تشهد السنغال - ومنطقة غرب افريقيا كلها من خلالها - غداً الأحد أخطر معركة انتخابات رئاسية الرابعة من نوعها بعد انتخابات 1983 و1988و1993. وتحظى تلك الانتخابات عادة بأهمية محلية ودولية نظراً الى أن السنغال من أقدم الديموقراطيات في القارة الافريقية، والى المكانة الدولية والفرانكوفونية المتميزة للرئيس عبده ضيوف الذي يعتبر حالياً ثاني أقدم الرؤساء الفرانكوفونيين في افريقيا بعد الجنرال اياديما. وعلى رغم أن الانتخابات الرئاسية السنغالية السابقة جرت كلها بصورة مشرفة باستثناء بعض التجاوزات المحدودة والمقبولة في معظمها وفقاً للأعراف الافريقية الا ان انتخابات هذه المرة تدور في جو يشوبه توتر ملحوظ، وتتميز في الوقت نفسه بإجرائها في ظل شعارات حتمية التغيير والتجديد بعد قرابة 19 عاماً متصلة من زعامة الرئيس ضيوف، كما انها المرة الاولى التي يلوح فيها شبح احتمال حدوث جولة إعادة في اذار مارس المقبل كان ضيوف يحقق دائماً فوزاً مريحاً من اول دورة. كما تنفرد هذه المعركة بتعرض الرئيس ضيوف لمنافسة شديدة من 7 متنافسين ينتمون الى أحزاب ومستقلين على رأسهم غيبوكا شغل من قبل مناصب وزارية عدة، ومصطفى نياس الذي شغل منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية غير مرة، مع ملاحظة أن كليهما من أقطاب الحزب الاشتراكي السابقين، ومن اقطاب مذهب التيجانبة المهيمن دينياً في السنغال، كما أن كليهما يتمتع بسمعة دولية واقليمية مرموقة بحكم مناصبهما السابقة، وكلاهما انسلخ عن الحزب الاشتراكي ليشكل حزبه الخاص تحسباً لخوض انتخابات الرئاسة مستقبلاً. هذا كله بخلاف زعيم المعارضة التقليدية عبدالله واد رئيس الحزب الديموقراطي السنغالي P.D.S الذي تولى منصب نائب رئيس الوزراء مرتين بموافقة ضيوف شرط ان يشترك على اساس برنامج حزب الغالبية الحزب الاشتراكي وليس على اساس برنامج إئتلاف حكومي موحد كما كان يريد واد دائماً. وعلى رغم تأكيد ضيوف على تمسكه بوجوب ضمان أكبر قدر من الحياد والشفافية لهذه الانتخابات، الا ان أحزاب المعارضة عمدت من جانبها الى ترويج الاشاعات والاتهامات المسبقة، عن ترجيح حدوث غش وتزوير ضدها لمصلحة ضيوف، بلغت حد أن واد هدد بأنه في حال عدم نجاحه وثبوت تزوير هذه الانتخابات سيلجأ الى الجيش لتولي إدارة المعركة الانتخابية معيداً الى الأذهان تجربة ساحل العاج الاخيرة. وكان من نتيجة هذا الجو المحموم حدوث توتر كبير لدى أحزاب المعارضة وتعرض متاجر بعض اللبنانيين للتحطيم وترويج اشاعات عن أن إسرائيل زودت وزير الداخلية السنغالي ببعض البطاقات الانتخابية غير القابلة للتزوير، وعلى رغم تكذيب الوزير وتأكيد الرئيس ضيوف عدم علمه بأي شيء في هذا الخصوص الا ان الوزير يؤكد انه حتى اذا كانت صحيحة فإنها دليل على حرص السنغال على ضمان نزاهة الانتخابات. غير أن أخطر ما تثيره هذه الانتخابات بالنسبة الى المستقبل السياسي في السنغال هو ما تطرحه من تساؤلات حول أحقية ضيوف في ترشيح نفسه بعد قرابة 20 عاماً متصلة في السلطة. والاثار المتوقعة لهذه الانتخابات ويصعب التكهن بنتائجها هي ما تمثله وما تفرضه من تساؤلات عن مستقبل الحزب الاشتراكي السنغالي الذي ظل منفرداً بحكم السنغال قرابة 40 عاماً منذ عهد ليوبولد سنغور، وتعرض في الاعوام الخمسة الاخيرة لصراعات خفية وعلنية. * عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية.