مهرجان الفرح الثاني لمدينة بيروت كان له نكهة مميزة هذا العام، "مهرجان الاراكيل لعام 2000" وتصدرته عروس كانت لها ايام عز، عندما كانت تتربع على الطاولة، تسمع كركرتها في كل مكان، وفي نكهة نفسها متعة. فمن مقاهي ال تيراس في رأس بيروت، الى مقاهي الرصيف العربية في البسطة والمزرعة والاشرفية والجميزة وباب ادريس والنورية، كانت الاراكيل مصففة وكان الحكواتية في السهرات يقصون على صوت كركرتها قصص عنترة وأبو زيد الهلالي. وكما بيروت كذلك في كل المناطق كانت الالركيلة تتصدر المقاهي وتحولت الى علامة فارقة في الاربعينات والخمسينات في زمن الفتوات وقباضايات الاحياء الشعبية، إذ كان لكل قبضاي اركيلته الخاصة التي لا تفارقه تماماً كما لا تفارقه خيزرانته، وكان يجلس في المقهى يدخن اركيلته ويصرخ ناره يا ولد، ليلفت انتباه الحضور الى وجوده، ولعل قصة ابو عفيف البيروتي وتحديه لهتلر خير شاهد والتفاصيل لاحقاً. ويأتي مهرجان الاراكيل لعام 2000 والذي نظمته رابطة ابناء بيروت ليشيع جواً من البهجة والفرح لدى ابناء العاصمة والمناطق ولينعش نكهة التراث التي لا تزال تحيا في الذاكرة. فحرج بيروت الذي كان لسنوات خلت خط تماس لحرب لعينة، تحول اليوم الى ملتقى حضاري لمباراة هي الاولى من نوعها يتبارى فيها ابناء العاصمة والمناطق كافة، ويتسابقون للفوز بجائزة افضل وأجمل اركيلة في مهرجان ترفيهي استحوذ على اعجاب وحماسة وإهتمام الكثيرين لفكرته الجديدة ولطرافته. وقد شارك فيه نواب وشخصيات وهيئات وجمعيات وروابط وحشد كبير من اهالي بيروت. في هذه المباراة تتالى عرض الاراكيل المتنوعة على اشكالها من مصرية وإيرانية وهندية وتركية ولبنانية ولكل واحدة كنية وميزات معينة ولمدخنها مواصفات يجب ان تتوفر به ومنها معرفة قواعد وأصول النَفَسْ وتتويجه مشتعلاً فوق الرأس الفخاري. المخطوبة، فلة، الدكتورة، ست الكل، محبوبة، بنت البلد، الكعكعة، الغجرية، نورا، ام الطول، على بابا، العربية، اسطنبولية، شهرزاد وزهرة الورد العجميّة، هي اسماء للأراكيل المشتركة في المهرجان وقد تبارت كلها برفقة اصحابها ومدخنيّها، وتصدرت اللائحة زهرة الورد وهي ايرانية المنشأ طولها 65 سنتم. وصينيتها من النحاس وتعود ملكيتها الى ابو داود الباشا، اما مدخنها الفائز فهو مصطفى عباس. وحلّت في المرتبة الثانية اركيلة "تركية" طولها 20 سنتم وهي من النحاس ولا صينية لها وتستخدم فحم السنديان ومالكها عصام فتح الله وتقاسمت الجائزة الثالثة كل من اركيلة العروس وأركيلة شهرزاد التي لها ايضاً الف حكاية وحكاية. رئىس رابطة ابناء بيروت السيد احمد حمندي يعود بنا الى الذاكرة ويحدثنا عن اهمية مهرجان الاراكيل ويقول: المهرجان هو لإعادة شريط ذكرى لمجد هذه الاركيلة وما كان لها من اهتمامات وعادات ورثها البيروتيون من عهد العثمانيين ورافقتهم ليورثوها لأولادهم وأحفادهم ومجتمعاتهم، ونحن كرابطة نولي كل اهتمام للعادات والتقاليد البيروتية التي دثرتها الحرب ونسيها الجيل الجديد. وكان لنا مهرجانات طريفة كمهرجان التبولة والمجدرة وأطيب قالب حلوى منزلي، اضافة الى اجمل بيت تراثي للأطفال ومهرجان الابداع المسرحي ويوم المسن ونشاطات اخرى هدفها احياء روح التراث وإضفاء الفرح على الجميع. ويقول السيد حمندي: كان للأركيلة في ما مضى بجلسات الحكواتي وأبو عبد البيروتي مكانة لا يستهان بها من هيبة ووقار، في حين نرى اليوم هجمة من الجيل الجديد عليها كوسيلة ترفيه وترويح عن النفس، من دون معرفة اصولها وقواعدها. 104 بين ولد وحفيد ولعل الرقم القياسي عند النساء في تدخين الاركيلة سجلته جيهان تركي طبارة 93 عاماً لديها 104 بين ولد وحفيد وقد بدأت تدخين الاركيلة وكان عمرها 15 سنة، والطريف ان الخادمة تحضرها لها وتأتي بها الى السرير. تقول وهي بكامل وعيها ونشاطها "الاركيلة عندي قبل الطعام والشراب. ولي معها ذكريات كثيرة وتبقى سلوتي في وحشتي على رغم نصائح اولادي وأحفادي بتركها". والاركيلة فن يحتاج الى قواعد وأصول. يقول ابراهيم كلش "ابو شوقي" الاركيلة ترمز الى الهيبة والوقار لذا من العار ان تطفئ السيجارة داخل صينيتها، او ان تولعها من الجمرة المعبأة على الرأس الفخاري فذلك يسيئ اليها. ويضيف، تحضير الاركيلة فن في حد ذاته، فهناك نفس لا يشتعل ابداً وآخر يشتعل من اول سحبة، المهم ان نرص النفس بشكل جيد، ولكل نوع من التنباك طريقة خاصة به، وأشهرها العجمي والاصفهاني والتركي والوطني المعسل المتدوال عند شباب اليوم وخصوصاً الفتيات في البيوت والمقاهي. زهرة الورد مصطفى عباس الفائز بأركيلته زهرة الورد بدأ تدخين الاركيلة في سن الفتوة ويهوى جمع الاراكيل: "اشتركت في المباراة وكانت ممتعة فهي لم تقتصر على عرض انواع وأشكال الاراكيل بل كانت مباراة حيّة عن تحضير الاركيلة وفن تدخينها وأصوله. وفازت اركيلتي "زهرة الورد" بين 25 مشتركة، وهناك اركيلة طولها 5،2 سنتم وهي فلكلورية بالطبع. والاركيلة جليسة النساء ايضاً، ولهذا حصة كبيرة منها، وكما هي في المقاهي كذلك فهي انيسة البيوت وشرفات المنازل. حنان حوا مدخنة اركيلة من الدرجة الاولى شاركت في المباراة بأركيلتها نورا وطولها 30 سنتم وهي سعودية المنشأ. ولكن الحظ لم يحالفها تقول: لأول مرة اشارك في مسابقة من هذا النوع وهي طريفة وقد تعرّفنا من خلالها على اراكيل مختلفة الانواع والاشكال. بدورها هدى الاسمر 35 سنة من سكان منطقة الجميزة تقول: الاركيلة هي جليستي وسلوايّ وأنا ادخنها يومياً ويشاركني زوجي النَفَس بعد ان اقنعته بترك السيجارة التي تضر بصحته. وتضيف هدى: لقد استرعى انتباهي اركيلة العام 2000 في المباراة وهي جميلة جداً. أبو عفيف يتحدّى هتلر ويروي ابو شوقي قصة هتلر الذي تحداه القبضاي ابو عفيف البيروتي من مقهى البسطة عبر اذاعة صوت المانيا ودعاه الى النزول الى بيروت، وقد قبل هتلر التحدي عبر الاذاعة نفسها بقوله: سنلتقي يا ابو عفيف وفي البسطة تحديداً. ومع مهرجان الاراكيل وقصصها ونوادرها نتمنى ان نجد دائماً من يعيد الينا نكهة تراثنا وعاداتنا وتقاليدنا القديمة.