وفاة والد الأستاذ سهم الدعجاني    نفاذ تذاكر "كلاسيكو" الاتحاد والنصر    «فار مكسور»    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    مطربة «مغمورة» تستعين بعصابة لخطف زوجها!    بسبب المخدرات .. نجوم خلف قضبان السجن!    مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يوقع عددًا من مذكرات التفاهم    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    «كورونا» يُحارب السرطان.. أبحاث تكشف علاجاً واعداً    ساعتك البيولوجية.. كيف يتأقلم جسمك مع تغير الوقت؟    الرياض يتغلّب على الفتح بثنائية في دوري روشن للمحترفين    «مبادرات التحول الاقتصادي».. تثري سوق العمل    في عهد الرؤية.. المرأة السعودية تأخذ نصيبها من التنمية    «قمة الكويت».. الوحدة والنهضة    مملكة العطاء تكافح الفقر عالمياً    هل يمكن للبشر ترجمة لغة غريبة؟ فهم الذكاء الاصطناعي هو المفتاح    مرآة السماء    ذوو الاحتياجات الخاصة    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    الاتحاد السعودي للملاحة الشراعية يستضيف سباق تحدي اليخوت العالمي    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    رواد التلفزيون السعودي.. ذكرى خالدة    روضة الآمال    قيمة الهلال السوقية ضعف قيمة الأندية العربية المشاركة في المونديال    المغرد الهلالي محمد العبدالله: لا مكان لنيمار والمترو الأفضل وحلمي رئاسة «الزعيم»    هيئة الترفيه وأحداثها الرياضية.. والقوة الناعمة    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    نائب وزير الموارد البشرية يزور فرع الوزارة والغرفة التجارية بالمدينه المنورة    الاستدامة المالية    رسائل «أوريشنيك» الفرط صوتية    وكالة الطاقة الذرية: إيران تخطط لتوسيع تخصيب اليورانيوم بمنشأتي نطنز وفوردو    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    إنصاف الهيئات الدولية للمسلمين وقاية من الإرهاب    بالله نحسدك على ايش؟!    عريس الجخّ    كابوس نيشيمورا !    لولو تعزز حضورها في السعودية وتفتتح هايبرماركت جديداً في الفاخرية بالدمام    «COP16».. رؤية عالمية لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    مفتي عام المملكة ونائبه يستقبلان مدير فرع الرئاسة بمنطقة جازان    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    برنامج مفتوح لضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة "بتلفريك الهدا"    رئيس مجلس أمناء مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يعقد اللقاء السابع عشر    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    بالتضرع والإيمان: المسلمون يؤدون صلاة الاستسقاء طلبًا للغيث والرحمة بالمسجد النبوي    الدكتور عبدالله الوصالي يكشف سر فوزه ب قرص الدواء    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شبح سياتل الخفي ومحاكمة "مايكروسوفت" . "الإقتصاد الجديد" : التحول المعلوماتي للعولمة
نشر في الحياة يوم 20 - 04 - 2000

في مطلع نيسان ابريل الجاري، أصدر القاضي الفيديرالي مايكل بنفيلد جاكسون قراره الأولي بإدانة شركة "مايكروسوفت" بدعوى ممارسة الاحتكار.
وفي سرعة مذهلة، سقطت أسهم تلك الشركة في البورصة وخسرت 12 بليون دولار في يوم واحد.
وكأنها كرة ثلج تدحرجت من علٍ، أصيبت أسهم شركات المعلوماتية والتقنية العالية Hightech، والتي تتركز جلها في سوق "نازداك" الالكتروني، وأخذت في الهبوط على نحو مدوٍ.
وفي الثالث من نيسان بدا المضاربون وكأنهم قيد "اللعبة" التقليدية من التوازن المتعاكس بين "النازداك" و"داو جونز" التي هي بورصة الاقتصاد التقليدي في السلع والأموال والفوائد والعملات وغيرها. لكن التوازن لم يستمر طويلاً، فبعض شركات المعلوماتية صارت جزءاً من "داو جونز"، مثل "مايكروسوفت" و"إنتل"، فضلاً عن أن سلع التقنية العالية وخدماتها هي "الاقتصاد الجديد" الذي يجر الاقتصاد الأميركي، وهو المركز الأثقل في الاقتصاد العالمي، وأنهار كلا السوقين.
سارت الأسواق الى يوم الجمعة الأسود، في 14 نيسان، حين بلغت الخسائر في الأسواق العالمية رقماً خرافياً هو ألفي بليون دولار تبخروا في مثل إغماضة العين!!
وفي ما يلي، محاولة لرصد ظاهرة "الاقتصاد الجديد" ونوابضها وتفاعلاتها مع البنى الاقتصادية العالمية.
الأرجح أن مياهاً قوية جرت تحت الجسور بين اللقاء الشهير في فندق فيرمونت التَرِف في سان فرانسيسكو ولاية كاليفورنيا نهاية أيلول سبتمبر 1995، واللقاء الذي عقد في القاعات الرسمية للبيت الأبيض في الخامس من نيسان ابريل الجاري للبحث في موضوع "الاقتصاد الجديد" New Economy.
وفي كلا اللقاءين لم يزد عدد المدعوين عن الخمسمئة ممن يعتقد أنهم يمسكون بالأعنّة الأقوى لاقتصاد العالم، تلك "نخبة النخبة" في الخُمْس الأثرى والأقوى والأكثر تطوراً على الأرض.
لكن المناخات والهواجس، كما تظهر في العبارات والنقاشات، تبدو مختلفة الى حد التفارق.
فقد احتفى لقاء فيرمونت في أبهة القاعات المتلألئة للفندق الفخم، بتكريس انتصار العولمة وبالدخول الى المنعطف النوعي منها، حيث الأسواق الالكترونية هي عصب ما سيعرف لاحقاً ب"الاقتصاد الجديد".
وبدا لقاء البيت الأبيض كأنه التأم تلك النخبة على عجل لدرس ما آلت اليه أمور "الاقتصاد الجديد"، وتحت ضغط الارتباك والترنح لأحد أقوى التعبيرات عنه، أي سوق "النازداك"، وهي أول بورصة الكترونية في التاريخ.
حضر الى لقاء فيرمونت جمع من وجوه السياسة والاقتصاد والاعلام، ممن كانوا ملء الأعين، مثل جورج بوش وزبيغنيو بيريجنسي وجورج شولتز وتيد تيرنر، ولم تكن الآذان اعتادت أسماء مثل جورج كايج عن شركة صن مايكرو سيستيمز للمعلوماتية وبيل غيتس مدير شركة مايكروسوفت وجون بيكارد مؤسس شركة هيولييت باكارد لأجهزة الحاسوب وغيرهم.
لكن الحضور المعلوماتي كان أبعد من الأسماء. ليس فقط لأن التكنولوجيا هي التي ناسبت ورافقت انعطافة الاقتصاد العالمي نحو العولمة منذ الستينات، ولكن أيضاً لأنها محل حدوث تطور العولمة الى مرحلة المعلوماتية وأسواقها الافتراضية Virtual Markets التي تديرها الشبكات.
وفي منحى الافتراضية، قال الجمع في فيرمونت كلاماً ذا وقع حدد مصائر الملايين، من نوع أن الشركات تحتاج الى نخبة قليلة من جيوش العاملين وأن عملها تام في الفضاء الافتراضي.
قال جون بيكارد أن ثمانية مهندسين هم كل من تحتاج اليهم الشركة، ولا أهمية لمكان وجودهم على الأرض.
وفي ذهنية الافتراضية خلص مجتمعو فيرمونت الى القول ان عشرين في المئة من سكان الأرض هم كل ما يلزم لإدامة اقتصاد العالم، ما حوّل الثمانين في المئة نوعاً من الوجود الوهمي القابل للاندثار!!
بدا العالم مفتوحاً وبلا وجه كأنه خلاء بدء الكون.
لا أهمية للجغرافيا ولا جدوى في الحديث عن ثقافات وشعوب وأعراف وهويات وحضارات، ما دام الاعلام المعلوماتي يكتسح الأرض بسيول الصور البهية كطوفان نوح، التي تجعل من بلايين البشر عيناً واحداً وعقلاً ذا نمط وحيد.
وذاك ما كثفه تعبير "التيتي تاينمانت" Titty tainment الذي صاغه بيريجينسكي لوصف إرضاع الأرض، حلمة الوهم الترفيهي.
كيف تبدد كل ذلك البهاء، حتى وصل الى لقاء يحضره الأكثر ثراء في العالم وهو قيد وطأة حكم قضائي على شركته بممارسة الاحتكار؟
وبدلاً من العبارات الرطنة عن "حضارة جديدة" تقودها نخب ظافرة، سيطر الحديث عن تشكك "العجوز الماكر" ألان غرينسبان، حاكم الاحتياطي النقدي الفيدرالي Federal Fund Reserve في آفاق الاقتصاد الجديد، فيما مال الرئيس الاميركي الى اداء دور "الوسيط" بين غرينسبان وبيل غيتس!!
حاول البعض وضع غرينسبان في صورة "الحرس القديم" الذي لم يألف التطور. لكنه خيّب تلك الصورة، إذ شدد في خطابه على أهمية المعلوماتية ولاحظ "ان القفزة النوعية في التطور والابتكار التقني هي التي قادت الى عوائد مرتفعة".
وأعطى غرينسبان الفضل في النمو المستمر والمستقر للاقتصاد الاميركي على مدار الأعوام التسعة المنصرمة، لكنه لفت الى ضرورة التنبه الى المخاطر.
والى المحاذير المألوفة في حال التسارع الاقتصادي، مثل ارتفاع أسعار السلع والنقص في الأيدي الكفيّة، نبه غرينسبان الى ما هو أهم. فركّز على ضرورة دراسة أثر تزايد الهوة التقنية، وكعنصر مضاف الى نظيرتها الاقتصادية، داخل الولايات المتحدة وخارجها.
وكرر كلينتون التحذير نفسه، مشدداً على وجود "هوة رقمية" بين شرائح المجتمع الأميركي نفسه، وكذلك بين أميركا ودول حيوية في العالم مثل الهند والصين وغيرهما.
وكما عبّر المحللون الاقتصاديون في أميركا، فإن مؤتمِري البيت الأبيض كانوا على ادراك بأن تخبط السوق، الذي أعقب الحكم على مايكروسوفت، سيتوازن سريعاً، لكن المسألة لم تكن هنا قط.
فمجرد حصول هذا الاضطراب الكبير مؤشر الى تغيير عميق في آليات العولمة والسوق الالكترونية الجديدة.
العولمة والأسواق الالكترونية
في آخر يوم من العام 1995، أعلن الرئيس المكسيكي أرنستو زيديللو خفض الفائدة على سعر البيزوس بمعدل 15 في المئة، وسرعان ما انهمرت المضاربات عبر الانترنت ضد الخطوة الحكومية.
أسقط في يد زيديللو الذي أدرك أنه لن يقدر على حماية العملة الوطنية المكسيكية، وان اقتصاد بلاده لن يصمد أمام رأس المال العالمي الذي يستخدم الانترنت اداة لتنسيق المضاربات عبر العالم.
اتصل زيديللو بالرئيس كلينتون الذي بادر بالتحادث مع ميشال كامديسيو، رئيس صندوق النقد الدولي في ذلك الحين، وبمؤسسة "بي.أي.سي" المالية.
فالمكسيك حيوية للولايات المتحدة وترتبط معها بمعاهدة سوق "النافتا" NAFTA أي North American Financial Treaty التي توحد اقتصاديات قارة اميركا الشمالية.
وفي غضون ساعات قليلة، تمكنت هذه القلة من تدبر خمسين بليون دولار، ومن دون الرجوع الى أي جهة مرجعية في السياسة او الاجتماع.
لكن ما أوقف سيل المضاربات لم يكن ال50 بليوناً، بل بيان عاجل أصدره الرئيس كلينتون أعلن فيه ثقته بأن زيديللو حريص على مصالح المستثمرين الدوليين.
ولما اطمأن هؤلاء "الذين لا وجه لهم ويتحكمون بكل اقتصاد العالم"، هدأت حمى المضاربة ونجت المكسيك من شفير الهاوية التي أوشكت التردي في حمأتها.
نموذج من "العولمة"
"العولمة" هي الكلمة المستخدمة في وصف التغيير في علاقات الاقتصاد الدولي صوب التداخل والتمازج ورفع الحدود بين الاقتصاديات الوطنية والاقليمية والعالمية، وكذلك دفع عملية تحرير انتقال وعمل رأس المال المالي والخدمات والبضائع والبشر؟؟ الى أقصاها.
وفي تلك الآلية يبدو العالم كأنه سوق واحدة مفتوحة أمام قوة رأس المال والاستثمارات العملاقة، فكأن العولمة هي التجسيد العملي للأممية، رأس المال المالي.
وقد وضعت اللبنات الأولى للعولمة بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، لكن انطلاقة آلياتها الفعلية في أميركا كانت عام 1970، بعد سنة على وصول أول اميركي الى القمر، مع قرار الرئيس ريتشارد نيكسون لتحرير أسواق رأس المال من الرقابة الحكومية عقب أزمة التغطية الذهبية للدولار.
دخل الاقتصاد العالمي في العولمة، عام 1973، عام ازمة النفط والبترودولار، عندما قررت الدول الصناعية الكبرى السبعة G7 الغاء أسعار الصرف الثابتة لعملاتها الذي سبقه اتفاق براينون وودز 1948 إقرارها.
وأدى الأمر الى رفع وتيرة التبادل التجاري في قفزات كبرى، وتزايد الفارق بين التبادل والانتاج الاقتصادي على المستوى العالمي.
من يتحكم بهذه السوق؟
انهم "المضاربون" الذين تطورت الانترنت لتناسب تطلبهم اداة تمكنهم من ليّ عنق كل اقتصاد محلي يقاوم.
وصفهم الرئيس الفرنسي جاك شيراك ب"وباء الإيدز في الاقتصاد العالمي"، بعدما ضاربوا بمعدل مئة مليون دولار في الدقيقة ضد الفرنك الفرنسي، لأن الحكومة "تجرأت" على رفع الفائدة لحماية عملتها.
وثمة مؤسسات يرنو اليها "المضاربون" الذين يؤدي مزاجهم وثقتهم دوراً حاسماً في حركة الأموال، مثل مؤسسة "مودي" Moody و"ستاندرز أند بوورز" Standards and Poor's وغيرها من بيوت المال العالمية التي تصدر تصنيفات دورية بمدى الثقة بالعملات والدول والبنوك والأسهم.
فإذا تراجع تصنيف دولة أو مؤسسة، ولو بمقدار، اهتزت ثقة المضاربين وتحركت أناملهم بسرعة البرق فوق المفاتيح الالكترونية للانترنت لتنتقل أهرامات المال من مكان الى مكان، تاركة وراءها الانهيارات المالية والاجتماعية على نحو ما عانته ماليزيا ودول جنوب شرق آسيا وحتى اليابان وفرنسا والمانيا.
وانطلاقاً من معطى التبادل الإلكتروني، شهدت العولمة صعوداً لبورصة "النازداك"، وهي أول بورصة الكترونية في التاريخ البشري.
وولد الاقتصاد الجديد من اجتماع معطيات العولمة، وخصوصاً البورصة الالكترونية، مع الثقل المتزايد للوزن الاقتصادي لشركات المعلوماتية نفسها وكذلك التوسع في التجارة الالكترونية ]أنظر الى المربع عن الاقتصاد الجديد[.
ويعبّر عن هذا "الازدواج" أو بالأحرى التضاعف في الأسواق العالمية، وجود سوقَي بورصة تتطلع الى قيمتها الأعين كمؤشر الى الاستقرار او الاضطراب، وهما: "داو جونز" و"نازداك".
ويمثل "داو جونز" السوق الاقتصادية التقليدية التي تعتمد أسهم الشركات المنتجة للسلع الفعلية - بما في ذلك البترول - اضافة الى العملات الوطنية والسندات المصرفية وغيرها. وذاك ما كان شأن البورصات منذ بداية الثورة الصناعية.
وتشكل "نازداك" ظاهرة تاريخية مرتبطة بالمعلوماتية، ويختصر اسمها الأحرف الأولى من "نظام التعامل الالكتروني للرابطة الوطنية للتقويم المؤتمت للمتعاملين بالسندات" NASDAQ National Assocation of Securities Dealers Automated Quotations.
شهد العام 1961 البدايات الأولى ل"نازداك" التي تحوّلت الى التعامل الالكتروني عام 1968، لكنها لم تشرع في العمل إلا في الثامن من شباط فبراير 1971، وتضمن اليوم الأول تعاملاً الكترونياً بألفين وخمسمئة سنداً مالياً.
وتتمتع "نازداك" بميزتين: الأولى انها بورصة السلع العالية التقنية High Tech. Franchise، أي أنها المعبرة الفعلية عن الاقتصاد الجديد، وتؤشر الثانية الى الترابط والتداخل في مضاربات العولمة. وشاشات الكومبيوتر في "نازداك" هي مؤشر "مزاج" المضاربة العالمية.
وتتفرع "نازداك" الى مجموعة من الأسواق ذات المهام المختلفة والتي تضارب على النقد وديون الدول والشركات والأصول الثابتة وكل ما يتصل بالتبادل الاقتصادي.
وأدت سرعة الكومبيوتر الى ظهور فكرة التبادل بين أنواع المضاربات المختلفة، وبغض النظر عن نوعيتها. والأخطر هو وضع ديون الدول وفوائدها وعملاتها قيد المضاربة المركبة.
ومن هذا المفصل، يمكن رؤية الدور العميق ل"نازداك". فعلى رغم توزعها على أسواق عدة، إلا أن العصب المشترك هو الشاشات الالكترونية التي تعطي التقديرات عن الإداء الاقتصادي في أوجهه كافة.
وعلى نحو متزايد، أخذت العلاقة بين الاقتصاد التقليدي والجديد تعبّر عن نفسها بالعلاقة التبادلية - المتعاكسة لسوقي "داو جونز" و"نازداك".
لدى صدور الحكم ضد "مايكروسوفت"، اهتزت ثقة المضاربين بإحدى أهم مؤسسات "الاقتصاد الجديد" وأقواها، فنقلوا الأموال الى... "داو جونز"، أي السوق التقليدية!!
ففي الثالث من نيسان ابريل، عشية اجتماع البيت الأبيض، عرفت "نازداك" أضخم سقوط لمجموع نقاطها منذ نشوئها، فيما أقفل "داو جونز" على ارتفاع لم يعرفه منذ مطلع العام.
وهذه العلاقة "التبادلية" تكرّس وجود الاقتصاد الجديد، وهي من مستجد المعالم التي أحدثها دخول التحوّل المعلوماتي الى آليات الاقتصادية.
وصف وجيز
لعلاقات السوق التقليدية
في خطابه أمام مؤتمر "الاقتصاد الجديد" تحدث غرينسبان تكراراً عن العلاقات التقليدية في السوق، والتي سادت خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية.
وعلى رغم القراءات المختلفة والمتعاكسة جذرياً، يمكن محاولة توصيف السوق الرأسمالية باعتبارها قائمة على الانتاج الصناعي والزراعي المتوسع، وعالمية السلع والتبادل، والنظام المصرفي المفتوح على تبادلات تسمح لرأس المال المالي بالتحرك الحر في الاستثمار والمضاربة، مع تدخل الدول عبر بنوكها المركزية وتحكمها النسبي بعملاتها الوطنية وما الى ذلك.
ولا يتسع المجال لوصف العلاقة المعقدة بين المركز الغربي والأطراف في الدول النامية، وعلاقات البترول - كسلعة ذات وضع خاص - والمواد الأولية وغيرها من الصورة المتشابكة التي تزداد تعقيداً مع تذكر الأبعاد السياسية ومعطيات الحرب الباردة وغيرها من العناصر.
لكن ما قصده غرينسبان خصوصاً تركز على مجريات السوق في الولايات المتحدة نفسها. ويمكن تقديم نتف عن علاقات السوق التقليدية، وعبر تبسيط مخل بالضرورة، ورصد "قانون العرض والطلب" وأثره في بعض المجريات الأساسية كمثل العلاقة المتعاكسة بين سعر الفائدة وقيمة أسهم الشركات.
عندما يرفع البنك المركزي الأميركي مثلاً، سعر الفائدة، تهرب الأموال من السوق الى صناديق البنوك، وتتجنب الدخل الى الاستثمار بأشكاله المتعددة.
يتبع ذلك انخفاض سعر الأسهم التي تصبح معروضة بما يفيض عن الطلب عليها. ومع انخفاض الاستثمار في السوق وشفط السيولة الى البنوك، تنخفض وتيرة النشاط الاقتصادي وتزداد البطالة.
ولا يُقبل المستثمرون على طلب القروض المصرفية للمشاريع والأعمال نظراً الى كلفتها العالية، ويلجأ البعض الى صرف العمال وتقليص التوظيف وما الى ذلك.
غالباً ما لجأت البنوك المركزية الى رفع الفائدة توخياً لدعم قيمة العملة ولزيادة القدرة الشرائية ودعم الاستيراد والحصول على المواد الأولية من الخارج.
لكن الأمر يفضي الى جعل المنتوجات المحلية مرتفعة السعر قياساً الى العملات الأخرى، ما يبطئ التصدير. وفي اختصار، فإن صورة من الجمود والركود والبطالة تترافق مع رفع سعر الفائدة، بمعدل لا يتوافق وقوى السوق الفعلية وحركة رأس المال المالي.
كيف تكون الصورة المقابلة؟
يشبه البعض خفض معدل الفائدة بوضع الوقود في محرك الاقتصاد، مع الخشية دائماً من الحماوة المفرطة للاشتعال الذي ربما وصل الى حد إرهاق المحرك وإنهاكه.
فمع الخفض، تنفر السيولة من البنوك التي تصبح ميّالة الى عرض القروض وتيسيرها. وترتفع القدرة الشرائية نظراً الى توافر السيولة، وتميل العملة الى الانخفاض، بما يدعم التصدير.
فإذا استمرت هذه الوتيرة في التصاعد، قد يفضي أمرها الى رفع أسعار السلع نظراً الى زيادة الطلب عليها. ومع زيادة النشاط الاقتصادي تقلّ البطالة ويزداد الطلب على الأيدي العاملة.
وربما أدى ذلك الى رواتب مبالغ فيها، ما يزيد في كلفة السلع والخدمات ويدخل الاقتصاد في دورة سلبية من التضخم المفرط.
خفض الفائدة يترافق مع خفض قيمة العملة الوطنية، ما يفيد الاقتصاد في حال ارتكازه الى التصدير إذ تصبح السلع المصدرة رخيصة ومنافسة في السوق العالمية.
لكن الذهاب بعيداً في هذا المنحى يؤدي الى خفض القدرة على استيراد السلع والمواد الأولية، ما يرفع أسعارها في السوق المحلية، ويصبح البترول المستورد أغلى سعراً... الخ.
ويترافق خفض الفائدة مع ارتفاع شديد في وتيرة الحركة الاقتصادية وارتفاع مطرد في التضخم، وذلك ما يطلق عليه اسم "الاقتصاد الفائق السخونة" أو Over heated Economy.
ولإخماد حدّة الحمى، تلجأ البنوك المركزية الى رفع معدل الفائدة على أمل دفع الاقتصاد في الاتجاه الآخر.
ومن المعروف أن الاقتصاد الأميركي يعيش منذ تسع سنوات، أي جلّ مدة ولايتي كلينتون، انتعاشاً وقوة "غير طبيعيين".
تظهر اميركا كل صفات الاقتصاد الفائق السخونة، ولكن من دون معاناة أي من الأعراض الجانبية.
لا تظهر السوق ارتفاعاً في أسعار السلع، ولا تؤشر الى أي تضخم، على رغم ضخامة عمليات السوق وانخفاض البطالة التي وصلت الى أدنى مستوى لها منذ نصف قرن تقريباً.
وحافظ الدولار على قوته وأكثر، ولم تهزه الأزمات التي دالت دورتها من دول جنوب شرقي آسيا واليابان الى أوروبا بشقيها.
حتى ارتفاع اسعار البترول في المرحلة التي سبقت مباشرة سقوط أسهم مايكروسوفت، لم يؤد الى اهتزاز الاقتصاد الأميركي.
وفي معطيات السوق التقليدية، يبدو الأمر ظاهرة غير طبيعية حيث الحماوة الاقتصادية وقوة العضلات المالية مجتمعة من دون إرهاق الجسد الاقتصادي.
ويصعب تجنب حضور "الفياغرا"، ولو على سبيل التشبيه، وظلال القوة الجنسية التي يتمتع بها الجسد في وضع غير مألوف، وفيما "المعطيات التقليدية" تقول بذواء قدرته على الحماوة في الأداء.
واستطراداً، فإنها مرحلة من التدفق الجنسي القوي في أميركا كما تعبّر عنها فنون الانترنت والتموّل في مفاصل الاشرطة السينمائية وعلاقاتها، والحضور المستديم للجسد ومشاغله في عروض الأزياء والروايات والمسلسلات التلفزيونية... الخ.
لكنه تحرر جنسي محوط بذكورة فائقة كذلك.
هل المعلوماتية أو هل كانت؟ والسلع العالية التقنية هي "الفياغرا" القوية والمديدة المفعول التي دعمت الأداء الساخن للاقتصاد الأميركي؟
وفي أن الفياغرا هي أيضاً ما لا يدوم، وأن بعض أفعالها يثير اضطراباً في القلب، يمكن رؤية التوجس الذي ساد أقلام المعلقين الاقتصاديين، فسارع الجمع الى وصف سوق الأسهم التقنية وسوقها نازداك ب"انفجار فقاعة" اقتصاد الانترنت الجديد؟
شبح "سياتل" الخفي
وفي المقولات الرائجة للاقتصاد الجديد وللعولمة، تحوّل العالم سوقاً لا جغرافيا لها. وفي أواخر العام 1999، شهدت مدينة سياتل، وهي مقر مايكروسوفت وبوينغ وغيرهما، العولمة وهي تتصادم في الشوارع الضيقة وتحارب في كل متر وزاوية ومبنى.
وفي سياتل، انتهت اسطورة محو الجغرافيا وتجاوز احتياجات اربعة أخماس البشرية.
وبعده، صار حديث كل مؤسسات العولمة والاقتصاد الجديد، من ميشال كامويسو مروراً بالرئيس كلينتون نفسه، يدور على معنى أخذ مطالب الأضعف والحاجات الفعلية للناس وللتفاوتات الدقيقة والعميقة في العالم.
قبيل اجتماع "الاقتصاد الجديد"، استرد البترول وجوده في الاقتصاد العالمي، وعادت المعادلات التقليدية للمحافظة على ثبات تدفقه، بما في ذلك الآليات السياسية والعسكرية.
في اجتماع البيت الأبيض، ساد التساؤل عن ماهية النوابض الحقيقية والعلاقات الفعلية للاقتصاد الجديد.
وبحسب المحللين والخبراء الاقتصاديين، بمن فيهم غرينسبان نفسه، من الثابت ان "تغييراً ما" حصل في الاقتصاد المعولم، لكن صفاته ليست واضحة تماماً.
في سياتل، رفع المتظاهرون ما أشار الى "تغيير ما" في المقولات الثابتة للرأسمالية كمثل انفكاك التلازم بين الليبرالية والديموقراطية وانفتاح الشعوب ونظام العولمة.
لم يكن مجرد اقتصاد وهمي وافتراضي، حتى لو تمت جلّ معاملاته في الفضاء الوهمي وعبر آليات الحوسبة الافتراضية، بل على الاقتصاد الجديد ان يتموضع في العالم الممتلئ بشراً وإرادات فاعلة يصعب تجاهلها.
وكما في سياتل، يسود صخب هادئ حيال الاجتماع المقبل للبنك الدولي في واشنطن، حيث ديون الدول النامية على محك ساخن. فأي فصل ستشهده العاصمة الاميركية هذه المرة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.