يهدف مشروع الجينوم البشري الى التعرّف الى التركيب الوراثي والشيفرة الجينية للانسان في شكل كامل، وهو ما يسمى الجينوم. ويشمل ذلك نحو مئة ألف جين، تحتوي نحو ثلاثة بلايين تتابع Sequence للأحماض الأمينية الوراثية. يرمي المشروع الى بناء قاعدة معلومات جينية Genetic Database والى تطوير أدوات ووسائل تحليل للمعلومات الجينية. دعا الرئيس الأميركي بيل كلينتون ورئيس الوزراء البريطاني طوني بلير في آذار مارس الماضي الى جعل المعلومات الجينية "حرة ومفتوحة ومتاحة لكل شعوب الأرض". يشدد المشروع على دراسة الجوانب الفلسفية والاجتماعية والأخلاقية المتوقع ان يثيرها التوصل الى التعرف الى الشيفرة الوراثية الكاملة للإنسان. يعمل المشروع بتمويل مشترك من وزارة الصحة ووزارة الطاقة في الولاياتالمتحدة الأميركية، وكلفته المتوقعة نحو ثلاثة بلايين دولار. تعمل فرق دولية من 18 بلداً، ليس بينها أي بلد عربي، على حل رموز الجينوم. تنتظم هذه الدول في مجموعة "هوغو" HUGO. أي Human Genome Organisationوهي: استراليا والبرازيل وكندا والصين والدانمارك وفرنسا والاتحاد الأوروبي وألمانيا واسرائيل وايطاليا واليابان وكوريا والمكسيك وهولندا وروسيا والسويد وبريطانيا والولاياتالمتحدة الأميركية. ابتدأ المشروع عبر سلسلة ندوات ومؤتمرات عقدت منتصف الثمانينات بمبادرة من روبرت سيسنهايمر جامعة كاليفورنيا للتكنولوجيا وتشارلز دي ليزي وزارة الطاقة. شهد العام 1983 اقامة أول قاعدة بيانات جينية عرفت باسم "جينا بانك" Genabank، وهي أصل قاعدة بيانات الجينوم. عام 1986، دعت وزارة الطاقة الى مؤتمر علمي التأم في مختبر لوس ألموس الشهير، الذي شهد ولادة القنبلة الذرية، حيث أرسيت الأسس النظرية لمشروع الجينوم. في هذا المؤتمر أطلق والتر جيلبيرت، الحائز جائزة نوبل للطب، تعبير "الكأس المقدسة" Holy Grail على مشروع الجينوم. ويشير التعبير مجازياً الى الكأس التي تروي النصوص الدينية للإنجيل أنها حوت قطرات من دم السيد المسيح، ما يجعلها فائقة القداسة والأهمية وقد بُحِث عنها طويلاً. المقصود هو التدليل على أن معرفة الجينوم تشكل هدفاً أسمى للعلم وأنها ركن الزاوية لعلوم البيولوجيا في المستقبل. يشبّه الخبراء التعرف الى الجينوم بما فعله شامبليون عندما فك رموز اللغة الهيلوغريفية عن حجر الرشيد، ما أدى الى معرفة تلك اللغة وقراءة التراث الفرعوني. في نظرة واقعية، يمثل الجينوم بداية حقيقة لقراءة الوراثة، لكن العمل الأدق والأهم هو معرفة طريقة عمل المئة ألف جين وتداخلها وتطورها. اذاً، يشبه الجينوم معرفة "ألفباء" الوراثة وتراكيبها اللغوية، وتبقى قراءة الجمل والأسفار وفهم معناها ومضامينها، وهو تحدي البيولوجيا خلال العقد المقبل". ومن المعروف أن الجسم البشري يتألف من ثمانية تريليونات خلية Cell، تضم كل واحدة منها نواة Nucleus تحتوي عناصر الوراثة مجمعة في 24 زوجاً من الكروموزومات Chromosome. يحتوي كل كروموزوم أمتاراً مضغوطة من حامض الوراثة الذي يشار إليه بد ن أ أو DNA اختصاراً لإسم Deoxy Ribo Nucleic Acid الحامض الريبوزي النووي الناقص الأوكسيجين. يشبه د ن أ سلماً لولبياً Double Helix ملتفاً على محوره الطولي، وتتألف عتباته من اتحاد بروتينات أربعة هي: الأدانين Adenine والثيامين Thyamine والسيتوسين Cytosine والجوانين Guanine. يتحد كل اثنين من البروتينات لتأليف "عتبة" السلم، والقاعدة الثابتة هي اتحاد الأدينين مع الثيامين AT والجوانين مع السيتوسين GC. يبلغ عدد العتبات AT وGC نحو ثلاثة بلايين، ترتصف في تسلسلات، تسمى تتابعات القواعد الوراثية Base Sequence، كمثل .. GC-GC-AT-AT-GC-GC-GC-ATالخ. التعرّف الى نسق هذه التتابعات، على طول الثلاثة بلايين عتبة، هو ما يسمى فك شيفرة الوراثة. وكذلك فإن العتبات تتجمع في وحدات صغيرة، كل واحدة منها تقوم بإداء عمل معين. تعرف كل وحدة باسم "جين" Gene ويعتقد أن جسم الانسان تكوّنه شيفرة وراثية قوامها نحو 50 ألف جين.