسية وتنظيم الأسرة. 125 مليون طفل يولد كل عام في الدول النامية. اكثر من 5،7 مليون منهم يموتون قبل اتمامهم العام الأول و2،3 مليون قبل بلوغهم سن الخامسة. وهذه النسبة العالية في وفيات الأطفال ليست إلا نتيجة للحمل غير المرغوب فيه. واحدة من عشر عمليات إجهاض على الأقل تتم للنساء من عمر 15 الى 19 سنة وأكثر من خمسة ملايين امرأة شابة يخضعن لعملية إجهاض كل عام، و40 في المئة منهن في ظروف صحية غير آمنة حيث يكنّ عرضة للموت. أكثر من مليوني فتاة في مناطق افريقيا وبعض دول آسيا يخضعن للختان وتشويه الأعضاء التناسلية كل سنة لتبلغ نسبة النساء والفتيات اللواتي خضعن لمثل هذه العملية اكثر من 100 مليون امرأة وفتاة.